ـ بداية أود التأكيد بأن ما لحق بالمحافظات الجنوبية من استباحة عقب حرب 1994م واحالة عشرات الالاف من الموظفين المدنيين والعسكريين الى التقاعد قسراً، وغير ذلك من التجاوزات التي أوجدت شرخاً في الجسد اليمني وعمَّقت الغُبن لدى معظم أبناء المحافظات الجنوبية - أقول - لابد من التأكيد بأن تلك الأحداث المؤلمة مثَّلت الظلم بأبشع صورة، والتي حدثت إما بسبب الغباء المفرط أو بسبب الخيانة وقصر النظر!.
مع ان تلك الاحداث وإن كان الرئيس السابق بحكم مسؤوليته يتحمل الوزر الأكبر.. فإن بعض كبار المسؤولين بمافيهم جنوبيين من ورثة الحزب الاشتراكي بعد حرب 94م كان لهم دور لاينكر فيها.. بل ظل بعضهم ضد بعض التوجهات التي كانت تزمع تصحيح بعض تلك الأخطاء الفادحة!! وبقدر الاعتراف والتأكيد على المظالم وغياب العدالة الاجتماعية في الجنوب بقدر الاعتراف والتأكيد بوجودها ايضاً بكل المحافظات الشمالية!.
ـ كما لا بد من التأكيد هنا من فداحة الظلم الذي لحق بوجه خاص بالحزب الاشتراكي اليمني بعد حرب 94م نفسها.. فبجانب إحالة معظم كوادره القيادية بالذات الى التقاعد في أحسن الأحوال، تعرضت أملاكه أيضاً الى المصادرة وبعض كوادره الى الملاحقة.. ورغم ذلك وغيره من المظالم العديدة التي لحقت بالحزب الاشتراكي اليمني الا انه ظل وحدوياً ومناظلاً من أجل اليمن الموحد.. وكانت له رؤيته الوطنية والوحدوية والتي تفرد بها قبل غيره بل وكان سباقاً بها.
ولذا.. من حقه الحرص على وحدة المحافظات الجنوبية والشرقية عبر رؤيته لدولة اليمن الاتحادية من اقليمين شمالي وجنوبي، وان كان ذلك غير مطمئن لدى البعض.
ـ كان لا بد من الاشارة الى ماقمتُ بذكره هنا والتأكيد عليه بالصيغة المذكورة آنفاً.
ـ بالنسبة للوثيقة.. أو بالاحرى الدراسة التي حددت مبادئ أساسية لبناء دولة يمنية إتحادية والتي تم التوقيع عليها يوم الاثنين 23 ديسمبر2013م وتوقيع البعض الآخر عليها يوم الاربعاء 1 يناير 2014م
هذه الوثيقة مثَّلت بعض بنودها غُبن كبير لدى معظم أبناء المحافظات الشمالية، ليس فقط بسبب مانصت عليه من تقاسم 50% في كل شئ ولفترة زمنية محددة! مع ان تقاسم عام 1990م الذي حدث عبر التفاهم كان من اهم اسباب حرب عام 1994م بينما تقاسم الوثيقة يأتي عبر شروط قانونية شبه ملزمة! - أقول - ليس الغُبن بسبب التقاسم الذي قد يكون لفترة محددة رغم خطورته، وانما بسبب بنود أخرى جاءت بتلك الوثيقة، والتي منها اشتراط نص بالدستور القادم يعطي الأولوية في التوظيف لأبناء المحافظات الجنوبية ليكون المعيار هنا يقوم على المناطقية وليس على المؤهل او على الافضلية والاقدمية.. وما قاله الزميل / علي البخيتي بمقالته (حتى لايتصارع الجنوبيون على الـ 50%) بصحيفة الأولى يوم 2/1/2014م من أن المقصود بمظمون هذا البند هو ان تعطي لأبناء المحافظات الجنوبية درجات وظيفية تنزل في محافظاتهم هذا غير صحيح لأن هناك درجات وظيفية تنزل بالمحافظات الجنوبية منذ سنوات!.
وهناك أيضا بند بالوثيقة يشترط ان ينص الدستور القادم على آلية تنفيذية وقضائية وبرلمانية من اجل حماية المصالح الحيوية للجنوب؟!! لماذا فقط المصالح الحيوية الجنوبية؟! ألا توجد مصالح حيوية في المحافظات الشمالية؟!!.
ـ ان الخشية أن تمثل الوثيقة ببعض بنودها قنبلة قد تنفجر بأية لحظة! وقد تمثل بداية التمزيق لليمن كل اليمن وليس العكس؟!!
ففكرة الاقليمين أو الستة أو الخمسة.. الخ.. إنما تؤكد عند تطبيقها فعليا إلغاءً نهائياً لوحدة 22 مايو بكل سلبياتها وإيجابياتها وتعمق مفهوم الشمال شمال - والجنوب جنوب!! وقد تظهر نزاعات ومشاكل ليس فقط بين شمال وجنوب وإنما بين الاقليمين الجنوبيين وبين الاقاليم الشمالية ضد بعضها البعض.
ـ فما يسمى بمؤتمر الحوار الوطني.. بدلا من خروجه بوثيقة قد تحل المشاكل الجنوبية التي لاينكرها عاقل! خرج بوثيقة قد توجِد مشكلة بل مشاكل اخرى في الشمال؟!!
ثم.. هناك تساؤلات عديدة بريئة جداً والتي منها على سبيل المثال وليس الحصر:
مايخص التقاسم في التعيينات القيادية العليا المدنية والعسكرية هل ستقتصر على فئة دون أخرى من الجنوبيين؟ هل امثال حسين عرب وبن.دغر وباصرة وباسردة وأمثالهم ممن يُعتبرون وحدويين طالما وهم يشغلون مناصب، فإذا خرجوا أو أُخرجوا منها أصبحوا ضد الوحدة بل وانفصاليين، هل هؤلاء وأمثالهم سيدخلون في القسمة القادمة؟! أم أنهم سيُحسبون بالقسمة ذاتها شماليين؟!
هل ستكون القسمة مع حراك محمد علي أحمد أم مع حراك خالد باراس؟ مع حراك باعوم أم مع حراك البيض؟! مع الزمرة أم مع الطغمة؟!
فاذا تمكن المعنيون بحل القضية الجنوبية، والتي منها اعادة المسرحين مدنيين وعسكريين عقب حرب 94م الى الخدمة - هل القسمة ستشملهم أم ستقتصر على ورثتهم من الزمرة؟! الذين يشغلون وظائف قيادية عديدة حالياً؟! هل ستتم القسمة مع اعضاء المؤتمر الشعبي العام من الجنوبيين أم مع أعضاء المشترك؟ أم أن القسمة ستكون فقط مع أعضاء الحزب الاشتراكي اليمني خاصة الذين تعرضوا للظلم والاقصاء بعد حرب 94م وهو الذي يجب ان يكون؟!! وفي هذه الحالة مامصير الموجودين حالياً في الدولة من قيادات مدنية وعسكرية من ابناء المحافظات الجنوبية؟! لأن البقاء بجانب عودة بعض قيادات من المسرحين قسراً بعد حرب 94م اضافة الى القادمين سيعني حصول الجنوبيين على أكثر بكثير من 50%؟!! ليصبح الجنوب للجنوب والشمال للجنوب أيضاً!!.
ـ ثم.. مايخص اعطاء الجنوبيين الأولوية بمايخص التوظيف، هل سيطبق ذلك على من ولدوا في الشمال خاصة من بعد احداث 1986م ومن بعد عام 1990م، أم أنه سيقتصر على المواليد بالمحافظات الجنوبية؟! وهل مواليد المناطق التي دخلت ببعض المحافظات الجنوبية بعد 94م سيعتبرون جنوبيين أم شماليين؟!.
ـ أليس مثل هذا التقاسم سيكون بمجمله لصالح أفراد أو فئات وليس لصالح شعب الجنوب عامة؟!
ومن يضمن عدم المزيد من المطالب والابتزازات! بل من يضمن وقف الحراك المسلح وولادة المزيد من الحراكات والتوجهات خاصة مع وجود أزمة هوية يعاني منها بعض الأشقاء الجنوبيين ممن يدعون عدم يمننة الجنوب؟! فلاتزال في الجنوب عدة توجهات وحراك وكيانات وأزمة ثقة فيما بينها!.
ألم يقم بعض الجنوبيين تزامناً مع التوقيع على الوثيقة بتأسيس حركة شعبية بإسم (الحركة الشعبية لأحرار الجنوب) بصنعاء، والتي تهدف الى حل عادل للقضية الجنوبية من عام 1967م؟! حسب تصريح رئيس اللجنة التحضيرية للحركة محمد بن درعان؟!! يوم الثلاثاء 24 ديسمبر 2013م؟!
ـ ثم.. هل سيشترط بعض الجنوبيين عدم تطبيق القسمة على جنوبيين آخرين؟! كما حدث عام 1990م بما في ذلك اشتراط البيض خروج علي ناصر محمد من اليمن ايضاً؟ وهو ما حدث! ألا يمكن ظهور صراع جنوبي - جنوبي على القسمة القادمة؟ واذا كان النظام الانتخابي القادم سيكون عبر القائمة النسبية المغلقة.. والتي تعني تقديم اسماء المرشحين عبر الاحزاب في قائمة واحدة كيف سيتم ذلك مع المحافظات الجنوبية عبر التقاسم؟ وقد ينطبق هذا ايضاً على كيفية الاستفتاء على الدستور القادم عبر التقاسم؟!
ولأن كاتب هذه السطور من محافظة تعز الضائعة خاصة عند التقاسم المُقيت ألا يحق لي تغيير موطني ومكان ولادتي من تعز الى عدن طمعاً بالقسمة! بل ألا يحق لأبناء تعز جمع مليون توقيع تؤكد أن تعز جنوبية وليست شمالية طمعاً بالقسمة؟ خاصة وأن تعز هي التي دفعت وتدفع وستدفع ثمن التقاسم قبل غيرها؟!!
ـ وحينما تشير الوثيقة الى انتماء الشعب اليمني الى جنسية وطنية واحدة، لماذا لم يأتِ ذكر المواطنة؟! وهو ما قد يدفع بعضنا الى التساؤل المرير والبرئ بآنٍ واحد.. هل يحق للشمالي التمتع بما يتمتع به الجنوبي بالمحافظات الجنوبية كما يتمتع الجنوبي بالمحافظات الشمالية؟! بل هل سيقبل الجنوبيون مثلاُ بقاء مدينة عدن مدينة مستقلة وبمثابة عاصمة اقتصادية ومالية ومنطقة حرة يستفيد منها الجميع؟! أم أن الشمالي سيظل شمالياً فقط.. بينما الجنوبي سيظل جنوبياً وشمالياً معاً؟! لتصبح المعادلة.. الجنوب للجنوب.. والشمال للجميع؟؟!!
ـ انها مجرد تساؤلات بريئة جداً ومن كاتب وحدوي حتى النخاع!! فرضتها بعض بنود الوثيقة العُمَرية إن جاز التعبير.
وقد يتساءل القارئ ما الحل لدى كاتب هذه الدردشة؟! والحل الذي يراه بدلاً من التيه.. قيام استفتاء حر ونزيه وباشراف اقليمي ودولي لابناء المحافظات الجنوبية ليقرروا البقاء بدولة يمنية اتحادية تقوم على اقاليم متداخلة بين المناطق الجنوبية والشمالية أو الانفصال!!! أما غير ذلك من المهدئات والمسكنات الوقتية والتي تخلق الغُبن والقهر المستتر والمعلن هنا وهناك، فإن المشاكل والمصاعب بل والمصائب ستظل قائمة حتى يرث الله اليمن بما ومن عليه وهو خير الوارثين.
aljubaihi@gmail.com