تبدو اليمن بكل مقوماتها تتجه نحو الفراغ والانفلات بكل جوانبه أمنيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وقبليا وعرفيا وسياديا وقانونيا ودستوريا وقضايا, لم يعد هنا ثمة مرجعية فاعلة يمكن الرهان عليها في إعادة المسيرة الوطنية إلى طريقها الصحيح, بعد أن ذهب الخلاف السياسي بعيدا في تداعياته وتبعاته ومخرجاته المثيرة للسكينة والاستقرار المجتمعي.
يوم أمس اختطف نجل شقيق محافظ تعز في الوقت الذي تعرض فيه الأستاذ عبد الجبار هائل سعيد مدير عام مجموعة هائل ورئيس مجلس إدارة بنك التضامن الإسلامي لعملية تقطع في محافظة إب وتم نهب كل ما كان بحوزته , وأيا كان ما بحوزته لا يهم المهم أن التقطع بحد ذاته ولشخص بحجم ومكانة الأستاذ عبد الجبار هائل يمثل جريمة بحق الوطن والاستثمار والاقتصاد الوطني قبل أن يكون جريمة بحق مواطن يمني لم يكن له يوما خصوما مع طرف.
الأمر لم يقف هنا فخلال الأربعة والعشرين الساعة الماضية تعرضت ابنة الزميل عبد الكريم الخيواني لمحاولة اعتداء إجرامي بل تعرضت لجريمة مركبة وهي جريمة غير مقبولة وقبل أن تنكشف دوافعها تعرض زميلنا محمد العماد لمحاولة اغتيال بعبوة ناسفة أو بسيارة مفخخة في قلب العاصمة.. هذه الجرائم لم تعد السكوت عنها ممكنا ولا مقبولا كونها جرائم تدخل في نطاق "المحرمات" وتتجاوز كل الخطوط الحمراء.
فيما يتصل بالخطف والتقطع اللذين تعرض لهما رموز من مجموعة المرحوم الحاج هائل سعيد أنعم طيب الله ثراه والذي يكفي أن خيره طال كل اليمن, فأن هذه الجريمة المركبة تدفعنا لدق ناقوس الخطر على السكينة والاستقرار في المجتمعي, كما تدفعنا لدق ناقوس الخطر على قيم وأعراف القبيلة اليمنية وتقاليدها أن صحت الرؤية وتأكدت بأن الخاطفين ينتمون لمحافظة مآرب وأن الخاطفين للأستاذ / محمد منير هائل وهو نجل شقيق محافظ تعز الأستاذ شوقي أحمد هائل فأن هذه الجريمة بكل ما قد يقال عن دوافعها وأسبابها فهي جريمة تضرب بعنف كل تقاليد وقيم القبيلة اليمنية وأصالتها وشيمها, فالخطف يعكس غياب مؤسسات الدولة بل يعكس غياب الدولة بهيبتها ومؤسساتها ودورها ورسالتها وهذا ما نعيشه منذ قرابة عامين ونيف تحديدا, لكن كان الكثير يراهن على أن الحوار الوطني وقيم وأخلاقيات المجتمع اليمني مقومات من شأنها أن تعزز مشاعر الأخوة والسكينة فيما بين أبناء الوطن الواحد, غير أن الخلافات كما يبدوا استأسدت مسارها ومخرجاتها فتحولت البلاد إلى أشبه بغابة وحالة الانفلات تتمدد رأسيا وأفقيا وبكل الاتجاهات وعلى مختلف المناحي الحياتية وهو ما يجب التوقف أمامه, وهذا لم يكون إلا بمراجعة كل مواقفنا وتفعيل سلطات الدولة أو أحيائها وأن كانت في عداد الأموات يجب أن تقوم بدورها وهذا الدور لن يكون إلا أن تحمل الجميع مسئوليته الوطنية وآمن الجميع بوجوب إحقاق دولة النظام والقانون, فغياب الدولة دفع إلى بروز مثل هذه الجرائم والظواهر السلبية ويشكل اختطاف نجل شقيق محافظ تعز الظاهرة الأخطر في المعادلة فدافع الخطف يبدو مرتبط بدور ونشاط الأخ محافظ تعز وربما قد يكون الخلاف الذي تفجر بين بعض أبناء مآرب وأبناء تعز وهو خلاف ليس بعيدا عن تغذية وتوظيف بعض مراكز القوى القبلية والعسكرية الذين ينتقمون من أبناء المحافظتين على حد سوى.
لقد حدث قبل أسابيع أن تم اغتيال الدكتور فيصل المخلافي وهو شقيق حمود سعيد المخلافي على خلفية ثار قبلي مع بعض من أبناء مأرب وعلى أثرها أقدم بعض المنتمين لقبيلة القتيل بحرق عددا من منازل أبناء مأرب في المحافظة وهو عمل تم أدانته في حينه من قبل الجميع لكن أن يتخذ هذا الخلاف طرق غير قانونية وغير شرعية ودستورية بل وغير قبلية ليكون الخطف وسيلة لتحقيق مطالب غير شرعية فهذا هو الجرم بذاته والذي نتمنى على أبناء مأرب وكل عقلاء مأرب التوقف أمامه ومراجعة مواقفهم احتراما لتاريخهم ولمكانتهم الاجتماعية ولما لهم من مشاعر الود في قلوب كل أبناء اليمن وخاصة أبناء محافظة تعز.
أن الدولة ومؤسساتها هما خيار تعايشنا في اليمن وبدون الدولة ومؤسساتها فان حياتنا سوف تتحول إلى غابة يأكل فيها القوي الضعيف ويبطش فيها الغني بالفقير, وبالتالي فأن تحكيم العقل والشعور بالمسئولية الوطنية عوامل يجب أن يتحلى بها الجميع في هذه البلاد بعيدا عن صراع مراكز القوى التي كانت ولا تزل هي سبب كل هذه الظواهر السلبية وهذا الانفلات وهي من تقف وراء تجاوز كل هذه الخطوط الحمراء في العلاقة المجتمعية اليمنية..!!
أن استهداف مجموعة الحاج المرحوم هائل سعيد أنعم طيب الله ثراه وبهذه الطريقة فعل لا يخدم أحدا في هذا الوطن, لا أقول هذا الكلام كوني انتمي لمحافظة تعز فأنا يمني وولائي لكل اليمن والأمة من محيطها لخليجها ولا زلت وسوف استمر أحلم بمجد أمة, لكني أقول ما أقول حرصا على الجميع وعلى السكينة والاستقرار, وخوفا من تتحول محافظة تعز وبدافع رد الفعل إلى "غابة" وقد تذهب بعيدا في سلوكها القبلي ونوازعها الثأرية فهذا المرض الذي تخلصت منه محافظة تعز قبل قرابة "ثلاثمائة سنة" ونحمد الله عليه ونشكره لا نريده أن يعود تحت أي ظرف وأي مسمى وأي ذريعة, فلا تيقظوا في تعز هذا الجانب الذي نحسبه ماض لن يعود.
أن محافظ تعز رجل دولة وكل قراراته ومواقفه ترتبط بسياسة الدولة ولا علاقة لمجموعة هائل به وهذا ما يجب أن يدركه الجميع أن كان الجميع هولا يؤمنون فعلا بدولة مدنية حديثة وعادلة ما برحوا يتحدثوا عنها فالدولة المدنية تبدأ باحترام مؤسساتها وقانونها ودستورها ورموزها وليس بالفوضى والخطف وأبناء مأرب الذين نتعاطف مع حراكهم ومع قضاياهم العادلة عليهم أن يدركوا أن هذه الوسائل التي يتبعوها سوف تفقدهم تعاطف الناس معهم وتفقدهم احترام الناس لهم.. أرجو أن تكون الرسالة وصلت.
ختاما أعبر عن كل تضامني مع مجموعة المرحوم الحاج هائل سعيد أنعم طيب الله ثراه فيما حاق بهم من بعض الغوغاء, كما اعبر عن تضامني مع الزميل عبد الكريم الخيواني والزميل محمد العماد على ما لحقهم من أذى في ظل غياب مؤسسات الدولة وأطالب من الجميع في الدولة والحكومة أن يتحملوا مسئولياتهم في إخراج اليمن من هذا النفق قبل أن ينقلب السحر على الساحر.!!
ameritaha@gmail.com