الخطاب هنا موجه إلى كل أبناء اليمن، إلى الصغار منهم والكبار، إلى النساء والرجال إلى المسؤولين في الدولة وغير المسؤولين فيها. والدافع إلى توجيه مثل هذا الخطاب وفي هذه اللحظة الباردة من الزمن ما قرأته وأتابعه على الشاشة الصغيرة من كوارث طبيعية ناتجة عن المتغيرات المناخية، ومن العواصف الثلجية التي تضرب الناس والمدن والقرى في أجزاء كثيرة من العالم. وفي الولايات المتحدة الأمريكية خاصة حيث تتعرض ثلاثة أرباع هذه الدولة الكبرى لعواصف غير مسبوقة بعد أو وصلت درجة الحرارة إلى أدنى مستوى لها.
وما زادني اندفاعاً إلى كتابة هذا الخطاب ما شاهدته عبر التلفاز من آثار تلك العاصفة الثلجية في العاصمة واشنطن، وما تابعته من مناظر لجثث متجمدة حولتها الثلوج المتساقطة إلى تماثيل فاقدة الحياة، إضافة إلى مناظر الأحياء والشوارع المغطاة بالجليد والسيارات التي تنام تحت أطنان من الجليد الأبيض، أما الأشجار أو التي كانت أشجاراً فقد تحولت إلى اشباح من الثلج سواء في الطرقات أو الحدائق الخاصة والعامة، إنها غضبة الطبيعة التي لا ترحم ولا تحسب للناس ولا لنظام الحياة أي حساب. وهو ما يجعلني أتساءل ما مصيرنا نحن في هذا الوطن الجميل والبديع في تكويناته ومناخاته لو أننا نحن الذين تعرضنا لمثل هذه العواصف المرعبة؟ وما الذي أعددناه لمواجهة هذا الخطر المحتمل بعد المتغيرات المناخية؟ لقد نجحت الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم المتقدم في إعداد البنى التحتية القادرة على حماية الإنسان تحت كل الظروف، فما الذي أنجزناه نحن في هذا المجال لمواجهة أعاصير البحر والفضاء؟
ومن رحمة الأقدار بنا أننا وُجدنا في هذا المكان، وفي ظل ظروف مناخية معتدلة، وأننا -والحمد لله- ننعم بهذا الجو الربيعي في عنفوان الشتاء، ومع ذلك لا تخلو حياتنا من ردود أفعال الخلافات الفاحشة، ومن نماذج بائسة من البشر يطاردها صقيع الجوع وبرد الحرمان، وتعاني من غياب أبسط مقومات الحياة، ولو قد تحسنت أحوال الناس في بلادنا وتحقق لهم الحد الأدنى من مستويات المعيشة، ونجحت الحكومات المتعاقبة في إنجاز البنى التحتية الواقية، لكانت بلادنا واحة للربيع الدائم، ومن الأماكن القليلة في العالم ذات الأجواء المثالية، فأنت تستطيع أن تتجول في منتصف الليل الشتائي وكأنك تواصل مشاويرك اليومية في ربيع إحدى الدول الأوروبية وليس في مقدور لسعات البرد الخفيف أن تمنعك عن الخروج من المنـزل في أي وقت من أوقات الليل أو النهار. ولكن ماذا صنعنا، أو بعبارة أخرى ماذا قدمنا لنحافظ على هذا الوطن الجميل، وما هي البنى التحتية التي أنجزناها خلال العقود الماضية لمواجهة تحديات المتغيرات المناخية؟ وما الذي ننوي عمله الآن بعد أن فشلنا في مواجهة العواصف السياسية؟!
من النافل القول بأن الجزء الأكبر من المسؤولية يقع على عاتق الدولة، وأن الجزء المتبقي من المسؤولية يقع على عاتق المواطنين، وأن الفوضى الخلاّقة التي جعلت كل المواطنين -دون استثناء- يمارسون السياسة وينشطون في ميادينها ودهاليزها، هذه الفوضى لا ينبغي أن تنسينا خطر الاحتمالات التي تتربص بالشعوب وتفاجئ مواطنيها بما لم يكن في الحسبان. ولابد في نهاية هذا الحديث من إشارة سريعة إلى "صنعاء" عاصمة هذا الوطن الجميل وما تتمتع به من مميزات طبيعية يندر وجودها في مدينة أخرى من مدن العالم حيث شتاؤها ربيع وصيفها ربيع أيضاً، وأجواؤها الصافية طوال العام تجعلها شبيهة بالجنة. ولكنها تعاني من إهمال منقطع النظير ومن الترهل وعوادم السيارات ما يحولها إلى أسوأ مدينة فوق الأرض. ورغم المحاولات المضنية التي تبذلها أمانة العاصمة فإنها ما تزال بوضعها الراهن عرضة للتشويه ومنازلها القديمة مهيأة للانهيار.
الدكتور عبدالغني الشميري وكتابه (سياسة الإصلاحات الأمريكية في المنطقة العربية ، بين القيم والمصالح):
عن منتدى المعارف في بيروت صدر هذا الكتاب المهم للصديق الدكتور عبدالغني الشميري، وأجزم أنه جاء في وقته المناسب ليناقش أوضاع الوطن العربي قبل وبعد المتغيرات التي أحدثها الربيع العربي. والدكتور عبدالغني مفكر شاب مشغول منذ عرفته بهموم الأمة العربية وما تعانيه من بعض أبنائها ومن كثير من أصدقائها وأعدائها، وسأكتفي هنا بالإشارة إلى سطور من المقدمة التي كتبها الصديق الأستاذ الدكتور محمد صالح المسفر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر والتي يقول فيها "لقد أودع عبدالغني في سِفره هذا حصيلة قراءاته وبحوثه المتعددة فجاء دائرة معارف عن الإصلاح ومعوقاته، ومشاريع الولايات المتحدة الأمريكية للشرق الأوسط، منبهاً ومحذراً من مخاطر تلك المشاريع، داعياً إلى إجراء إصلاحات عربية شاملة تكون نابعة من واقع الأمة العربية"، يقع الكتاب في 560 صفحة من القطع الكبير.
تأملات شعرية:
غيمةً ما أرى فوق غيمان
أم حلماً شارداً
جاء من جنةِ الله
يحمل باقةَ وردٍ ليزرعها
عند أبواب صنعاء
بعد هطول الشتاءْ
غيمةُ الصيف داكنةٌ
بيد أن غيومَ الشتاءِ سلاسلُ ضوءٍ
موشحةٌ بالصفاءْ.