|
الرئيس الشهيد ألحمدي .. كان بعثيا لكن من الطراز الجديد.... والدليل !!
بقلم/ طارق عبدالله ثابت الحروي
نشر منذ: 11 سنة و 3 أسابيع الخميس 31 أكتوبر-تشرين الأول 2013 08:49 م
- من كان وراء عودة ظهور خلايا حركة الضباط الأحرار إلى واجهة المشهد السياسي بهذه القوة والعنفوان في مطلع عقد السبعينيات ؟ وأين كان موقع حزب البعث اليمني الموالي للعراق منها ؟ وهل كان هنالك أية احتمالية لعودتها إلى مقدمة الإحداث بهذا الشكل بدون أية سند ودعم إقليمي قوي بشقه المادي والمعنوي، كالذي مثله العراق قائد التيار التحديثي التحرري وصاحب أكبر التجارب الإقليمية حديثة العهد في استقلالية القرار والثروة والبناء...، في مواجهة التيار التقليدي المحافظ والمتطرف وحلفائه وشركائه المحليين والإقليمين والدوليين الذي كان يعيش ذروة عنفوانه بعد إخراج مصر نهائيا من قيادة التيار التحديثي التحرري، وصولا إلى كلا من سوريا وليبيا ليس هذا فحسب لا بل ونقلهم إلى أحضان التيار التقليدي دفعة واحدة ؟
- وما طبيعة الدور الذي لعبه العراق في ظهورها واستمرارها إلى أن توجت بولادة الحركة التصحيحية الأولى عام 1974م، ثم دوره المحوري في بقائها كحركة حاملة لمشروع التغيير الوطني أو كمشروع مدني سواء ببقاء مولود الدولة المدنية الحديثة حيا يرزق في رحمها أو بولادته ونموه غير الطبيعيين على يد خليفته الرئيس علي الصالح ؛ جراء استمرار تنامي حالات المخاض العسيرة شكلا ومضمونا التي أحاطت به وحالت دون وجود أية احتمالية لإمكانية تمتعه بأجواء ونمو طبيعيين إلى حد اليوم ؟
- ثم ومن هو الرئيس إبراهيم ألحمدي ؟ وعلى أية أساس تم اختياره ليكون أحد أهم قادة الحركة التصحيحية ومن ثم قائدها ورئيسا للبلاد بالرغم من أنه لم يكن له أية انتماءات سياسية أو ولاءات حزبية ولماذا ؟ ثم ما طبيعة علاقة ألحمدي بالعراق وحزب البعث اليمني كفكر ومشروع وأفراد- بوجه خاص- قبل وبعد توليه إدارة شئون البلاد؟ وهل هنالك أية علاقة له من أية نوع مباشرة وغير مباشرة تربطه بنائب الرئيس صدام حسين ؟ وكيف يمكن لنا أن نثبت ذلك بالاستناد إلى بعض أهم الدلائل التاريخية ؟
- وإذا لم يكن الرئيس ألحمدي ناصري الانتماء والولاء كما أثبتنا ذلك بالدلائل التاريخية في مقالتنا المنشورة مسبقا (الرئيس الشهيد ألحمدي... لم يكن ناصري الانتماء والولاء كما تدعون !!)، فهل يمكن القول أنه كان بعثي الانتماء والولاء - وفقا- لذلك ولكن من الطراز الجديد أم لا ؟ بمعنى أخر أنه كان بالفعل منتميا في المضمون والشكل للفكر والمشروع النهضوي المدني القومي الذي يقوده النظام الوطني البعثي العراقي مؤسس أول نموذج للدولة المدنية الحديثة لا بل وصاحب أكبر المشاريع القومية في المنطقة العربية وما يجاورها وفقا لبعض أهم الدلائل التاريخية التي سوف نسوقها بدون أن ينتسب للحزب أو أن يكون له أو للعراق النية بذلك ؟ وكيف يسعنا إثبات ذلك- أيضا ؟ ثم يجدر علينا طرح ذلك التساؤل الأكثر أهمية بهذا الشأن هل كان إعلان انتماؤه للبعث كحزب وليس كمشروع نهضة يخدم الغاية الأساسية لهذه العملية برمتها ويخدم اليمن والعراق معا أم لا ؟
- بالاستناد إلى أن الظروف الداخلية والخارجية المحيطة به تحول دون وجود أية إمكانية لظهور تجربة في اليمن مماثلة لتجربة البعث في العراق بعد كل ما عانته القوى الإقليمية والدولية من وجوده على سدة الحكم في العراق ؟ أو بمعنى أخر هل ان إعلان وصول البعث بصورة رسمية إلى سدة السلطة في اليمن كان يخدم الاستراتيجية القومية التي يقودها العراق في تلك المرحلة، بمراعاة عامل الوقت والسرعة والكلفة، بحكم الظروف الاستثنائية التي مهدت لظهور الأنظمة الوطنية في المنطقة العربية وما يجاورها أم لا ؟
- هذه هي طبيعة التساؤلات التي يجب أن تظل محورا من الآن فصاعدا لاجتهاد الباحثين والمهتمين، وهي ما سنحاول التطرق إليها في موضوع هذه المقالة ليس للإجابة عليها وإنما لفتح الباب فقط أمام الجادين من أقراني لولوج مثل هكذا منعطفات جديدة في إعادة قراءة تاريخنا المعاصر بنوع من التأمل والهدوء الذي تشوبه الموضوعية، لأنه الطريق الوحيد الذي قد يوصلنا في المحصلة النهائية إلى وضع اليد على طرف الخيط الذي باعتقادي سوف يوصلنا إلى معرفة حقيقة إرهاصات أول وأهم محطة في تاريخ اليمن المعاصر في واحدة من أهم الحقب التاريخية في مسيرة الخمسين عاما الماضية.
- ومما تجدر الإشارة بهذا الشأن أن العراق كان بالفعل هو القوة الإقليمية الصاعدة والوحيدة المؤهلة إلى حد كبير لقيادة التيار التقدمي والتحرري في المنطقة بحكم ما أصبح عليه من تنامي سريع وواضح في مصادر القوة والثروة ومن ثم من استعداد منقطع النظير لتحمل كافة تبعات المسئولية الوطنية بأبعادها القومية والإنسانية ضمن نطاق ما تفرضه المواجهات المحتملة والمتوقعة مع القوى المحلية والإقليمية والدولية في ساحتي البناء والتنمية أو الحرب ليس لاستكمال ما بدأته مصر الزعيم جمال عبد الناصر فحسب لا بل وأحداث قفزات نوعية غير مطروقة في مساراته الطبيعية وفي احتواء وتقويض كل المشاريع المحلية بأبعادها الإقليمية والدولية المناهضة للمشروع القومي بأبعاده المدنية والتنموية في المنطقة العربية، وفي المقابل كانت أيضا مصر السادات في العام 1974م كما حصل ذلك مع كلا من سوريا وليبيا قد خرجت بالفعل شكلا ومضمونا من دائرة التيار التحرري التقدمي إلى دائرة التيار التقليدي المحافظ والمتطرف الذي تتزعمه السعودية وإيران باسم المحور الأمريكي- الغربي وحلفائه ضمن ما أطلق عليه بسياسة العمودين.
- والشاهد في هذا الأمر يتمحور حول أن الفرز في الساحتين المحلية والإقليمية كان قد حدث بالفعل بين العناصر والقوى المنتمية للتيار التقدمي والتقليدي، فمصر وسوريا وليبيا على سبيل المثال بعد وفاة الزعيم جمال عبد الناصر قد انتقلت بالفعل شكلا ومضمونا إلى صفوف التيار التقليدي المناهض للتيار القومي التحرري الذي يقف على رأسه ويملئه العراق قولا وفعلا، وبالمحصلة كانت القوى السياسية المرتبطة بهم في الساحات المحلية قد أخذت نفس الموقف والتوجه بحيث أنشق التيار القومي إلى تيارين بعثي وناصري ثم شق التيار البعثي وهو الأهم إلى عراقي وسوري، سيما أن هذا الأمر كان واضحا جدا بجلاء في الساحة اليمنية بعد العام 1967م في إسقاط نظام الرئيس عبدالله السلال الموالي للعراق وإحلال نظام الرئيس عبد الرحمن الإرياني الموالي لسوريا بالتنسيق والتعاون ومن ثم الشراكة مع التيار الناصري والاشتراكي والديني الموالي للتيار التقليدي تحت رعاية وإشراف وتوجيه القوى التقليدية الإقليمية بامتداداتها الدولية.
- إذا فقد برز ضمن هذا السياق سؤالا جوهريا له ما يدعمه من الدلالات بهذا الشأن كيف ظهر التيار الناصري عام 1968م وشق حزب البعث اليمني إلى حزبين سوري وعراقي في هذا التوقيت تحديدا ولماذا ؟ ومن كان يقف وراء تأسيسه وفقا للنتائج التي أصبح عليها واقع حال الحركة القومية وحركة التغيير الوطني ؟ استطيع أن أجيب على ذلك بتواضع وكل صراحة وشفافية، السعودية وحلفائها الإقليمين كمصر وليبيا وسوريا...، بحكم أنها كانت الوكيل الحصري بكل ما يتعلق بالشأن اليمني نيابة عن المحور الأمريكي- الغربي وحلفائه.
- أما إذا كان السؤال يدور حول لماذا ظهر هذا التيار ؟ فأني أرد بالقول ان التيار الناصري الموالي لمصر وليبيا والبعثي الموالي لسوريا الذي برز في هذا العام كان ولا يزال حتى يومنا هذا جزء لا يتجزأ من التيار التقليدي، في ضوء هيمنة السعودية على مجريات الشأن اليمني كله باسم المحور الأمريكي- الغربي بعد إخراج مصر منها وتحيدها عن دورها القومي لصالح السعودية وبالتالي هيمنة العناصر والقوى المنتمية للتيار التقليدي على مقاليد السلطة في اليمن من خلال الناصرين والبعثيين (فرع سوريا) مسايرة للأجواء القومية التي كانت تعيشها اليمن نظاما وشعبا وهذا ما حققت فيه قفزات نوعية بحيث عادت القوى التقليدية التي حكمت البلاد ردحا من الزمن إلى سدة الحكم مرة أخرى بثوب جديد هو الناصرية الموالية لمصر وليبيا والبعثية الموالية لسوريا.
- ومن الناحية التكتيكية كان هذا الإجراء مهما جدا وضروريا لقطع الطريق بصورة شبه نهائية أو نهائية أمام إمكانية عودة البعثيين فرع العراق إلى الحكم والذي كانت التوقعات تشير إلى ذلك؛ من خلال تبني أية محاولة للوثوب إلى السلطة وإعادة تصحيح مسار الثورة المسلوبة، سيما في ضوء حرصها على إظهار أهداف التيار الناصري كأهداف التيار البعثي، كما خطط لذلك مهندسو إنشاء التيار الناصري من عناصر القوى التقليدية ليس هذا فحسب.
- لا بل وإظهار متعمد للتحالف المصيري بين التيار الناصري مع التيار البعثي الموالي لسوريا لإسقاط أية حجة عن وجود أية تقاطع في الأهداف والمصالح بين جناحي التيار القومي، والشاهد في هذا الأمر هو تقليص الخيارات المتاحة أمام التيار البعثي الموالي للعراق إلى أدني حد ممكن للحيلولة دون قيامه بأية عملية انقلابية متوقعة يصعب منعها وإيقافها جراء توفر الظروف الذاتية والموضوعية لها، كي يبقى الأمر الأكثر جدلا لديهم هو كيف يمكن لهم تبرير أية محاولة لإسقاط الحكم البعثي/ الناصري القائم أمام جماهير الأمة، إذا هي مسألة أخلاقية لها شأنها يصعب عليهم تجاوزها أو تجاهلها لآية سبب من الأسباب.
- ومن هنا باعتقادي كانت البداية الفعلية لظهور نجم الرئيس إبراهيم ألحمدي في المشهد السياسي، فالعناصر البعثية الموالية للعراق أعادت ترتيب كافة أوراقها في الساحة اليمنية بعد نجاح البعثيين في العراق من استعادة ثورتهم بانقلاب ابيض في العام 1968م وبروز بريق الأمل واضحا جدا لها حول إمكانية عودة البعث إلى السلطة في اليمن بعد ظهور العراق كقوة إقليمية أهلت نفسها بمراعاة عامل الوقت والسرعة والكلفة لملء الفراغ الذي أحدثته إخراج مصر من الساحة القومية.
- ولكن الأمر الأهم بهذا الشأن كان يدور حول طبيعة الظروف الداخلية والخارجية التي كانت تقف بالضد من إمكانية ظهور البعثين بشكل مباشر في الواجهة السياسية كقوة سياسية فاعلة لها شانها تتولى إدارة البلاد كما حدث في العراق عام 1968م تماما بالرغم من توفر معظم العوامل اللازمة لعودتهم بقوة سواء أكان ذلك محليا على المستوى الحزبي والنظام والبلاد أو إقليميا على مستوى العراق، في ضوء توفر النموذج المثالي قيد التأسيس من جهة والداعم الحاضن لها من جهة أخرى، على خلفية المكانة المرموقة التي تحتلها اليمن في استراتيجية المواجهة التي يعمل عليها حزب البعث العراقي مع أعدائه وخصومه الإقليميين والدوليين في عموم المنطقة والعالم.
- وبالاستناد إلى كل ذلك كان من الصعب على حزب البعث اليمني أن يبقى مكتوف الأيدي وتفويت هذه الفرصة التاريخية والاستثنائية على نفسه فما كان إلا ان أخذ خيارا وسطيا وهو محاولة استعادة الثورة المسلوبة من بين فكي التيار التقليدي وشركائه (1967-1974م)؛ من خلال واحدة من أكبر وأهم وأدق العمليات السياسية والعسكرية والاستخباراتية في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر، التي بدأت باستعادة حركة الضباط الأحرار ثقتها بنفسها ومن ثم توازنها ونشاطها داخل الجيش وانتهت بقيام الحركة التصحيحية عام 1974م التي استقطبت فيها جزء كبير ومهم من القيادات والعناصر الوطنية الساعية لتصحيح مسار الثورة من خلال تصحيح مسار الجيش فيها، ومن هنا يتضح لنا الدور الذي لعبه العراق والبعثيين في هذا المجهود العظيم.
- وعليه ضمن هذا السياق فإن الرئيس ألحمدي كان واحدا من قيادات الضباط الأحرار الذي تم اختيارهم بدقة متناهية للقيام وإتمام هذه المهمة الجليلة التي تم الإعداد والتخطيط ومن ثم التنفيذ لها، أي بمعنى أخر كان اختيار ألحمدي كواحد من الضباط الأحرار هو خيار استراتيجي مبني على دراسة دقيقة أعدت على أعلى المستويات، فهو ضابط رفيع المستوى، غير معروف سياسيا ولا جماهيريا...، له سجل عسكري نظيف، منفتح العقل والفكر والروح، يتميز بجديته وموضوعيته في أداء مهامه، يحمل بين جنابته هموم مشروع بناء أمة، ينتمي إلى أسرة عريقة لها مكانتها، وهو من قبائل همدان المنضوية ضمن قبائل بكيل المنافس الكفء لقبائل حاشد في إدارة البلاد، وأخيرا ليس له أية انتماء سياسي- حزبي وفي هذه الميزة تحديا يكمن بيت القصيد.
- وباعتقادي المتواضع أن حزب البعث اليمني كان قد وضع رهانه كله عليه من خلال وضع كل ثقله في هذه العملية مع تمكين ألحمدي لقيادة حركة التغيير الوطني ورئيسا للبلاد بعد نجاح الانقلاب الأبيض، وبهذه الميزة استطاع أن يصل إلى غايته بأبسط الوسائل متجاوزين ذلك الطوق الذي صمم بصورة تحول دون إمكانية وثوبه للسلطة (الجانب الأخلاقي المشار إليه آنفا).
- ومن الدلائل التاريخية على هذا الأمر هو أن العملية الانقلابية التي من خلالها نجح البعث من إزاحة الرئيس عبد الرحمن الإرياني الموالي لسوريا وشركائه من عناصر التيار التقليدي كانت بحسب اعتقادي تشبه إلى حد كبير نفس العملية التي استلم فيها البعث السلطة في العراق عام 1968م تخطيطا وإعدادا وتنفيذا لا بل تم باعتقادي تجاوز أوجه القصور والأخطاء فيها لتظهر شبه نموذجية في اليمن وهي من العمليات النادرة في تاريخ المنطقة العربية.
- إن مشاركة نظام ألحمدي بلواء عسكري (مشاه جبلي) بصورة غير رسمية على ما أظن في الفترة 1974-1975م في إرهاصات الحرب الأهلية العراقية الدائرة رحاها بين السلطة المركزية في بغداد (البعث) وحركات التمرد المسلحة الكردية في شمال العراق (1969- 1975م) ذات الطابع الجبلي التي أهلكت قوام الجيش العراقي تماما يمكن عده دليلا أخر على جانب كبير من الأهمية بهذا الشأن على هذا الانتماء والولاء سيما أن الدلائل التاريخية تشير إلى أن الرئيس صدام حسين الذي كان نائبا آنذاك هو من أطلق على هذا اللواء مسمى العمالقة أثناء حضوره حفلة توديعهم في ضوء الدور المحوري الذي لعبه أبطاله في حسم الحرب في جبال العراق عام 1975م.
- أما الدلالة الثالثة بهذا الشأن فلها علاقة بالرئيسين إبراهيم ألحمدي وصدام حسين رحمة الله عليهما فإذا كانت لم تبرز بنفس الصورة المشار إليها كما ونوعا، فإن لهذا الأمر علاقة وثيقة الصلة بطبيعة التحديات المحيطة بالنظامين وبالرئيس ألحمدي بوجه خاص- إلا أن هذا الأمر برزت معالمه الرئيسة وأدق تفاصيله بصورة غير مباشرة منذ الوهلة الأولى لتولي الرئيس علي الصالح قيادة البلاد وخلافة الرئيس ألحمدي على مشروع حركة التغيير الوطني.
- من خلال إرهاصات تطور العلاقات اليمنية- العراقية التي دخلت نطاق حدود التحالف الاستراتيجي- المصيري غير المعلن التي برزت أهم معالمها الرئيسة، ابتداء بالدور الذي لعبه العراق في الحيلولة دون سقوط حركة التغيير الوطني لقمة سايغة بين فكي التيار التقليدي وشركائه منذ العام 1977م ليس هذا فحسب لا بل ونجاحه الكاسح في فرض أجندة المشروع المدني لحركة التغيير الوطني على رغم أنوف خصومه وأعدائه المحللين والإقليمين والدوليين الذين كانوا يمتلكون بين أياديهم معظم مقاليد السلطة.
- بحيث ظلوا غير قادرين طوال عدة عقود من الخروج منها بشكل نهائي بإسقاط هذه الأجندة نهائيا وفرض أجندتها، في ضوء الدعم المادي والمعنوي الكبير الذي جاد به عليها بصورة مباشرة وغير مباشرة سياسيا واقتصاديا وعسكريا...، ومرورا بطبيعة ومستوى ومن ثم حجم الدور المحوري الذي لعبه العراق في الجانبين المعنوي والمادي في دعم واستنهاض المشروع القومي المدني في اليمن، سيما في ضوء الدور الذي لعبه في المساهمة المحورية في تأسيس قوات العمالقة كعمود ارتكاز أساسي لإمكانية مضي حركة التغيير الوطني في طريقها من عدمه ونواة لبناء الجيش الوطني المنشود على أسس وطنية ومهنية.
- وصولا إلى ما أولاه من اهتمام خاص لضمان إحلال العناصر البعثية المؤهلة في الجهاز الإداري للدولة بشقه المدني والعسكري بدلا عن الناصريين الذين تم الاستغناء عنهم من قبل التيار التقليدي عقب عملية الاغتيال الفاشلة للرئيس علي الصالح عام 1978م، على خلفية الدور الذي لعبه بهذا الشأن بالتعاون والتنسيق ومن ثم الشراكة مع الرئيس ألحمدي في وضع لبنات أساسية للعلاقات اليمنية- العراقية في طريق التحالف المصيري ذي الطابع الاستراتيجي وتوج على يد خليفته الرئيس علي الصالح عام 1979م.
- وانتهاء بما قدمه من دعم كبير لتأهيل وإعداد ما يقارب الـ 17 لواء عسكري في إرهاصات الحرب الدائرة على الجبهة العراقية- الإيرانية (1980-1988م) التي أصبحت نواة المؤسسة الدفاعية الجديدة (الحرس الجمهوري)، مقابل الدور الذي لعبته القوى التقليدية في إعداد وتأهيل نواة جيش الإمارة الإسلامية المنشودة في الجبهة الأفغانية- السوفيتية (1979-1989م) كجزء من إرهاصات الحرب الباردة القائمة بين التيارين التحديثي التحرري والتقليدي المحافظ والمتطرف.
- وفي الختام يسعنا أن ندرك تمام الإدراك بأن الرئيس الشهيد إبراهيم ألحمدي وفريق إدارته كان منتميا قلبا وقالبا للفكر والمشروع القومي الذي يقوده النظام الوطني البعثي في العراق باتجاه بناء وإرساء مداميك الدولة المدنية الحديثة المنشودة بكل ما تحمله هذه الجملة من معاني ودلالات وأبعاد لها شأنها، وهذا أمر باعتقادي ليس مرده الرئيسي كما يردد الكثيرين طموح العراق غير المسئول وغير المشروع للهيمنة على مقدرات المنطقة واليمن، تقف ورائه اعتبارات شخصية أو قطرية...، أو مجرد رغبة محدودة الأفق للرئيس ألحمدي يغلب عليها الطابع الشخصي تقف ورائها الرؤية والمصلحة القطرية ضيقة الأفق كما أصبح دارج آنذاك في السياسية الدولية، في محاولة للاستفادة من إمكانيات العراق الهائلة وتوجهاته القومية فقط لا غير بهذا الشأن.
- وإنما مرده قناعات وإدراك واسع النطاق يغلب عليه الطابع المصيري بأبعاده الاستراتيجية لقيادة البلدين تتمحور حول أن مصير المشروع القومي النهضوي بأبعاده التنموية المنشودة الذي قدر للعراق حمله بعد ان اكتملت أهم ملامحه النظرية الرئيسة، والذي يجب أن يشمل إمكانيات دول المنطقة العربية بشقها المادي والمعنوي، يجب أن توضع أول بذوره وأعمدته الأساسية في اليمن كنقطة ارتكاز محورية بهذا الشأن، باعتبارها أهم حقيقة من حقائق التاريخ العربي القديم والمتوسط الكفيلة بإحياء الشجرة العربية كلها من الجذر بمراعاة عامل الوقت والسرعة والكلفة.
- وفقا لمقاربة تاريخية حضارية ذات طابع استراتيجي مصيري حرص المحور الأوربي- الأمريكي وحلفائه إلى حد كبير على الحيلولة دون أية إمكانية الاقتراب منها بأي شكل من الأشكال ولاية سبب من الأسباب خلال القرون الماضية، وتجاوزتها لا بل وتجاهلتها جميع الأنظمة العربية منذ أن نجح العالم الغربي- الأوربي من إخراج العرب بصورة كلية من أتون المعادلة الحاكمة للسياسة الإقليمية والدولية برمتها.
- ترتكز إلى حد كبير على أن أية محاولة سوف تكتب لها النجاح منقطع النظير لإحياء الشجرة العربية كلها بسيقانها وفروعها والتي تمثلها الدول العربية بالاستناد إلى القوانين الطبيعية كسنة من سنن الكون؛ يجب و ليس ينبغي ان تبدأ بإحياء الجذر الذي تمثله اليمن وبث الحياة في التربة المحيطة به التي يمثله إقليم شبه الجزيرة العربية وهذا ما سوف نقوم بمناقشته في مقالنا القادم بمشيئة الله (النموذج اليمني السياسي والتنموي القادم: مقاربة الجذر و... مدخلا لإحياء سيقان وفروع الشجرة العربية!!).
والله من وراء القصد وبه نستعين |
|
|
|
|
|
|