|
-أسباب الرفض :
ارجع بيان المجلس السياسي للحوثيين وتصريحات عدد من القيادات البارزة في الجماعة رفضهم للقرار لعدة أسباب هى:
1- اعتبار القرار تلبية لرغبة أمريكية \"لم يكن انعكاسا طبيعيا لإرادة الداخل بقدر ما كان قرارا خارجيا بامتياز \".
2- تجاوز القرار المعايير المتفق عليها، في اتفاق السلم وفي مقدمتها مبدأ التوافق باعتباره المبدأ الحاكم للمرحلة الانتقالية، وإدارة شؤون البلد حسب بيان المجلس السياسي .
3-الاعتراض على شخص بن مبارك نفسه،صحيح ان بيان المجلس لم يشر صراحة الى ذلك ولا الى ماهية المعايير التي تجاوزها القرار باستثناء مبدأ التوافق ،لكن القيادي الحوثي أسامة ساري تكفل بذلك في منشوراته على صفحته في الفيسبوك ،حيث وجه عدة اتهامات لبن مبارك اهمها :
أ-العمالة لامريكا واعتباره أبرز عملاء السفارة بصنعاء،وخادم أمريكا في مؤتمر الحوار الوطني عبر ادارته خليه استخباراتية لصالح قوى خارجية داخل الأمانة العامة للحوار .
ب- اتهام ضمني لبن مبارك بالولاء للاخوان ومحاباتهم خلال المؤتمر وممارسة الفساد في الأمانة العامة للحوار ،واعتبار ان اختياره خضع لمعايير المصلحة الامريكية ومصالح الفاسدين الذين يشفطون النفط اليمني،وفي منشور اخر اعتبره من عتاولة الإصلاح وبوزن وزير الاعلام الحالي نصر طه.
ج- اعتباره أول الخائنين لثورة الشعب اليمني والذين عملوا على الالتفاف على اهداف ثورة فبراير 2011 لصالح حميد الاحمر وعلي محسن والسفارة الأمريكية.
-لكن ما مدى منطقية المبررات السابقة ؟ خاصة ان الرئيس لم يصدر قرار تكليف بن مبارك الا بعد مضي اكثر من أسبوعين على توقيع اتفاق السلم في حين كان المفترض الإعلان عن اسم رئيس الحكومة خلال 48ساعة من توقيع الاتفاق،يضاف الى ذلك أن أسم بن مبارك كان مطروحا بقوة طيلة المشاورات خلال الأسبوعين المنصرمين .
-من الناحية النظرية يفترض ان موقف الجماعة مبرر وقانوني استنادا الى أمرين هما :
الأول : اتفاق السلم والشراكة الوطنية الذي وقعوه مع الرئيس مساء اليوم الذي سقطت فيه صنعاء بأيديهم تحت ضغط السلاح والتصعيد الميداني وشبهات التواطىء الداخلي والخارجي ،وهذا الاتفاق يعتبره الحوثيين بمثابة دستور او عقد اجتماعي جديد كما وصفه زعيم الجماعة في خطابه الاخير،ومن ثم فأن أي اعتراض من قبلهم يعتبر قانوني بل انهم يحاولون الايحاء بشرعية محاولة فرض وصايتهم الكاملة على السلطة التنفيذية والنظام مستغلين الثغرات القانونية الكثيرة في اتفاق السلم لصالحهم كعدم منح الاتفاق الرئيس الحق في حسم أي قضايا خلافية بعد تجاوز الفترة القانونية المحددة كما كان عليه الوضع في المبادرة الخليجية وفي مؤتمر الحوار الوطني،أو في إقرار الاتفاق مبدأ الولاء التنظيمي الى جانب الانتماء التنظيمي ما يمنحهم حق الاعتراض على أي مرشح لمنصب حكومي بغض النظر عن مدى انطباق المعايير والشروط القانونية عليه من عدمه.
-اما الامر الثاني فيرجع الى اصدار الرئيس لقرار تكليف بن مبارك بتشكيل الحكومة في نفس اليوم الذي التقى فيه بالسفير الأمريكي ما يضفي شيء من المنطق في موقف الحوثيين حول دور الأمريكيين في صدور القرار،لكن ترشيح الحوثيين السابق للبرفسور أيوب الحمادي من حيث المبدأ رغم حصوله على الجنسية الألمانية يثير الكثير من علامات الاستفهام حول حقيقة موقفهم من التدخل الخارجي في اليمن ومن شعارهم المعروف،فالمانيا تعتبر في مقدمة الدول الاوربية الداعمة لإسرائيل كما ان مخابراتها هي الأكثر نشاطا وحركة في المنطقة ولعل الدور الذي قامت به في صفقات تبادل الاسرى بين حزب الله وحماس من جهة وإسرائيل من جهة ثانية دليل على ذلك.
الاحتمالات المختلفة للازمة :
الاحتمال الأول :اسقاط النظام :
-يتمثل في اتخاذ الحوثيين من الازمة الجديدة مبررا لتصعيد احتجاجاتهم ورفع سقف شروطهم بالمطالبة بتنحي الرئيس هادي عن الحكم واسقاط النظام السياسي برمته، فبعد اسقاطهم للعاصمة بالطريقة التي تمت وما تؤشر اليه من وجود مخطط خارجي يتجاوز اليمن الى عموم المنطقة ،لايمكن استبعاد ان يكون الهدف من الازمة الراهنة هو اسقاط الجزء الاخر من السلطة التنفيذية والمتمثل في الرئيس هادي وذلك بعد تمكنهم من اسقاط حكومة باسندوة قبل اكثر من اسبوعين،ويعزز من صحة هذا الاحتمال التالي :
1-تحول الرئيس هادي الى خصم للجماعة في هذه الازمة بعد ان كان الاخوان واولاد الأحمر وعلي محسن وباسندوة هم الخصوم في الازمات السابقة،فهادي في نظر الجماعة هو من انقلب على اتفاق الشراكة وهو من خرج على مبدأ التوافق ،كما أن اتهاماتهم لمرشحه المقرب من الرئيس بالعمالة والاخونة هي اتهامات غير مباشرة للرئيس نفسه كما انها الاسباب التي تلجأ اليها الجماعة عادة لتبرير عملياتها المسلحة.
-يضاف الى ذلك العداء الشديد الذي ابدته الجماعة تجاه بن مبارك بصورة مفاجئة باعتباره عميلا لامريكا وينتمي الى الاخوان وهى نظرة لم تفصح عنها الجماعة من قبل سيما مع تناقض ذلك الرفض مع مسارعة قيادات حوثية معتدلة كحسن شرف الدين او مقربة من الجماعة ومحسوبة عليها كرئيس حزب الحق حسن زيد بتهنة بن مبارك بقرار التكليف .
2-تعمد زعيم الجماعة اطلاق \"ثورة شعب \"على الاحتجاجات المطلبية التي تحولت فجاءة الى عمليات عسكرية أدت الى اسقاط العاصمة،ومن ثم فأن اعتبار ما تقوم به الجماعة في العاصمة على انه ثورة يرجح ان الهدف الحقيقي منها هو اسقاط النظام السياسي برمته سيما انه نظام قام على المبادرة الخليجية التي لاتعترف الجماعة بها أصلا وما نجم عنها من انتخابات رئاسية توافقية ومؤتمر حوار ومخرجاته.
3- اتخاذ الجماعة موقف متشدد من الازمة الحالية سواء من خلال تأكيدها الرفض القاطع للقرار اوباعتباره استخفافا صارخا بسيادة واستقلال البلاد،وبإرادة الشعب، وتضحياته الكبيرة، ومكاسب ثورته ،يضاف الى ذلك الاعلان عن كلمة جديدة للحوثي ما يرجح ذهاب الجماعة نحو التصعيد والعمل على اسقاط النظام خاصة مع تعمد الحوثي إبقاء أنصاره داخل وفي محيط العاصمة حتى هذه اللحظة،ويبدو ان منزل ومكتب الرئيس والقصر الجمهوري هى الوجهة المقبلة لهؤلاء .
4-تزايد الشكوك بوجود مخطط خارجي لتقسيم اليمن الى ثلاث دول على أسس مذهبية ومناطقية بحيث تكون الازمة الحالية منطلقا لتنفيذ الخطوة الثانية من المخطط بعد اسقاط صنعاء كخطوة أولى وذلك من خلال الإطاحة بحكم هادي ودفعه لمغادرة العاصمة الى عدن و يتم في الوقت نفسه اسقاط عدن ومحافظات ما كان يعرف بالجنوب العربي في يد الحراك خلال الذكرى السنوية لثورة أكتوبر المجيدة ،تليه بعد ذلك خطوة اسقاط حضرموت في يد تحالف القبائل المدعوم من السعودية في ال 21 من أكتوبر الجاري مع حلول الذكرى الأولى لانطلاق التحالف،ومع التغير الحاصل على الأرض تقوم السعودية ودول أخرى بالدعوة الى مؤتمر دولي جديد واطلاق مبادرة خليجية ثانية يكون أطرافها الرئيسيين الحوثيين والحراك وتحالف القبائل وتكون في مقدمة بنود التسوية الجديدة إقرار حق تقرير المصير لكل من الجنوب العربي وحضرموت في نهاية فترة انتقالية تستمر خمس سنوات ،ويشير الى صحة هذا الطرح التالي :
أ-تناغم تقسيم اليمن الى ثلاث دويلات مع المخطط العام في المنطقة التي تشهد تسارعا مضطردا في وتيرة الاحداث والتي على الارجح ستؤدي الى تقسيم عدة دول فيها على اسس طائفية وعرقية ويبدو ان تقسيم اليمن احد حلقات المخطط الكبير.
ب-تحول عدد من القيادات الإصلاحية وقيادات مؤتمرية محسوبة على هادي في المحافظات الجنوبية عن الوحدة وإعلان تأييدها للانفصال .
ج-شكوك خصوم هادي من ان هدف الزيارة الحالية لوزير الدفاع للمنطقة العسكرية الرابعة والالوية العسكرية المنتشرة في عدن ومحيطها هو الترتيب لاسقاط عدن في يد الحراك وبصورة مشابهة لزيارة الوزير السابقة للوحدات العسكرية في صنعاء قبل سقوطها،ويعزز من شكوك هؤلاء عدم منطقية اصدار الرئيس لقرار تكليف بن مبارك بتشكيل الحكومة في نفس اليوم الذي التقى فيه بالسفير الأمريكي وكأن الهدف من ذلك منح الحوثيين مبرر لموقفهم وتحركهم المتوقع لاسقاط النظام وكما هو حال عدد من الخطوات والإجراءات الغير مفهومة التي قام بها الرئيس ووزير دفاعه في الفترة الماضية والتي اعتبرت كعوامل مساعدة للحوثيين في اسقاط عمران وصنعاء .
- الاحتمال الثاني :الاكتفاء بترويض الرئيس وضمان الوصاية الكاملة على السلطة التنفيذية :
وذلك من خلال احد امرين :
-الأول أما اجبار هادي على التراجع والغاء قرار تكليف بن مبارك نزولا عند رغبة الجماعة وتكليف شخصية أخرى تقبل بها ،فرغم الصفات العديدة التي تجعل من بن مبارك مرشحا مقبولا لدى الحوثيين ككونه شخصية ليست صدامية وهادئة ومنفتحة على الحوثيين والحراك وبقية الأطراف إضافة الى ما يعرف عنه من حرص على إيجاد حلول توافقية للخلافات وتباين وجهات النظر وهو ما تحتاجه الحكومة المقبلة لضمان عمل أعضائها كفريق واحد،وكان يفترض ارتباط بن مبارك بعلاقات قوية مع قيادة الجماعة بحكم كونه عراب الاتفاق الأخير وهمزة الوصل بين هادي وقيادة الجماعة خاصة خلال الازمة الأخيرة كما أنه غير مسنود بحزب او قبيلة .
- لكن مشكلة بن مبارك على ما يبدو راجعة الى علاقته القوية بهادي وقربه منه ما يمثل عائقا امام هيمنة الحوثيين على الحكومة ورغبتهم في اضعاف نفوذ هادي عليها ،إضافة الى الأولوية التي تحتلها مسألة تنفيذ مخرجات الحوار لدى بن مبارك وهذا امر قد لاينسجم مع اجندة الجماعة .
-أو الامر الثاني المتمثل في القبول بتولي بن مبارك رئاسة الحكومة ولكن بعد حصول الجماعة على الضمانات المطلوبة التي تمكنها من فرض ارادتها واملاءاتها على الرئيس والحكومة بحيث تكون هي صاحبة القرار الحقيقي في البلاد،ورغم ضعف هذا الاحتمال الا انه غير مستبعد خاصة ان بيان المجلس السياسي خلى من أي إشارة الى بن مبارك بالاسم اومهاجمته وترك ذلك الى بعض قيادات وناشطي الجماعة والتي يمكن التراجع عنها على اعتبار انها مواقف شخصية لاتعبر عن الموقف الرسمي للحوثيين .
- مؤشرات ونتائج:
تتمثل ابرز المؤشرات في الازمة الجديدة في التالي :
-عودة التناغم في المواقف بين الحوثيين وتيار الرئيس السابق الرافض لقرار تكليف بن مبارك بعد التباين حول مصير المبادرة الخليجية بعد توقيع اتفاق السلم والشراكة لكن مع ملاحظة وجود تفاوت في أسباب الاعتراض فالحوثي ارتبط رفضه بشخص بن مبارك في حين رجع رفض تيار الرئيس السابق الى انتماء بن مبارك الى الجنوب واستئثار القيادات الجنوبية بغالبية المناصب الرئيسية في البلاد وهذا يعبر عن الاختلاف الجوهري في موقف ورؤية الطرفين من كل ما يتعلق بالقضية الجنوبية بمعنى ان المؤتمر ينطلق من موقفه من مبدا من مبادى وحدة 22مايو المتعلق بتقاسم الثروة والسلطة مناصفة بين الشمال والجنوب والذي اخل به بعد حرب 94م ،في حين ان الحوثي ينطلق في موقفه على اتفاق السلم والشراكة الذي لم ينص صراحة على ان يكون رئيس الحكومة من الشمال وكل ما يهمه ضمان ان يكون الشخصية المختارة تحت وصايته بالكامل .
-كان يفترض تركيز الحوثيين سبب رفضهم لبن مبارك الى افتقاره للخبرة الاقتصادية المطلوبة على اعتبار الأولوية الاقتصادية في عمل الحكومة الجديدة لكن افتقاد الجماعة للخبرة السياسية حال دون ذلك إضافة الى ما يوحيه ذلك من ان الاهتمام بالجانب الاقتصادي وتخفيف الأعباء المعيشية على المواطنين ليس بالصورة التي حاولت الجماعة اظهارها وان هناك مسائل مقدمة عليه في حسابات الحوثيين
-يظل الغموض هو الطاغي على الصفات التي يفترض توفرها في الشخصية التي يريدها الحوثيين خاصة مع تأكيدهم على أن تعبر عن الثورة الشعبية ،فالمفترض هنا ان يكون رئيس الوزراء الجديد ممن شارك بفعالية في الاحتجاجات والفعاليات الأخيرة في العاصمة ومحيطها لكن غالبية المشاركين البارزين فيها هم من انصار الجماعة التي ترفض في الوقت ذاته المشاركة المباشرة في الحكومة وهى بذلك كمن يطالب ببيضة الديك،اما لو افترضنا جدلا مصداقية الجماعة في موقفها فكان بالأحرى عليها ترشيح البرلماني المستقل احمد سيف حاشد كونه اكثر الأشخاص الذين تنطبق عليهم تلك الشروط باستثناء رفضه ان يكون اراجوز او مجرد أداة في يد الجماعة .
- استمرار الخلاف على اسم رئيس الوزراء رغم مرور اكثر من أسبوعين على بدء المشاورات المكثفة والمتواصلة لاختيار شخصية توافقية ،ما يعني ان مهلة الشهر الممنوحة لرئيس الحكومة المقبل لاختيار اعضاء حكومته لن تكون كافية خاصة السيادية منها وكذا الاتفاق على البرنامج السياسي للحكومة وقد يستغرق الامر بضعة اشهر وربما اكثر وكما هو حاصل في لبنان والعراق فلبنان من دون رئيس منذ مايو الماضي والعراق ظل من دون رئيس لأكثر من عامين مع مرض الرئيس السابق جلال طالباني كما ظلت معظم المناصب الرئيسية في السلطة التنفيذية \" نواب الرئيس ونواب رئيس الوزراء وغالبية الوزارات السيادية \"تدار بالوكالة لاسباب مختلفة لاكثر من عام وهذا الامر سيكون اكثر وضوحا في بلادنا خلال تشكيل الحكومة التي ستأتي عقب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية العام المقبل .
-من الواضح ان للحوثيين توصيفات خاصة بهم في العمل السياسي فالمتعارف عليه مثلا ان مهمة مستشاري الرئيس تنحصر في تقديم الرأي والمشورة حول قضية من القضايا ويكون العمل بها من عدمه مسألة راجعة للرئيس وليس من صلاحيات المستشار الاعتراض او التحفظ على أي من قرارات الرئيس كما فعل مستشاره صالح الصماط الذي انسحب من اجتماع المستشارين،المهم في الامر أن ذلك يكشف حقيقة ان الصماط ليس مستشارا للرئيس بقدر ما هو ممثل للحوثي لدى الرئيس وشتان مابين الامرين خاصة فيما يتعلق بالمهام والصلاحيات،واعتقد ان هذه النظرة الحوثية الخاصة تسري على كل من سيشغل منصب رئيس الوزراء وغالبية الأعضاء في الحكومة الجديدة .
aziz5000000@gmail.com
في الأربعاء 08 أكتوبر-تشرين الأول 2014 05:40:23 م