ربيع القاعدة في اليمن
كاتبة/نُهى البدوي
كاتبة/نُهى البدوي
لازالت الرؤية ضبابية لمآلات الحرب الدائرة في اليمن بين الفصائل الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي والحوثيين وقوات موالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، منذُ مطلع الربيع العام الجاري، نتيجة التأثير الإقليمي على مسارات الحرب، وتداخل المصالح المحلية والإقليمية حول كثير من النتائج المتوقع أن تخلفها الحرب في المنطقة، ولا يستطيع أحداً الجزم بما سيحرزه كل طرف من مكاسب آنية أو مستقبلية، خاصة تلك المتصله بتطلعات اليمنيين لتهيئة المناخ لتحقيق الاستقرار السياسي وازالة عوائق تأسيس الدولة المدنية الحدثية، المرهون احرازها بمدى استجابة اليمنيين لما ستسفر عنه المفاوضات المأمول منها إنهاء الحرب، واحتواء نتائجها الأكثر خطورة على اليمن من الدوافع والمبررات التي أدت لتفجر الحرب فيه، وتبديد مخاوف اليمنيين من تحول مجتمعهم إلى الخاسر الأكبر، لعدم إداراك الأطراف المتحاربة خطورة استفادة "تنظيم القاعدة" في اليمن من الحرب ونتائجها على البلد.
الواقع الماثل أمامنا وما يبرز فيه لا يرتبط كثيراً بتحقيق الأهداف التي رفعتها الأطراف المتحاربة، فالجحيم والدمار وسفك دماء الأبرياء والأطفال والنساء وانتهاك حقوق المدنيين، وتفاقم الوضع الإنساني في اليمن واضاعة الفرص المتاحة للخروج من هذا الوضع لتمهيد الطريق لايجاد الاستقرار الشامل فيه، هي مؤشرات خطيرة تخيب آمال اليمنيين للوصول إلى مرحلة السلام المنشود. ولا شك إن الحرب والاشتباكات على الأرض الحاصلة في مناطق مختلفة من اليمن منذ 24 مارس العام الجاري ، وكذا الغارات الجوية لطيران (عاصفة إعادة الأمل) للتحالف العربي، طالت الاعتداء على المدنيين حيث قامت قوات موالية لجماعة "أنصار الله" (المعروفة بـ"الحوثي") بالاعتداء على مدنيين واحتجزتهم، بحسب تأكيدات منظمة "هيومن رايتس ووتش" ووصفه بأنه "قد يشكّل جرائم حرب وفي بيان لها نشرته وكالة (الأناضول)، يوم الخميس الماضي وأشارت فيه إلى أنه وفقا للأمم المتحدة، فقد أسفرت غارات التحالف الجوية، "وبعضها يبدو أنه يتضمن انتهاكات للقانون الإنساني الدولي، والاشتباكات على الأرض في اليمن، عن مقتل 646 مدنيا على الأقل، بينهم 50 امرأة و131 طفلا، وإصابة أكثر من 1364 آخرين" .وتلقي بعض المنظات الدولية باللوم على اطراف الصارع والحرب في اليمن لتجنيدها الأطفال وادخالهم الصراع، حيث تشير تقارير إعلامية "إن ثلث المقاتلين صفوف مليشيات " الحوثي " البالغ عددها 25 ألف مقاتل هم من الأطفال"،وقد تخلف الحرب التي حولت اليمن إلى ساحة صراع إقليمي نتائج وآثار نفسية وأمنية واقتصادية، وسياسية، ودينية، على المجتمع اليمني وشعوب دول الجوار.
إذا نظرنا لخطورة الآثار النفسية فقط وتأثيرها على المجتمع سنجد عوامل جديدة قد بدات تتشكل في طور أكثر خطورة، اصبح مصدر هواجس الخوف لدى الأسر والمجتمع، لإمكانية وقوع الشباب اليمني المشارك في الحرب تحت تأثير "تنظيم القاعدة"، بعد إن حول جغرافيا الحرب في بعض المناطق إلى ميدان تدريبي للعناصر الشابه و سعي التنظيم للاستفادة من استمرار المعارك والأجواء القتالية وارتكاب الفعل الاجرامي لإكسابهم مزيداً من العنف والقوة والوحشية، إلى جانب فتح التنظيم لمعسكرات جديدة في بعض المحافظات، تحت غطاء معسكرات للمقاومة الشعبية، وهي في الأصل تهدف لتدريب عناصر التنظيم للمشاركين الجدد معظمهم من الأطفال بحسب ما هو قائم - المجرم دولياً تجنيدهم واشراكهم في الحروب - الممكن الايقاع بهم في مصيدة تحت التأثير النفسي لتنظيم القاعدة لتجهيزهم للانظمام إلى صفوفه تدريجياً، بالاضافة لشراء الاسلحة بانواعها، وتخزين هذه الاسلحة لعملياتهم مستقبلاً.
إن توظيف نتائج الانتهاكات والأعمال الوحشية التي تطال الأبرياء والمدنيين ستسهم في تنشئة جيل جديد متشبع بثقافة انتقامية عدائية بدوافع الطائفية والمذهبية تروج لها الأطراف المتحاربة وستغذي بها فكر الشباب لإنتاج سلوك انتقامي مذهبي بين الشباب اليمني، قد يتعدى الحدود اليمنية، ويصل لدول الجوار نتيجة الترابط الاجتماعي والمذهبي لشعوب المنطقة، وستبرز قوى جديدة واخرى ستجدد انتاجها وستضاعف هذه التحولات الأثار النفسية في صفوف الشباب، وحتماً ستخلق جيل أكثر عنف ودموية، وستؤسس لنشر ثقافة الموت في المنطقة والجزيرة العربية.
هذه العوامل والنتائج والآثار النفسية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية تؤكد بجلاء إن "تنظيم القاعدة" في اليمن هو المستفيد والرابح الأكبر من الحرب التي تدور في اليمن، وسيجعل من افرازاتها (النفسية ، والبشرية والمادية)، والعوامل الجديدة التي نراها تتشكل، أدوات فاعلة لصناعة مكاسب اضافية وتحالفات قبلية استراتيجية ستؤسس له حاضنه اجتماعية تعود بالفائدة عليه، وهذه المزايا ستمنعه من التفريط بها وسيدفع بالأطراف المتحاربة لمواصلة القتال، دون حشر نفسه أو عناصره للدخول فيها كطرف رئيسي، لكنه سيعزز قناعة الطرفين للتعامل معه كطرف رئيسي فيها كي يبرر مشروعية الحرب للحوثيين، ويعزز ثقة الطرف الآخر للالتفاف حوله كداعم المعنوي له ، والاستفادة من جغرافيا الحرب لجني الثمار في موسم أشبة بموسم الربيع وقطف الزهور، ، وقد يدفعه هذا الموسم للسعي لابقاءه ربيع لا ينتهي، وافشال فرص السلام أو انهاء الاقتتال في اليمن.
للأسف أمام هذا الربيع لا نرى أية صحوة وتحرك يمني لتفويت الفرصة على "تنظيم القاعدة" في اليمن لمنع استفادته من نتائج الحرب، والادراك إن الشعب هو الخاسر الأكبر، والشباب والأطفال هم ضحية هذه الحرب، وقنابل موقوته سيكتوي بنيرانها الشعب اليمني مستقبلاً، وفي اعتقادي إن التحرك المطلوب يجب ان يبدءا من إيمان الأطراف المتحاربة بأن الانخراط الصادق في حوار جاد والدفع لإنجاحه هو السبيل الوحيد لإنهاء الحرب في اليمن.

n.albadwi2013@hotmail.com

 
في السبت 16 مايو 2015 06:21:12 م

تجد هذا المقال في وفاق برس
http://wefaqpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://wefaqpress.com/articles.php?id=1419&lng=arabic