مذبحة دار المسنين وتساؤلات مشروعة
كاتبة/نُهى البدوي
كاتبة/نُهى البدوي
لم تهز المذبحة المروعة التي ارتكبت بدارالرعاية للمسنين في عدن مشاعر وأحزان أخوتنا في الجنوب فقط ، حين أقدم مسلحون يوم الجمعة الماضية 4 مارس الجاري على قتل 16 شخصاً،بعد أن اقتحموا مقر "بعثة الإحسان" في الدار بحي الشيخ عثمان، وقتلوا حارساً ثم راحوا يطلقون النار عشوائياً على من كانوا بالداخل وقتل 11 شخصاً من المسنين وأربع راهبات كنّ يعملن ممرضات والضحايا الأربع من رواندا وكينيا والهند، بل أحزنتنا وهزت مشاعرنا في تعز وصنعاء وكل أنحاء اليمن، وأثارت اهتمام الشارع ليطرح تساؤلاته التي تمحورت معظمها حول من المسئول والمستفيد من ما حدث؟
ولم نتصور أقدام أي جماعة إرهابية على ارتكاب مثل هذه المذبحة التي تذكرنا بعض عناصرها بجريمة مستشفى العرضي بصنعاء ، لكننا إذا نظرنا إلى تباعاتها سنجد فظاعتها تفوق الفعل والأثر السلبي المستقبلي على العمل المجتمعي الطوعي في اليمن، عن مقارنة بما حدث في مستشفى العرضي ؛ لضعف مبرر موقع المذبحة وقتل الممرضين والعجزة المسنون الذين جاءوا إلى دار المسنين هرباً من قساوة الأسرة وقهرالمجتمع باحثين عن الرحمة، التي لم يجدوها إلا في هذا الدار الذي لم يسلم من العناصرالإرهابية التي استبدلت الرحمة والأمان بالخوف والرعب بارتكابها جريمة الجمعة النكراء التي تشابه في بعض عناصرها جريمة العرضي. لكن بيان تنظيم القاعدة أسكت من عادتهم بهم الذاكرة إلى جريمة العرضي للتسويق بإحتمال تورطه في مذبحة دار المسنين في عدن، الذي نفى فيه أي مسؤولية له عن الهجوم. وقال في بيان نشرته مواقع تابعة له على شبكة الانترنت :"نحن مجاهدو أنصار الشريعة ننفي صلتنا وعلاقتنا بعملية استهداف دار المسنين، وكذا علاقتنا بمقتل الشيخ عبدالرحمن العدني الذي قتل الأسبوع الماضي وهذه ليست عملياتنا وليست هذه طريقتنا في القتال".
لا يمكن للمواطن غض طرفه عن علاقة ما يحدث في مدينة عدن بحالة التسابق الحاصلة بين تنظيمي "القاعدة "وتنظيم الدولة الاسلامية "داعش" على عدن، وبتطورات الصراع والحرب الدائرة منذُ عام في اليمن، بين قوات تتبع السلطة والحكومة الشرعية التي تتخذ من مدينة عدن عاصمة مؤقته لها، وبين القوات المؤيدة لجماعة الحوثي والرئيس السابق صالح المدعومة من "إيران" التي أجبرتها القوات الحكومية المسنودة بدعم عسكري من قوات التحالف تقوده السعودية على الانسحاب من المدينة منتصف تموز الماضي، بعد معارك ضارية خاضتها ضدها؛ لكن ما يثير تساؤلاته حول من المسئول عن ما يحصل في عدن؟ هو عدم إعلان أي جماعة إرهابية أو طرف آخر مسؤوليته عن الهجوم، رغم أن مسؤولين يمنيين أشاروا بأصابع الاتهام لتنظيم الدولة الإسلامية.
صحيح أن المسئول الأول عن المذبحة هو المستفيد المباشر منها، لكن لا يستبعد استفادة بقية الأطراف بتوظيف نتائج هذه الجرائم لمصلحة أهدافها، وتأتي جماعة الحوثي وصالح في مقدمة الأطراف المستفيدة، لإبراز صورة سلبية للخارج والداخل أنها هي وحدها القادرة على حماية المجتمع في الشمال والجنوب من الإرهاب، وحماية العمل المجتمعي الطوعي، وصون المصالح وعلاقة اليمن مع الخارج. فعدم وجود أية دلائل اتهام تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" المعروف بعدائه للدولة والحكومة الذي لم يسارع كعادته بتبني ارتكابه للعملية واستفادته منها ، بلإضافة إلى عدم اصداره أي نفي قد يضعه في موضع الرضاء عن الجريمة بغية تعميق وإذكاء الصراع بين الأطراف السياسية المتحاربة في اليمن، لتقديم نفسه البديل الأفضل عن الدولة. أما تنظيم القاعدة في اليمن فإن نفيه قد زاد تشويه صورة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في نظر المجتمع، وعزز ذلك اتهام الرئاسة اليمنية ومحافظ عدن عيدروس الزبيدي من وصفاها بخلايا تابعة للحوثيين وعلي عبد الله صالح في عدن بالوقوف وراء الهجوم على دار المسنين والهجمات التي تستهدف قوات الأمن والجيش والمكاتب الحكومية وعمليات الاغتيالات التي انتشرت في الآونة الأخيرة في عدن، وكذلك ما جاء في آخر حوار للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في صحيفة عكاظ السعودية نشر في 2 مارس 2016م العدد رقم (5372) الذي لم ينكرفي معرض ردوده وجود "داعش" لكنه قال " الموجود على الارض "داعش" التي يديرها علي عبدالله صالح"، لتضع هذه التصريحات السلطة الشرعية ودول التحالف العربي في موضع المستهدف من العملية إلا أن هذه الفرضية لا تعفيهما من تحمل مسؤوليتهما عن المذبحة لإخفاقهما في حماية هذه المواقع والمدنيين وإحكام السيطرة على المناطق المحررة.
لا ننسى أن الأسبوع الذي سبق ارتكاب هذه المذبحة شهدت المنطقة تطورات إستثنائية في مواقفها السياسية تجاه الأوضاع الأمنية والتدخلات الإقليمية فيها أبرزها وضع حزب الله المعروف بعلاقته مع الحوثيين على قائمة المنظمات الإرهابية إذ لا يستبعد سعيه للاستفادة من نتائج هذه الفوضى التي تحدث في اليمن لصالحه، لتخفيف الضغط عن حلفاؤه جماعة الحوثي وصالح بعد أن اقتربت قوات الحكومة الشرعية ودول التحالف من دخول صنعاء، ولتقليل من حجم انتصاراتها في الجنوب وتصويرها بإنها غير قادره على فرض سيطرتها على تلك المناطق التي انسحبت منها مليشيات الحوثي وقوات صالح.
مهما تباينت الآراء واختلفت التساؤلات التي يطرحها الشارع اليمني: حول من المسئول المباشر عن ارتكاب مذبحة دار المسنين في عدن؟ ومن الطرف المستفيد من نتائجها؟ وهل ستوقظ الحكومة والمجتمع اليمني والدولي للوقوف بحزم ضد الإرهابيين ومعاقبة مرتكبيها؟ سيبقى لزاماً علينا أن نتسأل من هو الخاسر؟! كي لا نغفل أعيننا عن الحقيقة الماثلة أمامنا التي تؤكد إن الخاسر الوحيد من هذه الجريمة وجميع أعمال الفوضى، هو الشعب اليمني الذي تزداد مخاوفه من محاولات بعض الأطراف الإقليمية المتصارعة في اليمن عبر وكلائهم المحليين استثمار الفوضى الأمنية لاستمرارها في بعض مناطق اليمن لتوفير مناخ جديد لتنشئة الجماعات المسلحة تشكلت في الحرب للإنجرار إلى مستنقع الإرهاب لارتكاب مثل هذه المذابح التي يندى لها الجبين.

n.albadwi2013@hotmail.com

  
في الجمعة 11 مارس - آذار 2016 11:06:20 ص

تجد هذا المقال في وفاق برس
http://wefaqpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://wefaqpress.com/articles.php?id=1456&lng=arabic