ما بين المواجهة والمصالحة في اليمن
صحفي/مدين مقباس
صحفي/مدين مقباس
رغم نجاح النموذج اليمني في التعامل مع الأزمة السياسية، كأحد النماذج الناجحة مقارنة بما أفرزته الأحداث من نماذج في بقية اقطار الربيع العربي،.ولعل إشادة الرئيس الأمريكي اوباما بهذا النموذج في يونيو الماضي اعتراف دولي بصواب سياسة الرئيس عبدربه منصور هادي.
لكن ذلك لم يبدد حالة التوجس والخطر التي يبديها المراقبين والمتابعين للشأن اليمني عليه ، لاسيما مرحلة ما بعد الحوار التي حملت مؤشرات خطيرة رغم صدور القرار الدولي (2140) الذي يعد أهم الأدوات الملزمة لأطراف الصراع وبقية المتحاورين لتنفيذ مخرجات الحوار اليمني.
هذا التوجس يؤكد بجلاء استمرار تحكم القوى التقليدية والقبلية والعسكرية الفاعلة في الطرفين الرئيسيين في الازمة للتأثير على مجريات الأحداث، وعدم تعاملها بمصداقية وأمانة مع ما تم التوافق عليه في الحوار ، بل وتتفنن في صناعة المواقف لتضمن سيطرتها على نتائج الأحداث، لإعاقة حركة التغيير وجهود رئيس الجمهورية، من الوصول إلى عمق وجوهر المشكلات، الذي دون شك سيؤدي إلى المساس بمصالحها، لنراها اليوم تعيد الى الذاكره نفس الضغوط والموانع التي اتخذتها مع الرئيس ابراهيم الحمدي رحمه الله عندما اغتالته في 11 أكتوبر 1977م لإجهاض تحقيق مشروعه (بناء الدولة ) حين تُصر بكل امكانياتها ووسائلها لتصور للعامة خطورة الوضع القادم وإرهاب الشعب بطرق متعددة ليعمه الشعور بالمخاوف من استمرار القوى الجديدة للوصول إلى مستوى التغيير (الجذري) وان ذلك سيخلق حالة تصادم ومواجهة، وقد تؤدي إلى إجهاض ما تم تحقيقه، لثني الشعب وإقناعه بالتوقف والحفاظ على ما انجز في الحوار.
مع التأكيد ان ما تم تحقيقه من نجاحات وعمليات تغيير طالت مراكز هذه القوى خلال الفترة المنصرمة منذ تسلم الرئيس عبدربه منصور هادي السلطة، إلى اليوم يعد إنجازاً كبيراً لم نكن نتصور تحقيقه سلمياً بهذه السرعة، لكن التوقف عنده بوهَّم الحفاظ عليه يمثل الخطوة الأولى لإجهاضه.
ولأن القضايا متراكمة وليست وليدة عامي 2011 - 2012م وتعود إلى أكثر من خمسين عام نجد أي مساع لمعالجتها المتمثل (ببناء الدولة التي يقف فيها الجميع متساوون امام القانون ) دائماً ما تصطدم بحائط هذه القوى التي لا تزال تمانع وترفض رفع يدها عن التحكم بمجريات الأحداث لتصب نتائجها للحفاظ على بقائها، حتى وان أُرغمت بقبول أي تغيير فإنها لا تتردد في مساومة إجراؤه ولو جزئي وشكلي مع اصرارها على إبقاء جوهر ممارستها السياسية الخفي الرافض بقبول الأخر. والضغط لتحديد مساحات وخطوط حمراء لا يتجاوزها الجميع لإبقاء العلاقة بينها وبين الدولة شكليه ومتزواجه غير مندمجة جوهرياً. مهما بلغ مستوى حالة التغيير السلمي المعروف ببطء نتائجه.
أن مرحلة الهدم والبناء في آن واحد التي تُميز الثورات السلمية عن بقية الثورات هي من أصعب وأخطر المراحل التي تمر بها المجتمعات لاختلافها عن مرحلة الهدم الكلي ثم البدء بمرحلة البناء المتعارف عليه في الثورات المسلحة.
فالمرحلة الحالية التي تمر بها اليمن الهدم والبناء سلمياً في آن واحد والتي يجمع عليها الكثيرون بأنها نموذج فريد لم تمر به الدول العربية من قبل، لا يمكن الجزم بخلوها من أية أخطاءات أو تشوهات، لكنها ليست بالحجم السابق في مرحلة الهدم ثم البناء في الثورات المسلحة.
إلا ان تنفيذ هذا النموذج الفريد على الواقع قد يواجه صعوبة ويضع اليمن أمام مفترق طرق، أما الخوض في المواجهة التي لا ضمان للسيطرة على نتائجها مع احتمال تحولها إلى ضرورة، وبالتالي تتشكل بؤرة جديدة للاحتراب، طالما لايزال تأثير مراكز القوى التقليدية في مستواه الخّطر على الكيانات الاجتماعية والسياسية، وهذا قد ينسف ما حققه الرئيس عبدربه منصور هادي والمتحاورون من نجاحات على الواقع .
أما الخيار الثاني فهو المصالحة الوطنية الشاملة كما اشارت اليها وثيقة السيد جمال بن عمر المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في اليمن التي ينبغي ان تسبقها كثير من الاجراءات ومعالجات أثار ومظالم الماضي، و تعتمد آلياتها على مواثيق حقوق الانسان وتستند أُسسها على مبدأ القبول بالأخر واعتراف الأطراف بأخطائها في كافة القضايا السابقة وتنفيذ الحلول المتفق عليها -وليس إعادة وتكرار نفس الأهداف الخفيه ومضامين المصالحات السابقة التي ارتكزت على نوايا الالتفاف واحتواء الآخر، وتأجيل المؤجل وعدم الاعتراف بجوهر القضايا والمعالجات لجذور المشكلات التي أدت الى الصراع، وتكرار نفس السيناريوهات السابقة ما بعد ثورة 26 سبتمبر أو مصالحة عام 1990م بالإعلان عن إغلاق ملفات الماضي من أطراف السلطة في الشطرين دون مراعاة غياب الأطراف الأخرى وبقية الضحايا.. أو مصالحة (عمان) وثيقة العهد والاتفاق 94م.
فالمصالحة الوطنية الصادقة (الايجابية) هي تلك التي تستدعيها الظروف بعد إنهاء تداعيات واثأر مرحلة الصراعات ومظالمها، بمعنى أدق بعد وصول اطراف الصراع إلى مرحلة الضعف والقناعة والاعتراف بأخطائها السابقة، وما يميزها هو ملائمة الزمان لانخراط جميع الأطراف فيها بعد تلاشي مشاعر الحقد والكراهية لديهم جميعاً (المتصارعة والضحايا) واعترافها بالخطأ وعدم تكراره - أي عندما تغدو مطلب شعبي وهذا ما لا ينطبق حالياً على ماهو حاصل في اليمن الذي خرج الشعب عن بكرة ابيه يطالب بالتغيير.
اما المصالحة السياسية (السلبية) فهي وسيلة سياسية قد تنتهجها بعض الأطراف المتصارعة لمنع حركة التغيير وتأجيل معالجة جذور المشكلات التي أدت إلى حدوث الصراع ، لتسعى من خلالها الى احتواء أي مساع لتنفيذ الحلول الناجعة لمشكلاته واستبدال ذلك بتحديد مساحات للعلاقة في ما بينها من جهة والدولة من جهة أخرى بهدف الحفاظ على مصالحها وتكون الاطراف الأضعف والشعب هم الضحية، وهذه المصالحة لا تعتمد آلياتها وبرامجها على الأُسس والمواثيق الدولية لحقوق الانسان.
نتمنى أن تكون المصالحة الوطنية التي نسمع عنها(ايجابية ) في ضوء ما تشهده المنطقة من تطورات ومتغيرات دولية وإقليمية وان تكون حلقة من حلقات خطة سلام شاملة لمعالجة كل أوجاع اليمن تضمن انخراط الجميع في سلام شامل ودائم، دون ذلك فإن المصالحة يمكن تفسيرها على انها أملاءات خارجية لقوى إقليمية لتكرس بقاءها شرطياً في المنطقة ترفعها وقت الطلب لضرب خصومها بإعاقة التغيير المطلوب في اليمن لتصبح القوى الناشئة التي ترفع راية التغيير هي الضحية من المصالحة والمؤهلة لإخراجها من اللعبة، وكهدف مُكمل للمبادرة الخليجية التي احتوت الثورة بوهّم (الحوار) لتحتوي تحقيق مخرجاته بوهّم التأجيل.

Maqbas1@yahoo.com

 
في السبت 26 يوليو-تموز 2014 10:53:03 م

تجد هذا المقال في وفاق برس
http://wefaqpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://wefaqpress.com/articles.php?id=1091&lng=arabic