|
التفجيرات الإرهابية التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس مساء الجمعة 13 نوفمبر وخلفت 153 قتيلا وأكثر من 200 جريح ، وأعلن تنظيم "داعش" الإرهابى مسئوليته عن تنفيذها بعد أسبوعين من تفجير طائرة الركاب الروسية وعلى متنها 224 راكب والذي يحمل تنفيذه طابع إرهابي واحتمالية إن يكون تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" هو المنفذ الرئيس إن لم يكن عملاً مشتركاً مع تنظيمات أخرى، تؤكد أننا أمام مرحلة خطيرة يتسيد فيها هذا التنظيم الإرهابي على مشهد الأحداث كطرف مدمر لمقدرات الشعوب الاسلامية والعربية والمسلمون في المجتمعات الغربية.
قد يتساوى حجم الضرر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي الذي يلحقه تنظيم القاعدة بالشعوب العربية والإسلامية مع ما يلحقه بها تنظيم الدولة الاسلامية" داعش" ، لكن أعمال داعش الإرهابية هي الأكثر وحشية وتدميراً لمقدرات الشعوب واستقرارها، وهذا يضاعف خطورة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية المتتالية التي تغرق بها الدول الإسلامية وتضر بانشطة المسلمون في المجتمعات الغربية ويجعلها البديل الأكثر عنفاً من تنظيم القاعدة.
وبالرغم من قوة التدمير للهجمات الانتحارية لتنظيم القاعدة التي استهدفت مصالح غربية في البلدان العربية، كاستهداف المدمرة الامريكية كول، وناقلة النفط الفرنسية ليمبورغ في اليمن عامي 2000و2002م. إلا ان تفجير الطائرة الروسية بمصر يبدو أكثر وحشية، مما يرجح احتمال صلة تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" بتفجيرها بالنظر للقوة ومستوى التنفيذ والتخطيط للعمليات الإرهابية المعقدة ، وإن صح هذا الاحتمال شبة المؤكد فانهُ دلالة على الاستفادة من الاخفاقات التي اظهرها تنظيم القاعدة أثناء تنفيذه بعض العمليات الإرهابية المعقدة، كمحاولة النيجيري عمر فاروق عبد المطلب، في 25 ديسمبر/كانون الأول عام 2009، تفجير طائرة نورث أير لاين 253 المتجهة من أمستردام الهولندية إلى مدينة ديترويت، بولاية ميشيغن الأميركية. وإفشال محاولة أخرى عام 2010م، لتفجير طائرة شحن بمتفجرات تم إخفاؤها في طوابع أرسلت من اليمن عبر شركة "فيديكس"، وكانت شحنتان منها في طريقهما إلى الولايات المتحدة. وتأكيداً على بلوغ "داعش" مستوى أكثر خطورة على المصالح الاستراتيجية الدولية إينما وجدت، ولا يستبعد إن يكون تفجير الطائرة الروسية جاء امتداداً لتلك الاخفاقات ونموذج جديداً للعمليات المشتركة بين التنظيمين، إذا ما ربطنا هذا العمل الإرهابي بالتهديدات التي إطلقها زعيم "تنظيم القاعدة" أيمن الظواهري في تسجيل صوتي بُث على الإنترنت في 13 سبتمبر لشن هجمات إرهابية على ما اسماهم الصليبيين ودعوته للمتطرفين ببذل مزيداً من الجهد لتوحيد صفوفهم وحثهم على مزيد من التوحد، قائلاً إن الحرب "التي تُشن علينا طويلة وممتدة، ونحن بحاجة إلى أن نخوضها ونحن متحدون، لا أن نبدأها متحاربين متخالفين"، و أن "المبادرة (تكمن) في التعاون في كل مجال ممكن، كعلاج الجرحى، وتوفير المؤن، وتخزين المعدات والعمليات المشتركة".
القوة والخطورة التي يظهر بها تنظيم الدولة الإسلامية في حروب الاستنزاف التي يقوم بها لتدمير الدول العربية والإسلامية في الشرق الاوسط، تثير مخاوف خبراء الاقتصاد من القادم لتوقعاتهم انهيار الوضع الاقتصادي في معظمها وزيادة الاضطرابات فيها، فعملية تفجير الطائرة الروسية في مصر ، ورصد صاروخ أطلق على أحدى الطائرات البريطانية .. هي عنواناً لمرحلة دموية تؤسس لها " داعش" لتهديد العالم والملاحة الجوية لخلق مزيداً من الرعب لأثارة مخاوف العالم سيجعل من المواطن المسلم اكثر تضرراً سوء في البلدان الاسلامية او المجتمعات الغربية.
حيث أصبح مما لا شك فيه إن قضية التداعيات لما حدث في مصر قد تجاوزت التفجير ذاته بالظهور المتسارع لأثارها وخسائرها الاقتصادية والسياسية والأمنية على مصر مباشرة بعد وقوع حادث التفجير مباشرةً ، بغض النظر إن تكون خلفه "داعش" أو مجرد حادث فني أعتيادي فسرعة الرد من قبل روسيا وبريطانيا بتعليق رحلات الطيران إلى مصر واجلاء السياح منها قبل ظهور نتائج التحقيقات، فقد أدى سحب السياح الروس والبريطانيين، إلى فقدان مصر نحو 280 مليون دولار شهريا، بحسب تقارير صحفية، وهو مؤشراً واضح على ان أضراره ستقود مصر إلى وضع اقتصادي وسياسي وأمني كارثي لن يتوقف عند مستوى التدهور الحاصل في الوقت الراهن بل ستمتد أثاره لتصل الى معيشة المواطن ، وقد تفقده ثقته بالدولة، ويتحول حادث التفجير إلى حلقة أولى من حلقات التدمير التدريجي المحتمل ان تتعرض له مصر في حال عدم وضع سياسة واستراتيجية دقيقة لمجابهة الخطر، وقد يطال بقية الشعوب العربية والإسلامية بصورة مباشرة أو غير مباشرة بعد أن أصبح مستوى الخطر يهدد العالم بشكل عام.
إن التنظيمات الإرهابية "داعش" و"القاعدة" وانتقالهما من طور إلى آخر أكثر خطورة بفضل افتقار الدول العربية وانظمتها الاستبدادية لاستراتيجية واضحة المعالم لمحاربتهما، أصبحا يلحقان ضرراً اقتصادياً وسياسياً وأمنياً كبيراً بالدول العربية والاسلامية، والاضرار بمصالح شعوبها مع الغير وتعقيد الاوضاع السياسية فيها، والاضرار بسمعة الإسلام والمسلمين في بلاد الغرب، وسوء ان اشتركا معاً في التنفيذ والتخطيط للعمليات الإرهابية أو لم يحدث ذلك فان تدميرهما للدول العربية والاسلامية أصبح هدفاً مشتركاً لكليهما، وكأنهما سلاح التدمير الشامل للدول العربية والاسلامية، الذي يتطلب من الدول العربية إعادة النظر في كثير من التدابير الأمنية وكيفية التعامل مع هذا الخطر للتخفيف من أضراره التي باتت تهدد استقرار الدول والشعوب الإسلامية.
n.albadwi2013@hotmail.com
في الجمعة 20 نوفمبر-تشرين الثاني 2015 05:43:49 م