|
بالتوازي مع سعي جماهير الشعب الكادحة إلى تحقيق وحدتها، كانت مراكز القوى في صنعاء تخطط للغدر بذلك الطموح والأمل بان تطعنه من الخلف وتقسم ما يمكن الاستفادة منه فيما بينها ودسه في جيوبها وتدفن الباقي فيما بعد. لقد رأت مراكز القوى تلك في الوحدة، الهدف المشترك لثورتي سبتمبر وأكتوبر، سبيلاً للسطو على المزيد ويوصلها لمشبع نزواتها الأثمة.
كان لها ما أرادت، بعد أن تحققت الوحدة في الـ90، حين خرجت الجماهير مبتهجة بهذا المنجز، كانت خطط المؤامرات تستقبل اللمسات الأخيرة في الغرف المغلقة والمفتوحة أيضاً للنيل من شريك الوحدة والانقضاض على البقعة الجغرافية التي أتى منها «الجنوب»، لقد توالت الأحداث، بدأ الأمر بسلسلة من الاغتيالات بحق عدد من قادة وكوادر الحزب الاشتراكي اليمني، لم تكن الاغتيالات سوى باكورة للحرب البشعة، التي لم تعرف خلالها جحافل مراكز القوى القبلية والدينية لا شرعاً ولا ضميراً إلا وانتهكته.
في كتاب «الاستقلال والوحدة»، وضع العرشاني نتائج استبيان قدمه لعدد من الشخصيات الاعتبارية شمالاً وجنوباً، تضمن الاستبيان عدة اسئلة حول مستقبل الوحدة وفترة ما قبل الوحدة والوحدة بحد ذاتها، كان ذلك قبل عام تقريباً من توقيع اتفاقية الوحدة، عند التعمق في قراءة أراء بعض رواد الجناح القبلي والديني حول الوحدة تتكشف النوايا الخبيثة التي أضمرها أولئك ومن ورائهم، والتي كانت في مجملها تصب مصب اعتبار ما يسميه أحدهم بوقاحة "جنوب الوطن المضطهد" ليس مهيئاً للدخول في وحدة حقيقية، ويجب في البدء تهيئته!
مثلت حرب 94 الضربة التي نالت من بصيص الأمل، الذي ظل شاخصاً حول بركة دمِ تتسع لتدركه فيما بعد، في أيجاد حل للأزمة عبر الالتزام بوثيقة العهد والاتفاق، لقد وجد التحالف الثلاثي «القبلي - الديني - الانتقاميون الجنوبيون» الحرب ما سيفرغ فيه غليل حقده، وأفرغه فعلاً دون مراعاة خط أحمر، الحرب الذي سيجني منها هذا الحلف غنائم شتى ويتفيد ما أراده، لقد دخل الحرب بذهنية إما المنتصر أو المهزوم، لا مجال لحل وسط، وهكذا عبر.
الـ27 من أبريل من 94 كان اليوم الذي أُعلن فبه بدء الحرب، هكذا وضعوا في فهرس الذاكرة، وهكذا رسخ هذا اليوم مقروناً بذكرى بدء الحرب، لكن الحقيقة أن الحرب كانت قد ابتدأت قبل هذا التاريخ بكثير، لقد بدأت منذ أن كانوا يضعون الحزب الاشتراكي كحاكم للجنوب ومن ورائه المؤمنون بفكرته وكل ابناء الجنوب في خانة الكفار، وظلوا ينتظرون الفرصة عندما تسنح للانقضاض عليهم. لم تكن حرب 94 إلا معركةَ في اطار صراع بين القوى المدنية و القوى الظلامية هو مستمر الى اليوم.
"لقد عمدت الوحدة بالدم"..! ما زال بعض المرجفين يرددها دونما خجل، وأي دم ذلك الذي يعمد شيئاً هو معنوي بالأساس، هل بإمكان مادة سائلة كالدم أن تحوي روحاً، لقد استبدلوا الجسد الشعبي المتين الذي أوى روح الوحدة ببركة من الدم غرقت بها الوحدة، ورموا بذلك الجسد الذي أخافهم بعيداَ، إنهم إلى الأن ينهبون ويأكلون ويشربون ويلبسون، بلا خجل، باسم الوحدة. هم وحدهم من جنى من الوحدة ثروات وعقارات وشركات، بينما يتضور الشعب جوعاً.. أسدلوا عليهم ستار الوحدة وبدأوا في تقاسم الوطن.
المحك هنا، كيف نعيد ذلك رفات ذلك الجسد، لقد طمره الإمعان في الإقصاء والتهميش إلى أن كادت متواليات الاحداث أن تدفن أيضاً الأمل بالعثور عليه، لقد تشظى ذلك الجسد. بعودة النزعات الأكثر ضيقاً يبدو كل شيء قاتم، هنالك من يطالب بدويلة مستقلة على حدود ما قبل الاستقلال 67 ومن يطالب بسلطنة ومن يترحم على الاستعمار البريطاني ومن لا تمر عليه كلمة دون أن يصبغها صبغة عنصرية فجة، تلك الأصوات تتناسل، والزيجات يخصبها أعداء تاريخيون. هنالك حلول كثيرة، بإمكانها ان تخرجنا من عنق الزجاجة إلى الرحاب الطلق لا ان تدخلنا زجاجة أخرى أو تعيدنا إلى قعر ذات الزجاجة.
في السبت 26 إبريل-نيسان 2014 11:30:03 م