|
القبيلة في اليمن.. ودورها في إضعاف الدولة
بقلم/ علي حسن الشاطر
نشر منذ: 10 سنوات و 7 أشهر و 6 أيام الثلاثاء 15 إبريل-نيسان 2014 05:04 م
إذا ما عدنا بذاكراتنا السياسية سنوات قليلة إلى الوراء سنجد أن الكيانات القبلية والعصبوية في اليمن ليست جديدة أو وليدة اللحظة، بل تمثل في شكلها العام المعاصر تحوُّراً في الوسائل والأساليب والأسلحة التي تستخدمها القوى المتخلفة في حربها ضد الدولة، ولكنها من حيث جوهرها وأبعادها وأهدافها تمثل امتداداً لمشروعها السياسي في كبح وإعاقة عملية التحديث والتغيير السياسي والتنموي والديمقراطي الشامل وما يمثله من تهديد لمصالحها، واستخدام الموروث الديني والقبلي كمنطلق فكري واجتماعي وثقافي لتحقيق هذا المشروع، إنما يكشف عن حقيقة القوى السياسية التي تقف وراء هذا التوجه.. وهي التي رفضت الوحدة اليمنية وقاومت الديمقراطية، وشرعت منذ وقت مبكر في إحياء دور القبيلة وأعرافها وما ارتبط بها من نعرات وممارسات سلبية، وإعادة توظيفها لأغراض سياسية، ولم تقتصر أدوارها المبكرة على إعادة تنظيم الكيانات القبلية الضيقة التي كادت أن تنقرض في بعض المناطق، بل عمدت إلى استزراع القبيلة وثقافتها وسلطاتها في الحواضر المدنية التي لا تتفق طبيعتها الاجتماعية المدنية مع النظام القبلي وأساليبه المتخلفة، وانتدبت لهذه الحواضر مشايخ في كل حي سكاني أنيطت بهم مهام ترتبط بمتطلبات المواطنين الحيوية لتعزيز نفوذهم وسلطاتهم على حساب السلطات المدنية المعمول بها تاريخياً في هذه الحواضر.
في مراحل لاحقة حاولت بعض هذه الرموز القبلية استناداً إلى موروث تاريخي ومكانة متوارثة وسلطات وإمكانات مالية كبيرة تأكيد حضورها السياسي والاجتماعي على مسرح الأحداث واستعادة امتيازاتها ومصالحها غير المشروعة، باستخدام مبدأ فرق تسد، كخيار متاح لها مرحلياً في إذكاء جذوة الفتن والثأرات والصراعات داخل المجتمع اليمني لتشتيت جهود الدولة في صراعات وقضايا ثانوية يكون في يدها ريموت التحكم بها عن بعد.
خلال هذه المرحلة كان رهان هذه الأطراف على قدرتها في إحياء روح التعصب والثأرات والأحقاد وإثارة النعرات المذهبية والمناطقية والسلالية بامتداد الساحة الوطنية.. ومدها بمقومات الاستمرارية ووسائل الصراع وأسبابه، وكذلك تكوين مليشيات مسلحة خاصة بها واستخدامها للإخلال بالأمن وفرض قانون الغاب في اضطهاد الآخرين وسلبهم إرادتهم وحقوقهم، ومواجهة الدولة وسلطاتها ومؤسساتها، وممارسة الابتزاز السياسي والاقتصادي، إلا أن هذه الرهانات فشلت في تحقيق أهدافها الإستراتيجية المرجوة وإن حافظت على وجود القوة القبلية في عناوين الأحداث والإشكالات والاختلالات الأمنية.
لم يدرك هؤلاء بأن الدولة -وإن ضعفت موقتاً- عصية على الابتزاز أو التهديد، فلجؤوا إلى محاولة تشكيل تحالفات قبلية تضم في صفوفها مختلف المكونات القبلية الرئيسة على الساحة، وظهرت ما سمّيت بالمؤتمرات القبلية التي صاحبتها حملة دعائية إعلامية ضخمة، وحشد هائل أنفقت في سبيله مليارات الريالات، ولكنها سرعان ما اضمحل فعلها حين تكشفت للمشاركين فيها الأهداف الحقيقية، إلى جانب ظهور وإنشاء كيانات وتحالفات قبلية جديدة هنا وهناك، قاسمها المشترك أن القائمين عليها رموز قبلية فقدت مصالحها وامتيازاتها وسلطاتها داخل مؤسسات الدولة والمجتمع الحضاري، وتمتلك ثروات مالية ضخمة لتمويل هذه التجمعات وشراء الولاءات، والأخطر من ذلك أنها تمتلك ارتباطات خارجية قادرة من خلالها على توفير ضمانات التمويل والدعم الخارجي من دول صغيرة تحاول البحث عن دور يفوق حجمها -سكاناً وأرضاً ونظاماً- وغالباً ما يكون هذا الدعم مشروطاً بأدوار وحسابات سياسية مرتبطة بالأجندة الخاصة لتلك الدولة وأهدافها، أما القاسم الاستراتيجي لمثل هذه التجمعات فيتمثل في سعي القائمين على إنشائها وتمويلها في الحفاظ على دور القبيلة اليمنية ضمن بنيتها القديمة وموروثها المتخلف وجَعْلَهُ رهن إرادتهم كقوة اجتماعية وسياسية وعسكرية يمكن استخدامها ضد الدولة والمجتمع عندما تقتضي مصالحهم ذلك.
- نقلا عن صحيفة الرياض:
|
|
|
|
|
|
|