|
لقد كان لمطيع دمّاج الأثر الكبير في إقناع مشايخ بكيل ،الموجودين في إب على الانضمام للثورة ضد الحكم الامامي ،رغم أنهم سيخسرون جراء هذه المشاركة مصالحهم...، فلقد كان تأثيره على" أحمد منصور أبو أصبع "واضحاً.
لقد كانت مواقف "المطيع دمّاج متسقة مع المواقف القوميّة ،ومنه موقفه من الشيوعية ،فلقد حذر منها بسبب موقفها من الدين ،وذلك يتسق مع موقف جمال عبد الناصر حينها ،وهو ما حاول البعض أن يفسره بشكل خاطئ ،وتأويله على أنه يعبر عن انتماء " المطيع دمّاج" للإخوان المسلمين، لكن المتتبع لرسائل ومقالات ومواقف" المطيع "يستطيع أن يدحض ذلك، فدمّاج كان ضد استخدام الدين في السياسة وكان مستوعباً لخطر توظيف "الرجعية والاستعمار "للدين من أجل ضرب العروبة، كذلك يذكر لدماج دعمه للجبهة القومية، ولعلّ انعقاد مؤتمر جبلة ما يدل على ذلك...
يتحدث عبد الغني مطهر في كتابه "يوم ولد اليمن مجده "-دار نوبار -عن مطيع دماج قائلا: "كان رحمه الله رئيس خلية إب. جاهد وناضل في سبيل بلاده، وكان المرجع للجميع بآرائه السديدة وفكره السليم وتجربته وحنكته، واستطاع إقناع الجميع بأسلوبه المتميز قبل الثورة وبعدها...كان من أفضل المدافعين في كل المؤتمرات : خمر وريدة والجند وآخره مؤتمر حرض الذي وقف فيه صامداً رغم الرشاوى بالذهب التي قبلها الآخرون للموافقة على "الدولة الإسلامية"، هو أول من وصل هارباً إلى عدن عام 1944، كما أنه أول من كتب مقالات وقصائد نارية ضد الحكم البائد الاستبدادي، وكشف مظالمه ورجعيته في صحيفة "فتاة الجزيرة "وأسس نادي الأحرار والذي أصبح بعد وصول النعمان والزبيري يسمى حزب الاحرار "ص96...
وأما بالنسبة لرفضه الذهب مقابل الموافقة على الدولة الإسلامية، فهذا يتفق مع مواقفه القومية التي كان الزعيم "جمال عبد الناصر "يحذر منها تحت مبررات استخدام أوصاف وأسماء اسلامية، وهي التي أشار اليها في خطبة له عام 1966، بمناسبة عيد الوحدة محذراً من الحلف الإسلامي الجديد، الشبيه بحلف بغداد، مع فارق الانتقال من العقال إلى العمة حسب وصف ناصر...، لهذا كان المطيع دمّاج متنبهاً لزيف استخدام الدين لصالح حلف سياسي...
يذكر "أحمد محمد الشامي"في كتابه "رياح التغيير في اليمن ط1"دور دمّاج في عدن فيقول "وقد سهوت أن أذكر في مطلع الحديث أن الشيخ دمّاج كان قد فر ّإلى "عدن "مع استاذه وصديقه عقيل عثمان قبل أن يفر الزبيري ونعمان بحوالي شهر،وبدآ ينشران في جريدة "فتاة الجزيرة "بيانات ومقالات تندد بالإمام وحكومته وتصف ما يعانيه الفلاحون والرعايا من جور الحكام والعمال والعساكر والخَّراصين، وكان أيضاً معنا في الاجتماعات المشار اليها "132ص...
لقد كان تركيز الفارين إلى عدن في كتاباتهم مقالات ناقدة بـ "فتاة الجزيرة"على التعليم بشكل أساسي وعلى الظلم الذي يعانيه الناس من نظام الإمام...
يتميز الإمام أحمد مع خصومه بتقديره للخصوم، ففي 1948 وبعد أن فشلت الحركة لم يعدم المطيع دمّاج, فأرسل القاضي عقبات من إب رسالة للإمام أحمد يحرضه على إعدام دمّاج واصفا إياه بأنه رأس الحية، الاّ أن الإمام أحمد ردّ على رسالة عقبات قائلا "الضياء عف اللسان "أي أنه ينتقد نظام الإمامة، لكنه لم يكن شتّاماً ولا سباباً، وهكذا تكون الخصومة بين الأنداد، على مبادئ وليس خصومة شخصية...
القارئ في كتابات دماج في جريدة "فتاة الجزيرة "بعد فراره إلى عدن يجد تميزاً وقدرة على المحاورة مع من يرد عليه في الجريدة من مقالات ترسل إلى الصحيفة دفاعاً عن النظام الإمامي، وإذا كان دماج وغيره من الأحرار قد نفوا أي شكل من التعليم الحديث في اليمن، إلاّ أن هذا يعدّ مبالغة في رأيي، لأن تحديث التعليم كان قد بدأ مع الأتراك، ثم تطور في تعز على يد محمد أحمد حيدرة، والقدسي، وآخرين، وفقاً لمقررات تعليمية ونظام حصص دراسية، وإدارة مدرسية متطورة عمّا كان عليه الحال في العهد التركي...
لكن الملفت للنظر هو قدرة دمّاج في كتابة المقالة الصحفية "مقالات الرأي" وكذلك شعره الجيد، وإحساسه ووعيه بالظلم والجور، رغم انتمائه لمشايخ بكيل الذين يملكون أفضل الأراضي الزراعية الخصبة في قضاء إب، ومعظمها من أوقاف الحرة أروى، منحت للمشايخ لقاء ما بذلوه من جهود في توطيد حكم الأئمة، إلاّ أنّ ذلك لم يمنع المطيع دماج من أن يصطف مع الرعوي، بل أن يكون لسان حاله والناطق باسمه، وأكثر من ذلك عمل على إقناع الكثير من مشايخ بكيل على الانضمام للثورة، والخروج على الإمامة.
عاد مطيع دمّاج قبل حركة1948، إلى تعز بسبب كثرة الخلافات بين الأحرار، بل واتصال بعضهم بالقنصلية الأمريكية، والمندوب السامي البريطاني بحثاً عن الرواتب والأموال، وهو ما جعله يقتنع "بأن العمل السياسي عقيم، لكنه لم يحدد الأشخاص الذين يتهمهم "عمر الجاوي "في الذكرى الثالثة عشرة لرحيل الفقيد الشيخ مطيع دمّاج، وعدم ذكر الأسماء يتسق مع عفته في الخصومة من النيل الشخصي مع من يختلف معهم، وإن كان ذلك يفقد التاريخ حقائق لولا أن البعض كان قد ذكرها لضاعت في طي النسيان...
يذكر الجاوي في مقالته السابقة الذكر أن مطيع دمّاج طالب ليلة انقلاب 5 نوفمبر 1967 بحكومة من العمال والفلاحين، كما يؤكد الجاوي أن دمّاج أكدها مراراً وكان بذلك صادقاً، ناقلاً عنه قوله "وإن نتاج خمس سنوات من القتال حفاظاً على النظام الجمهوري، لا أن يكون هذا النوع من الحكم "...
كان مؤمناً بضرورة أن تكون هذه الحكومة تحالفية بين قوى الشعب التي تعرضت للبطش، وهي أكثر الفئات التي صمدت في حرب الخمس سنوات، وأرست النظام الجمهوري.
إن القارئ في مقالات دماج، قبل وفاته، يجد الحس العلماني والعقلاني في قراءة الاحداث، والطليعي في قراءة التاريخ، يجد الإيمان الذي لا ينضب بالحتمية التاريخية لانتصار المستضعفين، وخاصة مقالة بعنوان: "المؤثرات هي التي تسيطر على الاتجاهات الضعيفة -الحقيقة وحدها تبقى..وما عدا الحقيقة يموت "وهو ما جعل "مطيع دماج "وعياً وممارسة ينتمي إلى شرائح قوى الشعب العامل من فلاحين وعمال ومثقفين ثوريين، وليس إلى طبقة المشايخ التي ينتمي إليها طبقياً...
في السبت 19 مايو 2012 10:10:07 م