|
أن الصور المتداولة في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لأشلاء ضحايا تفجيرات مركز التسجيل للمجندين التابع لمعسكر بدر وبوابته بعدن، أبكت الكثيرات وقطعت قلوبنا الروايات لمواقف آباء وأمهات الضحايا وهم يبحثون عن أبنائهم ، شباب في مقتبل العمر، خرجوا من منازلهم ساعين لطلب التسجيل في الجيش، بدافع أعانة أُسرهم، فما من ضحية منهم ذهب ولم يعد! إلا وترك خلفهُ أسرة تنتظر عودته، وتتطلع لأمل إلتحاقه بالسلك العسكري ليعيلها، ويحُسن من دخلها المعيشي، لكن يد الإرهاب تغتاله في بداية الطريق. أحزنني كثيراً ما تردد عن صعوبة تعرف الآباء والآمهات عن جثث أبنائهم ، وأحزنتني لحظات وصول أهالي الضحايا إلى موقع جريمة مركز الترقيم التابع لـ " معسكر بدر" للبحث عن أبنائهم، أحزنتني: قصة أحدى الأمهات الذي أكتسى وجهها الحزن والحسرة، وهي تبحث في ثلاجة الموتى وتتفحص الأشلاء، واجهاشها بالبكاء حين وجدت علامة على جثة يصعب التعرف عليها، أكدت لها بأنه أبنها الذي خرج ولم يعد! لقد أجهشت بالبكاء وانا استمع لهذه الرواية من أحد الشهود - فلا تملك الأمهات اللواتي يخسرنَ أبنائهن غير البكاء والحزن والقهر، لمجابهة هذا التطرف الديني الذي بات كابوس العصر يؤلم حياة اليمنيين، ويتسبب في الأذى لهم، بل حوّل حياة بعض الأسر إلى جحيم.
للأسف لا يزال الأخوة في الجنوب غارقين في تبادل الإتهامات والتشكيك في بعضهم البعض، والإنشغال بالصغائر التي تصرفهم عن مجابهة العدو الأشد خطورة عليهم وعلى استقرارهم: تنظيمي " داعش والقاعدة " الذي يتطلب منهم التوّحد للتصدي لهما والعمل بشكل جدي وملموس، كجبهة واحدة لتحصين الشباب من مصدر خطرهما الرئيسي وهو" التطرف الديني" الذي يكتوي بنيرانه الكل، والحفاظ عليهم من الإنجرار أو الوقوع في مصيدته، والقضاء على الأجواء والمناخ الذي يتنفس فيه، ويجعله يتمدد الينا بأخطاره في الأسرة والحارة والعمل، وفي كل مكان نذهب اليه؛ فالبداية الحقيقية للتصدي لتنظيمي "داعش والقاعدة" هي الوقوف بحزم ضد التطرف الدينيي بإعتباره المصدر الرئيسي لتغذية الإرهاب الذي تحصد أمهاتنا مصائبه ويذرفن دموعهن بسببه، كونها أم للضحيتين "المغرر به والقتيل". فالمذابح الوحشية التي يرتكبها تنظيم "داعش" بأسم الدين وأستهدف الشباب الأبرياء الراغبين في الالتحاق للجيش والأمن في المكلا وعدن وقتلهم بدم بارد، لا تقل وحشية عن الجرائم التي يرتكبها تنظيم "القاعدة" بحق المدنيين وبنفس الدافع ومصدر الخطر " التطرف الديني" الذي انتشر في مجتمعنا اليمني وبالذات بين الشباب بصورة مخيفة وأصبح خطره ظاهراً على الملاء يلحق الأذى بالمواطن الفقير البسيط الذي يسعى للحصول على لقمة العيش بسعيه لتسجيل أبنه في الجيش أو الأمن. وأمام ما يجري هل نستمر في تعاطينا مع هذا الخطر بالخذلان والانتظار حتى يتحول المجتمع إلى ضحية يفترسها التطرف الديني؟!
قد نخرج من التفجيران المتتاليين في بوابة معسكر بدر ومركز التجنيد التابع له، بإستنتاج يؤكد إن هذا العمل الإرهابي المدان هو نتيجة ومحصلة نهائية للتطرف الديني، ويتسبب في الأذى للمواطنين البسطاء، ويمكن إرتكابه في أي مكان وزمان وفي أي ظرف، لكن إلى جانب ما نستشفه من حقائق واستنتاجات فإنه ينبغي على المجتمع وأولهم السلطات المعنية إتخاذ خطوات حازمة لتطبيق إجراءات تجعل التدابير الاحترازية والحيطة والأمان في أعلى درجاتها في المؤسسات الدفاعية والأمنية، وأماكن تُجمع المدنيين للحفاظ على سلامة أرواحهم، وعدم ترك الحبل على القارب، كما حصل في عدن هذه المرة والمرات السابقة، وما حصل للمستجدين في حضرموت هذا الشهر، والاقلاع عن التعامل العفوي والتساهل في مثل هكذا ظروف وتجمعات يدعى اليها الشباب البرئ.
واضح أن الإهمال كان حاضراً في معظم المذابح والتفجيرات الانتحارية المتكررة، الحالية والسابقة من قبل تنظيمي "القاعدة وداعش" التي أستهدفت الشباب المستجدين طالبي التسجيل والانظمام للجيش والأمن في اليمن، لعدم إتخاذ القادة والسلطات الأجراءت الأمنية المفترض إتباعها، وهم يستقبلون طلبات الشباب المتقدمين، ومن الواجب أن تتغلب السلطات العسكرية والأمنية على هذا التقصير، الذي لا يمكن الإغفال عنه أو مداراته، رغم ان معظم الحالات قد يكون دون قصد أو تعمد من القادة، مع أن قناعتي الشخصية أنه مهما أتخذت التدابير الاحترازية لبلوغ أعلى درجات الليقظة والحرص لصد هجمات تنظيمي "داعش والقاعدة" إلاّ ان الجهود ستظل ناقصة ، وغير مكتمله ، نظراً لوجود وبقاء مصدر الخطر قائماً " التطرف الديني" متغلغل يعيش بيننا بدأً بالأسرة والحارة والمجتمع، يطور أساليبه وأدواته لإختراق أي أجراءات تتخذ لشل قدراته أو لمحاصرته لا سيما في بلد فقير كاليمن يعاني من مشكلات متعددة يصعب عليه إحراز أي تقدم لصد الهجمات الإرهابية، إذا لم تسير جميع الإجراءات بالتوازي - تحسين القدرات الأمنية ورفع الليقظة وإتباع قواعد الأمان لصد أي هجوم محتمل بالتوازي مع اجراءات ملموسة تحّد من التطرف الديني، ونشر قيّم المحبة والتآخي بين أفراد المجتمع، ونبذ العنف بالإضافة إلى تجفيف منابع ومصادر الإرهاب، ومكافحة الفقر والبطالة ، والقيام بالتوعية الفاعلة لتحصين الشباب من الإنجرار خلف الفكر المتطرف - لضمان تحقيق نتائج مقبوله لصد هذا الخطر الذي ينحر شبابنا ويفتك بمجتمعنا.
n.albadwi2013@hotmail.com
في الأحد 29 مايو 2016 09:21:05 م