لفت نظري عدد من التعليقات التي " يهذّرف " بها البعض عقب كل حادث من حوادث الاختلال الامني الحاصل في البلد , ومفاد هذه التعليقات هو لماذا يتم شن الهجوم على الدولة وحكومتها فور وقوع اي عملية اغتيال او اختطاف او تفجير مع انها ليست هي الغريم ؟! .
ليست واحدة ولا عشر ولا عشرين ولا مائة , بل هي مئات الحوادث من اغتيال و اختطاف و تفجير و ضحاياها هم مئات المواطنين من اليمنيين , واصبحت هذه العمليات تمثل " ظاهرة " في البلد وليست احداث نادرة الوقوع , واليمن بلد فيه دولة وفيها حكومة , وايا كان مستوى تمكّنهما ومستوى ادائهما الا انه لا يمكن القول بعدم وجود دولة وحكومة في البلد , وبالتالي هذا هو ما يتصرف المواطنون في ضوئه .
حماية الاشخاص لأنفسهم هو حق لكل شخص منهم وتبعا لهذا الحق يكون لكل شخص الحق في حيازة واصطحاب ما يحمي به نفسه بما في ذلك السلاح , وهذه هي صورة قضية حماية الاشخاص من حيث المبدأ , ولم يصبح للدولة الحق في منع حمل السلاح على مواطنيها الا تبعا لتحميّل الدولة مسئولية حمايتهم .
الرجوع على الدولة وتحميلها المسئولية عند وقوع هذه الحوادث ليس امرا مترتبا على انها حوادث لا يعرف من فاعلها وبالتالي لا غريم محدد فيها كما يتصوره البعض , فحتى لو افترضنا ان الغريم معروف تماما فهل يعطي ذلك للمجني عليهم الحق في التصرف تجاه غريمهم بأنفسهم ؟ اما ان اخذ حقهم يجب ان يتم عن طريق الدولة طالما ان هناك شيء اسمه دولة .
عندما يتصرف و يتحرك الناس في الشوارع والاماكن العامة وحتى داخل الاماكن والممتلكات الخاصة وهم مُتخلّون عن حقهم في اتخاذ التدابير التي يحمون بها انفسهم بما فيها حمل السلاح فما ذلك الا لان مسئولية حمايتهم تقع على الدولة ولم تعد واقعة عليهم , وهذه المسئولية هي التي ترتب الحق للدولة في منع حمل السلاح والتحرك به في الشوارع والاماكن العامة ومنع غير ذلك من التدابير الخاصة للحماية .
من يرتكبون الجرائم في المجتمعات هم عدد قليل جدا مقارنة بعدد افراد اي مجتمع , ومنع حمل السلاح ومنع بعض التدابير الخاصة للحماية يتم بحق المجتمع بكله , مع ان الاغلب من افراده المجتمع لن يرتكبون الجرائم حتى ولو حملوا السلاح او قاموا بهذه التدابير الخاصة . ولهذا فان الامر يجعل من اعطاء الدولة الحق في منع حمل السلاح هو بقصد الاعتراف بسيادة الدولة اكثر مما هو بقصد منع وقوع الجرائم .
منع وقوع الجرائم هي مسألة لا تتوقف على منع حمل السلاح او منع " الموتورات " او منع " العاكسات " او منع المرور في طرقات ونحو ذلك بقدر ماهي متوقفة على تصرف الدولة بما يحفظ لها سيادتها , وما يحفظ لها سيادتها هو تصرفها وفق النظام والقانون , وفرضه على الجميع , وعدم ميلها باتجاه على حساب اتجاه اخر , وعدم السماح باستخدامها في غير ما يحقق المصلحة العامة , وعدم تورطها في اعمال فساد , وغير ذلك من المظاهر التي لا تستقيم مع ما هو مفترض بدولة .
ما يحدث من عمليات آثمة في البلد لا يجب النظر اليه على انه واحد راكب " موتور " رمى فلان او علان وهرب ولم يتم القبض عليه ولا حتى التعرف عليه , وانما يجب النظر اليه من منطلق اختلال في سيادة الدولة , فعندما تسمح الدولة بان تكون منفذه لرغبات نافذين, ويستشري فيها الفساد , وتنكمش امام الأقوياء وتبسط امام الضعفاء , و تحلّ في وظائفها غالبية من اتجاه واحد وغير ذلك من الاختلالات في تصرفاتها , فهذا الحال هو ما يسمح للجرائم ان تقع بهذا الكم وهذا الغموض لان تكون قد ضربت جوهريا في سيادتها .
سؤال واحد الاجابة عليه ستحسم لدى الكثير موضوع " لماذا تتحمل الدولة والحكومة على وجه الخصوص مسئولية ما يقع من الجرائم في البلد " . امام مئات العمليات الاثمة التي تمت والتي اصبحت تمثل ظاهرة هل اهتمت او انجزت الحكومة تحقيقا واحدا ( واحدا فقط ) من بين مئات العمليات التي تمت ؟! , وامام هذا السؤال أليس المسئول الذي يجب ان يتوجه اليه الناس هي الحكومة و من قبل حتى التوجه للبحث عن الغرماء .
الامر لا يقف عند عدم الوقوف على فاعل واحد من عمليات متكررة وتمثل ظاهرة وانما وصل لعدم انجاز حتى تحقيق واحد في واحدة من تلك العمليات , لماذا لم يهتم المسئولين المعنيين بالتحقيق ولو في واحده ؟ ومن ؟ وما الذي يمنع التحقيقات او يوقفها ؟ ولماذا لم تقم الاجهزة المعنية بالتحري والمتابعة ولو لمرة واحدة ؟ .
الاجابة على هذه الاسئلة هي التي ستمنع وقوع مثل هذه الجرائم وليس منع " الموتورات " ولا حتى حملات منع حمل السلاح ولا غيره , لان الاجابة على هذه الاسئلة لن تقدم الا اذا كانت الدولة تمارس سيادتها ويتحمل مسئوليها مسئولياتهم ويقومون بوظائفهم بل ويحترمون حتى انفسهم .
وللمعنيين اقول مواجهة ما يحدث من عمليات القتل والخطف والتفخيخ لن يجدي فيه منع , ومنع , و منع , وانما يكفي الدولة ممثلة بحكومتها واجهزتها ان تنجز التحقيق في 3 او 4 من هذه العمليات الاثمة وتجلب فاعليها للعدالة او ان تعلن نتائج تحقيقاها للناس , وحينها فقط ستمنع تكرار مثل هذه العمليات , مالم فعليها ان تعلن عجزها وفشلها وتعيد الحق لأصحابه وتعلمهم بان عليهم ان يتولوا مسئولية حماية انفسهم وتخلي بذلك مسئوليتها , ولا حق لاحد حينها ان يهاجمها او يحملها المسئولية , اما غير ذلك فستضل الدولة ممثلة بحكومتها هي المسئول عن هذه العمليات الاثمة اولا وهي " غريم الطارف " .
Alsharafi.ca@gmail.com