|
لم يكن باسم حوثياً ولم يكن حتى متعاطفاً معهم، لم يكن جندياً في تلك الحرب الملعونة ولم ينتمي لأي مجموعات مسلحة ولا لجان شعبية، ولم ينخرط في أي اعمال عنف أو اقتتال، لا يهتم كثيراً بالشأن العام، همه الأول أن يجد راكباً يستأجر تكسيه ليعيل أسرته من ذلك العمل.
***
خرج باسم ليبحث عن بترول لسيارته ليعود لبيته وليواصل العمل بحثاً عن رزقه ورزق اسرته التي يعيلها في محافظة اب، واثناء تجوله في عدن بحثاً عن بترول في السوق السوداء التي نشأت في أزقتها نتيجة لأجواء الحرب والقتل والدمار أمسكت به مجموعة مسلحة، وبعد أن تم معرفة هويته وأنه من محافظة اب ونتيجة للتحريض الواسع ضد المواطنين الشماليين تعرض للسحل والقتل على يد تلك المجموعة التي أخذت سيارته وتلفونه واغراضه الشخصية، ونُشرت صوره في مواقع التواصل الاجتماعي على اعتباره قناص حوثي وأنه المسؤول عن قنص أحمد الحسني أخو ليزا الحسني زميلتنا في الحوار الوطني.
***
تضامنا جميعاً مع ليزا الحسني وعزيناها في استشهاد أخيها الذي قيل أنه كان يُسعف الجرحى عندما أصيب بطلق ناري أودى بحياته، وعند نشر صورة القناص على اعتباره الذي قتله لم أصدق الموضوع، وساورتني الكثير من الشكوك حول القصة، لأن اطلاق النار في المنطقة التي قتل فيها أحمد الحسني كان كثيفاً ومن كل الاتجاهات ومن الصعوبة تمييز المكان أو المبنى الذي قُنص منه فكيف بالقناص نفسه، وحتى لو عُرف المكان الذي اُطلِقت النار منه لم يكن بالإمكان التعرف على وجه أو شكل من اطلق النار بهذا التحديد الواضح، ولو اعتقل باسم في المكان الذي اطلق منه النار لكان تم التحقيق معه وانتُزع اعتراف ولو بالقوة أنه من قتل الحسني ولكان تم تسجيل اعترافه ونُشر على مختلف وسائل الاعلام على اعتباره دليل يبرر قتله ويظهر إنجاز تلك المجموعة المسؤولة عن سحله.
***
باسم اعتقل وهو يسوق تكسيه باحثاً عن بترول يساعده على العودة الى محافظة اب بعد تزايد الاتصالات به ليغادر عدن، حظه العاثر أوصله الى يد سفاحين لا شفقة ولا رحمة ولا عقل يحكم تصرفاتهم ولا سلطة تكبح جماحهم ولا قيادة تتحكم في افعالهم، مجموعة تقتل أي شمالي ثم تبحث عن المبررات، وسرعان ما يتفاعل معها الآخرون ببلادة دون أن يكلفوا أنفسهم عناء التأكد من تلك المعلومات في ضل فوضى كالتي تعيشها عدن، حيث قد يتحول فيها اللصوص وقطاع الطرق والمجرمون الى مقاومة او لجان شعبية يسرقون وينهبون تحت ذلك المسمى ثم يلفقون لضحيتهم ما شاءوا من التهم وهم على علم أن الآخرين ليسوا الا ببغاوات سيرددون كذبتهم وبالأخص ما يتعلق بالمواطنين الشماليين.
***
أي وضع نعيشه اليوم، يقتل مواطن ويسحل ببشاعة ويأتي بعض الناشطين والكتاب والمواقع الإخبارية لتنقل صورة الضحية على اعتباره مجرم، دون ان تتحقق من المعلومات ولا من مصدرها!!.
قتل باسم الحامدي بدم بارد مرتين، الأولى لأنه شمالي فقط، ثم قتل للمرة الثانية عندما تم فبركة قصة أنه قناص حوثي ومشارك في المعارك، والأدهى من كل ذلك أن الأخت ليزا الحسني نشرت -بحسب ما قيل لي- في صفحتها نبأ مقتل قاتل اخيها، إضافة الى الكثير من الناشطين في الجنوب والشمال نشروا ذلك دون تحقق صورة الشهيد باسم الحامدي مسحولاً وجسمه مليء بالجروح والكدمات وطلقات الرصاص.
***
سرعان ما وصلت الصورة والخبر الى أسرته في أب، أصيبوا بالذهول والفزع والدهشة مرتين، الأولى خبر استشهاد ابنهم، والثانية خبر تلفيق قصة أنه يقاتل مع الحوثيين، وكل أفراد الأسرة على علم أن باسم لا علاقة له من قريب أو بعيد بالحوثيين، وكان على تواصل مستمر مع اسرته ليطمئنهم عليه، والجميع يعرف أنه كان يبحث عن بترول ليعود إليهم بعد أن ضغطوا عليه.
باسم هو الابن التاسع لوالده المتزوج من امرأتين، وهو وحيد والدته، عمره في بداية العشرينات، غير متزوج، لم يتم إعادة جثته الى أهله حتى اللحظة، وتعيش أسرته مأساة حقيقية بعد مقتل ابنها ونشر صوره مسحولاً على اعتباره مجرماً قتل شاباً يسعف الجرحى، فأي مصيبة تعيشها هذه الأسرة، رحماك يا رب.
***
صورة باسم المسحول وهو حليق الذقن لوحدها تثبت أن لا علاقة له بالمعارك، فلا يوجد قناص مقاتل في جبهة مشتعلة لعدة أسابيع متواصلة يحرص على حلق ذقنه صباح كل يوم.
الا يستحق باسم وأسرته الاعتذار من كل من نشر صورته على اعتباره قناصاً، الا يستحق باسم الاعتذار من كل من حوله من ضحية الى جلاد؟، سنرى أخلاق من نشروا تلك الصورة وتلك القصة المفبركة.
albkyty@gmail.com
- نقلا عن صحيفة الأولى:
في الإثنين 13 إبريل-نيسان 2015 06:08:27 م