بدأ يُنظر إليه كمهنة، يحترفها السياسي للوصول إلى قمة تلك المهنة التي يختارها، بأن يصبح وزيراً أو رئيساً للحزب الذي انضم إليه؛ ليصبح فيما بعد رئيساً للدولة أو رئيساً للحكومة. وأصبح السياسي يطوِّر إمكانياته وقدراته الفكرية والشخصية والسلوكية لتتلاءم مع ما اختاره من مهنة.
وإذا كان السياسي في الدول المتقدمة يبدأ حياته السياسية متطوعاً بهدف خدمة مجتمعه فإنه في الدول النامية أصبح (موظفاً)، يبحث عن مصالحه أو مصالح جماعته الفئوية أو المذهبية والقبلية في بلدان عديدة، وبخاصة في الدول العربية.
وهكذا، وبدلاً من أن يكون السياسي متطوعاً، ويعمل من أجل تحقيق أهداف بلده في التقدم والتطور، من خلال منهج سياسي مصاغ ضمن قالب فكري مطروح على الجمهور، الذي يأخذ به ويسعى إلى تنفيذ بنوده؛ لما يجد فيه من فائدة للوطن والمواطن، نرى في البلدان المتخلفة سياسياً وتنموياً طبقة من السياسيين، هدفها خدمة مصالحها الطبقية والمذهبية وحتى القبلية؛ وبالتالي أبعدت الكفاءات الفكرية المخلصة، وأغلقت الدوائر السياسية وحتى المناصب، بما فيها الوزارية، وحصرتها في طبقة من السياسيين المحترفين الذين يعرفون كيفية إرضاء محيطهم الطبقي أو المذهبي والقبلي لضمان احتفاظهم بمناصبهم لأكبر فترة زمنية، يحققون من خلالها مكاسب لهم ولجماعاتهم؛ ولهذا نرى تعثر محاولات الإصلاح وحتى تشكيل الحكومات، كما هو حاصل في لبنان وتونس. ففي لبنان يتعذر تشكيل حكومة منذ أكثر من عشرة أشهر؛ كون محترفي السياسة في هذا البلد لا يريدون أن يتخلوا عن الامتيازات التي حصلوا عليها بوصولهم إلى وزارات معينة، تدر الأموال والمصالح للوزير والجماعة التي ينتمي إليها.
آخر العقبات التي تعترض تشكيل الحكومة اللبنانية رفض (الجنرال) ميشيل عون تدوير زوج ابنته من وزير للطاقة إلى وزارة أخرى، ورئيس مجلس النواب يريد حقيبة وزارة المالية لأحد متحزبي حركته، أما ممثل إيران في لبنان (حزب حسن نصر الله) فلا يريد أن تذهب وزارة الخارجية إلى شخصية وطنية، لا تلتزم بما يوجَّه لها من تعليمات، مثلما يفعل الآن وزير خارجية لبنان الحالي، الذي ينطق بلسان فارسي في كل الاجتماعات التي يمثل فيها لبنان..!
أما في تونس، وبعد أن أوشكت أزمة تشكيل الحكومة على الحل، واستطاع السيد مهدي جمعة رئيس الحكومة، الذي أجمعت الأطراف السياسية على اختياره، تشكيل الحكومة، اقترب كل هذا من الرجوع لنقطة الصفر مرة أخرى.. والسبب أن السيد مهدي جمعة رأى إبقاء وزير الداخلية لطفي بن جدو لصالح البلد؛ كونه ينفِّذ خطة تطوير وإصلاح لوزارة الداخلية والأجهزة الأمنية.
ولأن الوزير لا يتبع أي جهة أو حزب سياسي، تتحقق من وراء بقائه منفعة حزبية أو فئوية، فإن بعض الأحزاب تعترض على بقائه الذي فيه منفعة لتونس..!! وهكذا، فالسياسيون والوزراء والحكومات في الدول العربية بخاصة يخضعون لمصالح الأحزاب والجماعات، والسياسي يتحول إلى بائع مهنة، يرتزق على حساب مصلحة الوطن.
- نقلا عن صحيفة الجزيرة السعودية: