احمد صالح الفقيه
طباعة المقال طباعة المقال
RSS Feed مقالات رأي
RSS Feed
احمد صالح الفقيه
لماذا نناهض الحوثية
القرية الكونية .. ام القرية الامبريالية ؟!
سيطرة الحوثي على الجنوب مسألة وقت

بحث

  
قراءة سوسيولوجية لرواية زيد دماج (الرهينة)
بقلم/ احمد صالح الفقيه
نشر منذ: 10 سنوات و شهر و 28 يوماً
الخميس 20 فبراير-شباط 2014 02:15 ص

مدخل:
ينطلق اهتمام السوسيولوجيا، اي علم الاجتماع، بعالم الرواية من اعتبارين هامين مفادهما : أولا أن الاهتمام الجماهيري بهذا الفن ظاهرة سوسيولوجية تتمتع بكل صفات الظاهرة الاجتماعية. وثانيا لأن النص السردي يستحضر المعالم التاريخية والمعاصرة ، والمظاهر اﻻجتماعية، والمضامين الفكرية اﻹيديولوجية التي يقدمها وفق رسالة فكرية أدبية تعتمد التشكيل السردي الفني.
وقد أفضت العﻼقة الوطيدة بين اﻷدب و المجتمع ، الى اتحاه عدد من المدارس النقدية الى المناداة باجتماعية اﻷدب، و رأت ضرورة تأويل وتفسيرالنص الروائي ، على أنه ظاهرة اجتماعية قبل كل شيء ، وهذا يعني ان النص الروائي منتج ﻷنساق إيديولوجية أو أنساق شارحة لها.
ويذهب بعض المشتغلين في حقل الدراسات النقدية اﻷدبية ، الى تصنيف الايديولوجيا في العمل الروائي على انها مجمل المضامين الفكرية التي يعبر عنها النص الروائي وصلته بالتوجه السياسي للمؤلف، فيتم تصنيف الروائي وفق ما يعلنه من مواقف وآراء ﰲ عمله الروائي، باﻹضافة الى أن مصطلح "أدلوجة" - على حد تعبير عبدﷲ العروي - صارسمة تسم بميسمها اﻷعمال اﻷدبية ، خاصة منها الروائية، لتصبح بعد ذلك العديد من اﻷعمال الروائية اعمالا روائية إيديولوجية تطرح قضايا سياسية بصورة مكثفة وواضحة.
وارى ان بعض اﻷسباب و المسببات التي يصبح النص الروائي بموجبها عمﻼ أدبيا فنيا خاليا من الايديولوجيا السياسية بصورة خاصة، يرجع الى طبيعة الرواية، ودرجة ابتعاد الموضوع عن المشكلات الاجتماعية والسياسية للمجتمع، كما في روايات الخيال العلمي والروايات البوليسية على سبيل المثال. اما فيما يتعلق بالروايات التي تتناول المجتمع وتعبر عن علاقاته ومشكلاته فاني ارى انه لا يمكن مصادفة نصوص روائية تستبعد حضور اﻷنساق اﻹيديولوجية فيها، وهنا يحتاج الناقد الى البحث في غاية المؤلف منها، وما هي الفجوات والمساحات التي تتموقع فيها هذه اﻷنساق اﻹيديولوجية في النص الروائي. فاذا كثرت هذه الفجوات والمساحات فان النص الروائي يصبح بيانا إيديولوجيا منتميا لفئة من فئات المجتمع.
ولا يظهرالحضور اﻹيديولوجي للمؤلّف، في رأيي، الاعند استنطاق النص الروائي، بمعنى قراءته وتأويله، بتحليل المستويات الداخلية والخارجية للنص، وهذا تناول حداثي يحاول أن يوحد بين مختلف الاتجاهات النقدية السوسيولوجية ، التي حاولت أن تدرس الظاهرة اﻷدبية بجزئياتها وكلياتها، والتي تميزت- أيضا - بتجميع المقاربات النفسية واﻻجتماعية المنصبة من قبل على دراسة وتحليل اﻷعمال اﻷدبية الروائية، فقد اهتمت النظرية السوسيولوجية بجميع جوانب الظاهرة اﻷدبية ، بتركيزها في التحليل على المستويين الداخلي والخارجي، و هو ايضا ما اعتمدته البنيوية التكوينية في تحليلها للنصوص الروائية .

عتبات الرواية:
الطبعة التي بين يدي هي الطبعة الخامسة وقد نشرها اتحاد الكتاب والادباء اليمنيين في العام 2010 وجرى طبعها بصنعاء بمطبعة دار الآفاق واخرجت في 209 صفحات من القطع المتوسط. وكانت الطبعة الاولى قد نشرت في العام 1984 من قبل دار الآداب في بيروت.
ان الغلاف من وجهة نظر سيميائية هو لوحة واقعة ضمن بنية النص مع انه صفحة تتميزعن المتن بطابعها الدلالي الخاص، من حيث كونه تركيبا للنص في لوحة تنتظم فيها المعطيات البصرية واللسانية. وتظهر كلمة الرهينة على غلاف رواية الرهينة في الجزء الاعلى من الصفحة بخط كبير الاحرف فوق رسم ملون لامرأة شابة حسناء، يشغل نصفها الاعلى كامل الصفحة، يليها اسم الرؤائي بخط اصغر. وأنا افضل عند تناول العتبات الاكتفاء بالعنوان لانه العنصر الوحيد الذي يرتبط بالروائي، اما بقية العناصر فليس للروائيين اليمنيين يد فيه في الاغلب الاعم، غير أن ذلك من الاستثناءات في هذه الحالة، وربما بالصدفة.
فمع ان العارف بالحال يعرف ان كلمة الرهينة تنصرف الى شخص ذكر مسترهن مرهون، الا ان غير العارف سينصرف ذهنه الى الشابة التي يمثلها الرسم باعتبارها الشخص المقصود. وبطلة الرواية "الشريفة حفصة"، على الرغم من سمو مكانتها الاجتماعية، يمكن النظر اليها من قبل العارف كرهينة ايضا ولكن للتقاليد والاعراف.
ويتميز العنوان من جهة أخرى بالمباشرة اللافتة، كما انه ذا دلالة مباشرة على مرحلة من حياة الروائي، أو ربما أحد اخوته، كان فيه رهينة في مرحلة مبكرة من حياته باعتباره ابنا لشيخ اقطاعي، من الذين اعتاد الائمة على اخذ ابنائهم رهائن ضمانا للولاء الطاعة، ولولا ان الروائي من مواليد العام 1943 لاعتبرت الرواية نوعا من السيرة الذاتية، مع انها يمكن ان تكون كذلك وان يكون فضاؤها الزمني نوعا من التمويه.
ان كلمة الرهينة كلمة خنثى، ان صح التعبير؛ فكل شيئ يصلح لاستخدامه كرهينة شريطة ان يكون ثمينا بالنسبة لمن يقدمه، ويطلق اللفظ ذاته على الانثى اوالذكر، بل وحتى على الشيئ المرهون وان كان جمادا.
نظام الرهائن نظام موغل في القدم مذ عرف الانسان الامارة المملكة والسلطنة، حيث يعمد الملك او الامير بموجبه على اخذ رهائن من ابناء الاقيال ورؤساء القبائل. وحسبنا هذا من العتبات.

الفضاء الزمني للرواية:
تدور أحداث الرواية بين العامين 1945 و1948 في عهد الامام يحي حميد الدين وربما امتدت احداثها الى العام 1949 في عهد الامام احمد. وقد استندت في هذا التحديد من جهة الى حقيقة ان اغتيال الامام يحي يرد في اواخر الرواية في الصفحتين 184 و 185، ومن جهة اخرى استندت الى ان وظيفة الدويدار (صبي الخدمة في القصور)التي شغلها بطل الراية الرهينة، تشترط ان يكون شاغلها صبيا لم يبلغ الحلم، وان يكون قادرا جسديا على الخدمة، اي انه يكون في حوالي العاشرة من العمر، فان كان ذلك كذلك في العام 1945 فانه يكون في عتبة البلوغ في العام 1949 حيث يكون في الرابعة عشرة من عمره، وهي سن لا يصلح ان يكون فيها دويدارا لصلته بنساء القصر، اللهم الا اذا كان طواشيا من الخصيان.

الفضاء المكاني:
مدينة تعز هي مسرح احداث الرواية وقد اختار منها الروائي قصر النائب كمكان رئيس ذو امكنة متعددة بداخله، كغرفة الحالي والمطابخ والاسطبل وديوان النائب وقصر الشريفة ..الخ. يحتوي الزمان الرئيس، ثم فضاءات وازمنة مساعدة كقلعة القاهرة، ، ثم بدرجة اقل كثيرا قصر السيف احمد (دار الناصر) والطريق اليه.
من فصول الرواية:
في المقطع الاستهلالي للرواية التي يتحدث فيها السارد بلسان بطل الرواية بضمير الانا يقول:
"كم هي جميلة هذه المدينة! شاهدتها لاول مرةعندما اخذت من قريتي ووضعت في قلعتها (القاهرة) بين رهائن الامام. أخذني "عكفة" الامام ذوو الملابس الزرقاء عنوة من بين احضان والدتي ومن بين سواعد افراد اسرتي المتبقين. ولم يكتفوا بذلك بل اخذوا حصان والدي تنفيذا لرغبة الامام." ص6 و7.
بالاضافة الى ما يثبره هذا المقطع في نفس المتلقي من اسى على الطفل الرهينه، فانه يمكنه أيضا من تصور مقدار الحزن والغضب الذي تخلفه معاملة قاسية كهذه في نفس الطفل، الا ان هناك ماهو انكى من ذلك بكثير وهو ما سنتناوله بعد قليل. من جهة اخرى ينبئنا المقطع بمقدار ثراء أسرة الطفل الرهينة، ذلك ان امتلاك اسطبل للخيل في ذلك الزمان، يشبه مع بعض المبالغة، امتلاك طائرة خاصة في هذه الايام.
في اليمن كان اضطرار اللاهوت السياسي للاستعانة بالقبائل الشمالية المقاتلة، لفرض سلطانه على المدن والمناطق الزراعية اليمنية، سببا في ظهور ما يمكن تسميته بالاستعمار الداخلي، الذي لعبت فيه القبيلة الشمالية دور المستعمر. واسرة الروائي هي احدى رؤوس تلك القبائل المقاتلة.
وطبقا لشهادات من كبار السن في المناطق الزراعية، استمع إليها الكاتب، وكان مصدرها روايات أسلاف الشهود المنتقلة بالسماع من جيل إلى جيل، فان الهيمنة القبلية الشمالية كانت تبدأ بحصول شيخ على موافقة من الإمام أو صك بإقطاعه منطقة معينة، فيذهب إليها الشيخ مع مجموعة قوية من قبيلته، ويشرع في محاصرة قراها قرية بعد أخرى، ويفتشون كل بيت، ويستولون على وثائق ملكيات سكانها، ثم يطلبون من الملاك الأصليين الوصول إلى مقرهم الذي اتخذوه في القرية، لاستئجار ممتلكاتهم ذاتها من الملاك الجدد، مقابل نسبة من المحصول، فيتحول المالك الى أجير يعمل في أرضه ذاتها. ويتوارث أعقابه حق الانتفاع بتلك الأرض، كما يكون لهم حق بيع هذا الحق لآخرين مقابل مبلغ متفق عليه تذهب نسبة منه للمغتصب، ويوقع الشاري الجديد عقد استئجار يحل فيه محل الأول كأجير.
والمثير للسخرية أن الأجيال اللاحقة من أبناء المشايخ المغتصبين شاركوا في الثورات ضد الحكم القائم في زمنهم بسبب تضررهم من الجبايات الحكومية الباهظة، فأصبح يشار إليهم في أدبيات التاريخ اليمني المعاصر على أنهم من الثوار، وقادة الحركة الوطنية ضد الظلم والاستبداد على مر الأجيال. وكانت هذه الثورات سببا لاخذ الرهائن من شيوخ هذه المناطق ضمانا للولاء والطاعة اوحتى لمحرد النكاية.

الاستغلال الجنسي للرهائن:
في المقطع التالي يواصل " الرهينة" حديث الرواية الاستهلالي قائلا:
" كان يوما معتدلا , خفت فيه حدة هطول الأمطار لتتيح لنا مشاهدة المدينة والقرى البعيدة المتلألئة فوق الجبال , كان الجو صافيا . إنه علان شهر التأهب للحصاد .
كنت مع زميلي الدويدار الدويدار الحالي كما يسمونه , على سطح دار النائب العالي ,لا أدري لماذا أحببت صداقته , ربما لتقارب السن , وربما لعملنا المشترك .
كنت قريب العهد في منزل النائب , نائب الإمام و عامله على المدينة وما يتبعها ,عندما أخذوني قسرا من قلعة القاهرة , معقل الرهائن.
وأدخلت من بوابة قصر النائب وأنا أتذكر نظرات الازدراء التي ودعني بها زملائي الرهائن . كنت على علم بأن بعض الرهائن قد أخذوا إلى قصور الإمام وبعض نوابه وأمرائه دوادرة . وكنت أسمع أن بعضهم قد تمكن من الفرار والبعض قد فشل ,فكبلوه بالقيود الحديدية في قلعة القاهرة مدى الحياة . الشيء الذي لم أكن أعرفه هو معنى الدويدار وما هو عمله ? ولم أكن أعي أي تفسير يقال ,ربما لصغر سني .
من شروط الدويدار أن يكون صبيا لم يبلغ الحلم . هكذا كان يقول أستاذنا الفقيه السجين أيضا معنا , والمكلف بتعليمنا القرآن والفروض والطاعة في قلعة القاهرة معقل الرهائن .
يقوم الدويدار حاليا بعمل الطواشي وعندما تبدو علينا الحيرة يقول :- والطواشي هم العبيد المخصيون . فنزداد حيرة أكثر .
والخصي , هو من تضرب خصيته . ونحتار أكثر أيضا من جديد متألمين لهذا العمل القاسي فيقول : لكي لا يمارس عملا مشينا , جنسيا , كمضاجعته نساء القصور , أي بمعنى آخر يجب أن يكون فاقدا لرجولته , أي بمعنى آخر , عاجزا . ونحتار أيضا , فنقول :
هذا يكفي , مفهوم ?
غير مفهوم يا سنا الفقيه . يقوم غاضبا لردنا الجماعي الذي كان يعتبره وقحا أو وقاحة , ونصيح بنشيدنا المعتاد : - غفر الله لك يا سيدنا , ولوالديك مع والدينا , إلخ ."
ان تتحول من ابن شيخ الى صبي خدمة ولو في قصر لا بد ان يفعم النفس بالمرارة والاحساس بالهوان. ومن هنا ازدراء الرهائن لمن اصبحوا دوادره. ويلمح الروائي على لسان الرهينة سبب الادراء فيقول:
" كان بعض الرهائن ممن مارسوا أعمال الدويدار ثم عادوا إلى قلعة القاهرة مرة أخرى لبلوغهم الحلم كما يقول الفقيه : يحكون أشياء غريبة وعجيبة علينا .
وكنت ألاحظ أن معظم العائدين منهم إلى القلعة قد تغيرت ملامحهم , حيث غدوا مصفري الوجوه بالرغم من ظهور نعومة شاملة في أجسامهم مع شيء من الترهل وذبول في غير أوانه .
كنت ألاحظ أيضا اهتمام حرس القلعة بهم , هؤلاء ناعمي الملمس رقيقي الأصوات , بملابسهم النظيفة المرسلة حتى الأرض , وبتلك الكوافي المزركشة التي حاكتها نساء القصور فوضعوها على رؤوسهم لتخفي شعرهم المجعد
الممشط , الذي تفوح منه رائحة الدهون المعطرة التي يستنشقها بلذة أفراد الحرس , والفقيه مدرسنا أيضا الذي يبالغ في مراعاته لهم بسماجة أكثر مما يلزم.
كانت قلعة القاهرة في ذلك الزمان مقرا لحامية عسكرية مزودة بالمدفعية والرشاشات، وكان الامام يختار من حرسه الخاص "العكفة" قيادات الحامية، رجالا ذوي دين وخلق تلقوا كبقية العكفة قسطا من التعليم. وفيما عدا العكفة كان الجنود رجال قبائل غلاظا جهلة. ولطالما عرفت الثكنات بانها بيئة خصبة لانواع الشذوذ الجنسي حتى في الجيوش الحديثة، ويتداول اليمنيون قصصا عن الاستغلال الجنسي للرهائن من قبل الجنود المقاطيع الذين يتركون عائلاتهم في قراهم الجبلية ولا يحصلون على فرصة لزيارتها الا كل عام ونيف، ولعل هذا الاختلاط بجنود الحرس الغلاظ الجهلة يفسر تلك الانوثة الظاهرة على الدوادرة العائدين من القصور التي وصفها الرهينة في المقطع السابق، بالاضافة الى اختلاطهم بخادمات القصور ونسائها، ومنهن العوانس اللواتي ربما تحركت نوازع الامومة فيهن فأحسن الى الصبيان وصنعن لهم الطواقي واعتنين بهندامهم ورائحتهم..
وربما كانت العوامل السالفة الذكر هي التي دفعت الروائي الى تصوير زميله الدويدار (الحالي) اي الجميل لم يفر في علاقاته الجنسية ايا من نساء القصر وهو مجرد طفل وصور القصر في معظم الرواية وكانه مبغى كبير، ثم ذهب ابعد من ذلك بان صور الحالي وكانه الشريك الجنسي الايجابي لحرس قصر النائب مع ان العكس هو الاكثر معقوليه كما في هذا المقطع:
- كانوا يسألون عنك, عن الدويدار الحالي ! ترك منكبي وأطرق لحظة إلى الأرض ,
ثم قال باسما :
- ماذا قالوا ?
- لا شيء , سوى أنني كنت غير محبب لديهم .
- لا يهمونني في شيء , فهم مجرد عوانس كعوانس القصر وملحقاته "
_ أتعني ذلك ?
- ألم تلاحظ ذلك , على أشكالهم وطباعهم وحديثهم وتصرفاتهم ?!
جذبني نحو دار الشريفة حفصة .. قلت له :
- ليس من الآن .
- لماذا ?
- لم تستدعني أولا , وثانيا أريد أن أتحدث إليك حول عملي هذا .
- دويدار .
- لم أفهم ?
- دويدار , وهذا يكفي .
- يعني : خادم !
- أرقى نوعا ما .
- لم أفهم !
- ستفهم مستقبلا !
- قال لي هذا الكلام .. البورزان !
- دعك منه , فهو عانس أيضا . ساد صمت لفترة وجيزة , قلت له بعد ذلك :
- لماذا يطلقون عليك , لقب .. الحالي ?! ابتسم ثم قال :
- من الحلاوة !

الاستغلال الانكى:
في هذا المقطع من الرواية ص65 يتلقى الرهينة اخبارا عن اسرته في قريتهم وان هناك عساكر "بقا" غي بيوت اسرته التي لم يعد فيها الا النساء والاطفال. و"البقا " تعبير يدل على ان الجنود يقيمون في المنازل ويتلقون الخدمة والكفاية اي كل ما يحتاجون اليه من سكان المنزل. ويمكن للمرء تصور ما يمكن ان يحدث... الامر الذي يفسر النقمة المحتدمة في رواية الرهينة:
"حاولت ذات يوم , وقد ضقت ذرعا بالحياة , أن أقنع صاحبي بالخروج إلى الميدان
ثم إلى المدينة , إلى السوق , إلى الشارع , قلت له بتودد :
- أريد أن أتجول في المدينة هذا اليوم , ولو لساعة واحدة .
- لماذا ?
- يوم واحد , بل ساعة واحدة , ألا تسمح أن ترافقني ?
- أشياء ! لكني أريد فقط أن أشم الهواء .
- الهواء موجود !
- أريد أن نمشي معا , أن نشم هواء آخر , نرى الناس , أن أجد أي شخص من
بلدتي ممن يبيعون البصل والثوم والبطاطا في السوق , أسألهم عن حالة أسرتي !
- أبوك الهارب يلهب الدنيا بلسانه الطويل على الإمام في الجرائد , في عدن , وحالة
بلدتكم سيئة . أطرقت , لم أكن أعرف أن لوالدي هذه الأهمية !
- أما أعمامك وأفراد أسرتك الآخرون ففي السجون . أطرقت مرة أخرى , كنت أعتقد
أنني الرهينة الوحيدة في السجن ! ثم قال :
- لا يوجد في دياركم سوى النساء والأطفال الرضع , و السواري و العكفة
بقاء عليكم ."
في سيرة مؤسس دولة الموحدين في المغرب المهدي محمد بن تومرت كما وردت في وفيات الاعيان لابن خلكان، انه لجأ الى قرية تينمل الواقعة في عمق مضيق بين جبلين، وانه لاحظ هناك الاشكال المتباينة للاطفال، فعدد كبير منهم زرق العيون شقر الشعور، فلما سال اهاليهم عن ذلك قالوا ان جنود السلطان بن تاشفين، واغلبهم صقالبة من العرق الغربي، ياتون اليهم للجباية ويسكنون في دورهم فيخرج الاطفال على تلك الشاكلة، ولا اكاد اشك ان هذا من ذاك.

الخلاصة:
تتميز رواية "الرهينة" بنسق ايديولوجي واضح ومكثف في بنية الخطاب الروائي، فالعالم الاجتماعي الكامن في هذا العمل الروائي عالم متصارع دائر في فلك المصالح ويسعي نحو تحقيق الأفضلية ولو بتشويه الآخر الى درجة الاغتيال الأخلاقي المعنوي، فيما يظهر أنه استكمال للاغتيال المادي الذي نفذه الانقلاب العسكري الناصري على الحكم الامامي في سبتمبر 1962، وشعور الروائي انه بالرواية يستكمل انتصار طبقته الاجتماعية من شيوخ القبائل وقد ورثت حكم البلاد بعد اسقاط الجمهورية الاولى في نوفمبر 1967 في انقلاب عسكري لعب فيه تحالف بين البعث وشيوخ القبائل الدور الأكبر، ثم ما تبع ذلك من تحولات سياسية في العقدين التاليين هيمن خلالها شيوخ القبائل على مقدرات البلاد.
ولد زيد مطيع دماج عام 1943 في لواء آب في اليمن وبدأ تعليمه لدى الكتاب " المعلامة " حيث حفظ القرآن الكريم .
- درس الحقوق في جامعة القاهرة والصحافة في جامعة صنعاء لكنه لم يكمل تعليمه الا في صنعاء.
- انتخب عضوا في أول برلمان يمني عام 1970 بعد انقلاب نوفمبر 1967 ومن ثم رئيسا للجنة الثقافة فيه .
- عين محافظا للواء المحويت وانتقل إلى العمل الدبلوماسي حيث عمل دبلوماسيا في الكويت ثم في سفارة اليمن في لندن ، وتوفي هناك في العام 2000م.
صدرت له المؤلفات التالية :
1 - طاهش الحوبان (قصص) 1973
2 - العقرب (قصص) 1982
3 - الرهينة (رواية)1984
4 - الجسد (قصص)
5 - أحزان البنت مياسة
6- الانبهار والدهشه - سرد من الذاكرة 2000
7- المدفع الاصفر- قصص 2001
وقد حظيت روايته الرهينة بدعاية كبيرة ورعاية من قبل السلطة بسبب مضامينها الايديولوجية بينما تكاد تكون بقية اعماله محهولة.
Share |
عودة إلى مقالات رأي
مقالات رأي
صحافي/علي ناجي الرعوي
هل سيتعظ اليمنيون ؟!
صحافي/علي ناجي الرعوي
كاتب/عبده محمد الجندي
قرانع .. الإصلاح يهددون بإسقاط السماء
كاتب/عبده محمد الجندي
كاتب/احمد صالح الفقيه
لا يدرك الحرمان في شرع الهوى
كاتب/احمد صالح الفقيه
كاتب وصحافي/علي حسن الشاطر
الأمن.. مرتكز الدولة المدنية الحديثة
كاتب وصحافي/علي حسن الشاطر
كاتب/جمال محمد حُميد
نقطة البداية لعهد جديد...!!
كاتب/جمال محمد حُميد
كاتب/علي البخيتي
الى أين ستأخذنا لعنة القضية الجنوبية ؟!!
كاتب/علي البخيتي
الـمـزيـد
جميع الحقوق محفوظة © 2012-2024 وفاق برس
برنامج أدرلي الإصدار 7.2، أحد برمجيات منظومة رواسي لتقنية المعلومات والإعلام - خبراء البرمجيات الذكية