في روايته "مدن الملح" كان الروائي الكبير عبد الرحمن منيف يشير الى المباني الخرسانية التي تحولت إليها الثروة النفطية. فالخرسانة مادة مصنعة لا يزيد عمرها الافتراضي عن خمسين عاما ثم تعود إلى أصلها في التراب.
كانت المباني التي شيدها البريطانيون في أنحاء مستعمرة عدن، مبنية بالحجارة لخصائصها البيئية الممتازة وطول عمرها. وكانت ارتفاعات الغرف من الداخل لا تقل عن أربعة أمتار كما كانت النوافذ واسعة وعالية، والأمران يسمحان لكتلة هوائية مناسبة بالدوران في الغرف وتقليل آثار الحرارة المرتفعة.
وفي جبلة أوصل مهندسو الملكة السيدة بنت احمد الصليحي المياه إلى جامعها الشهير ومنازل جبلة في قنوات من الحجر المقضض عبر جبال التعكر وبطول عشرات الكيلومترات. ولازال هذا النظام يعمل منذ مئات السنين بيمنا انتهى مشروع حديث إلى الفشل خلال عامين. وهكذا اهترأت شبكه توزيع مياة كنيدي التذكاري في تعز وغدت تسرب اكثر من 50% من كمية المياه، ولما يمض على المشروع 50 عاماً. نفس المصير كان من نصيب شبكه مياه جده، التي لا يزيد عمرها عن 35 عاماً كما جاء في صحيفة الحياة الأسبوع الماضي.
البناؤون العظام الذين شيدوا مدن صنعاء وشبام وصعدة القديمة، وكثير من المباني في أنحاء اليمن، كانوا أعضاء طوائف مهنية تحكم عملها أنظمة ومعايير صارمة، هي عبارة عن الخبرات المتراكمة عبر القرون، والتي تظهر في أدق تفاصيل العمارة. كما أنهم تدرجوا عبر مراتب صارمة للمهنة يترقون فيها من خلال طوائفهم.
واليوم لا توجد معايير للبناء في اليمن تحكم عمل المهندسين الخريجين والفنيين على اختلاف تخصصاتهم. وعندما تتوفر هذه المعايير في المستقبل ستكون منقولة بالكامل تقريباً عن المعايير الغربية كما هو الحال في أنحاء العالم العربي.
ولذلك فإن المهندسين من خرجي الجامعات، يصممون ويبنون عمارات ومساكن دون أي مراعاة للأحوال البيئية والخصوصيات المحلية، ثقافية وغيرها. مبان تتحول إلى ثلاجات في الشتاء وافران في الصيف، فتكلف فاتورة الكهرباء المستخدمة في التبريد والتكييف مبالغ طائلة كان بالامكان توفيرها لو أن الخبرة المحلية المتراكمة اخذ بها عند تصميم المباني.
مدخل:
للشاعر وعامل البناء امين درهم الصالحي قطعة تعبر عن معاناة ونفاذ صبر عامل المعمار اليمني (البناء)، الذي إن لم يكن مشغولا بالزراعة في حقله أو حقل الشيخ، يقضي أيامه في أعمال البناء التي لا تنقطع في قصور المتنفذين في الأغلب، والتي تنبت كالفطر في أنحاء اليمن منذ ظهور الثروة النفطية والغازية.
العمل الذي يمارسه البناء له تسمية محلية غالبة هي (الشقاء)، فالعامل اليمني لا يقول انه يبنى بل يقول انه يشقى. يقول الصالحي أو الشاقي الفصيح:
ألصالحي من جبال القهر يبلغكم خبر عاجل
السين والسوف مرفوضة وما وصل با نقول واصل
اباطح الصخر عالي الصدر أقود ثورة على الباطل
وكفي دوخ الشرني ماناش راكن على هايل
يدي والفاس والمنقاف يا مقتول يا قاتل.
والشرني هو الأزميل رفيق عامل البناء المختص بالتعامل مع الحجارة، المادة المفضلة في المعمار اليمني. والتعبير بالشرني يناظر هنا التعبير بأوتار العود والأوتار الصوتبه ، حتى انه تستعار مصطلحات إحداها لاستخدامها في الأخرى.
(1)
في كتابه الرائع "طب النفوس – فن الغناء الصنعاني" يقول جان لامبير:
" الخرشة التزيين أو الزخرفة، مقطع طويل من موسيقى صوت الإنسان او موسيقى الآلة، يشرح القاعدة أو اللازمة على نحو أكثر تفصيلا مع المحافظة على المادة اللحنية نفسها. ولكل موسيقي خرشة خاصة به تميز أسلوبه الشخصي على نحو أصيل إلى هذا الحد أو ذاك"
تم يضيف شارحا : " تطلق كلمة خرشة في اللهجة الصنعانية على التزيين في فن الزخرفة في المباني".*
ومن جهة أخرى يقول المهندس المعماري سبأ طاهر انعم**، عن (دور العناصر الأساسية والمركبة في إعادة إنتاج أشكال الزخرفة في واجهات المباني في صنعاء):
"إن العنصر الأساسي في الزخرفة هي الفتحات ، والتي يتخذ كل منها غالبا شكل نافذة تعلوها قمرية (القمرية قطعة نصف دائرية معشقة بالزجاج الملون أو برخام الالباستر الشفاف) يجري إنتاج عناصر مركبة مكونة من مجموعة ثنائية أو أكثر منها، وهذا العنصر الأساسي يحدد إيقاعات الواجهة. وهناك تنويعات أخرى على العناصر الأساسية تنتج عن مضاعفة طولها في الغرفة أو المقصورة العليا، أو عن مضاعفة عرض الاثنين (أي النافذة والقمرية)." ويضيف قائلا:
" ويجري خلق تلك التنويعات باستخدام تلك العناصر عن طريق الإيقاعات المختلفة والتكرار المنتظم لها، فالأشكال المختلفة العديدة في الواجهة الواحدة يتم خلقها من عنصر أساسي واحد أو اثنين، وهذا الاقتصاد في العناصر والمتغيرات هو سمة للأنماط العروضية للشعر. ففي كل قصيدة هناك تفعيلة أو اثنتان في كل حالة مرتبطتان بشكل أو آخر" .
التعبير بالشرني (العمارة) أو بالشعر أو بالموسيقى هي الاختيارات المفضلة لليمني للتعبير عن ذاته ومكنوناته، ويتداخل التعبير بهذه الأشكال الثلاثة كما يظهر في النص المعجز للشاعر عبد الودود سيف ذو الأثر البالغ الضخامة على المسيرة الحداثية للشعر في اليمن، (الميلاد : تخطيط على جسد المهد)
"مالي أتيه كأنني حجر/ ألا ليت الفتى ماء فيخلع من يديه جراره/ ويسير يهرق بالشمال وباليمين/ ليت القوافل في خطاي محاجر/ والأرض أزميل وذاك الحزن في عيني رخام/ فأسير انحت في السنابل قامتي/ وأعود بي نحوي/ واسقط في الحطام"
وفي نص آخر بعنون (البسملة) يقول:
"رأيت أن انقر الحجر ، واصعد في دويه استطلع ما في خبائة من نفوش الأسماء/ أيها الداخل في فضاء أغنيتي أعني على نفسي كي أعيد ما في ذمتي من دين للمرايا" (من ديوان زفاف الحجارة للحجر).
(2)
لقد كانت صنعاء بقصورها الحمر، ونظائرها من ناطحات السحاب الطينية في شبام بحضرموت، وفي صعدة، ثم قصور يافع الحجرية المنتشرة على كل نشز وقمة، من أفضل مظاهر التعبير هنا بالعمارة.
وقد انتشرت اليوم المباني الكبيرة التي لا يسكنها أحد في القرى الصغيرة خلف كل منعطف في طول اليمن وعرضها.
مبان لا تخضع لأي منطق اقتصادي أو جاحي غير تأكيد الذات من قبل مغترب كان قد خرج منذ عقود من كوخ حجري مجاور لقصره المستجد المنيف. أما الأسوأ فهو أن يكون كثير من أصحاب القصور المستجدة موظفين حكوميين لا تبرر دخولهم الشرعية ذلك الإنفاق الكبير، ولكن يبدو أن الرغبة في التعبير حاجة غلابة.
وطبقا للأستاذ جان لامبير: "يتضمن لون الغناء الصنعاني حوالي مائتي لحن تسمى (معاني)، ولا يوجد تفسير واضح لهذا المرور من المعنى اللغوي إلى اللحن، ويمكن الظن أن من المحتمل أن ذلك حدث بفعل اكتساب مضامين شعورية عن طريق بعض الأنغام أو بعض الأساليب."
والتشابه بين المبنى المتعدد الطوابق بزخارف واجهاته وبين الأغنية يظهر في أن المعنى أو اللحن "يتضمن التمازج الحيوي بين ثلاثة من عناصر البناء حد تعبير لامبيرت وهذه العناصر هي: القاعدة التي تعني وحدة البناء أو القياس أو أساسها الذي يشكل حدود أو نطاق اللحن، ثم اللازمة وهي جملة لحنية يتم تردادها بحيث تعكس هذه الجملة القصيرة المكونة من دور أو دورين الصيغة الإيقاعية للمقطوعة، ثم الخرشة (التزيين و الزخرفة.(
(3)
صاحب المقام الرفيع، وصاحب السمو، ذو المقام العالي، تعابير تستخدم في كل اللغات للدلالة على المكانة البارزة في التراتبية الاجتماعية وتستخدم لفظة الهرم للدلالة على المكانة البارزة للقلة المتننفذة في المجتمع تماما كالنسبة بين قمة الهرم وقاعدته
وإلى ذلك فإن كلمات العلو والسمو تحمل دلالات رمزية تدل على صعوبة المنال، والبعد عن تأثير الأدنى، أو استهدافاته. كما ترمز إلى حالة أخلاقية ومعنوية عالية، تستمد معانيها من التصور العام لوجود الإله في السماء.
ومن الواضح أن المتنفذين في أي مجتمع يحتلون مكانة بارزة تستقطب الاعتراضات والنقد والأحقاد، بسبب من الطبيبعة الاقتصادية الملازمة للنفوذ، والتي تتجلى في اقتطاع جزء مهم من مداخيل القاعدة لصالح الفئة المتنفذة، وهو ما يجعلها عرضة للاستهداف من الناحية النظرية، كما يجعلها مسكونة بالخوف من الاستهداف.
المدن اليمنية مسكونة بالخوف بسبب دورها كمراكز سياسية للحكم والإدارة. وقد كانت هذه المدن فيما مضى أسواقا تضمن سلامة قاطنيها القبائل المجاورة لها، أو سوقا لقبيلة تضمن القبيلة سلامة وامن المترددين عليه. ولم تكن صنعاء استثناء في هذا الباب فهي مضمونة من القبائل المحيطة بها باعتبارها سوقا للجميع تضمن كل قبيلة الجانب المتاخم لها من المدينة. ولكن دورها كحاضرة سياسية ومركز للحكم اوقعها في حبائل الصراعات السياسية التي طالما خاضتها الدويلات المتزامنة في اليمن وكثيرا ما أبيح سكانها للنهب من قبل الحاكم المنتصر كغنيمة لرجال القبائل الذين ساعدوه على تحقيق النصر.
وكان آخر تلك الأحداث بالنسبة لصنعاء عند انتصار الإمام احمد ثوار العام 1948 الذين اغتالوا أباه الإمام يحيى فتعرضت المدينة للنهب مدة شهركامل وشهدت فظائع من القتل إلى الاغتصاب.
مدينة عدن ومدن جنوبية عديدة تعرضت حديثا إلى النهب الذي لم يطل السكان، ولكنه طال جميع المرافق العامة والمؤسسات الحكومية، من قبل القوات والقبائل الشمالية المنتصرة في حرب العام 1994م عقب الوحدة بين الشمال والجنوب بأربعة اعوام. ويشكل هدم الدور ونهببها عقوبة سائدة تطبق على كل متمرد على الدولة إلى يوم الناس هذا. وانعكس هذا الخوف على العمارة من حيث التصميم والمواد حتى أدق التفاصيل.
لقد أزحت الجزء الوصفي الذي قد يكون مملا حول تخارجات العمارة اليمنية مع السيكولوجيا واللغة إلى الجزء الأخير من المقال، يحيث يسهل على القارئ الملم بموضوعه تجاوزه.
(4)
لقد كانت الحواضر/ الأسواق في صيغتها التقليدية مقرا لسكن الشرائح الهامشية في النظام التراتبي القبلي، وهم أصحاب المهن والحرف، والخدم، بل وحتى التجار في عرف بعض القبائل البدوية، إضافة إلى اليهود. وهذه كلها فئات وشرائح محمية بعرف قبلي صارم كثيرا ما يؤدي انتهاكه إلى حروب دامية.
وكان أفراد القبائل يأنفون من السكن في هذه الأسواق/ الحواضر ويعدونه منقصة، ويتحدثون عن أهلها باحتقار. ولكن التحول الذي طرأ على هذه الحواضر/ الأسواق في العصر الإسلامي جلب إليها العلماء الذي ينتسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وطلبة لهم من أبناء القبائل الذين شكلوا شريحة القضاة والفقهاء إلى جانب معلميهم السادة، وأصبحت لهم مكانة عالية اجتماعيا على اعتبار أن العلماء ورثة الأنبياء.
وبذلك تشكلت في الحواضر ارستقراطية تتعالى على القبائل من حيث النسب أو العلم، وتنتساكن مع الفئات والشرائح المهمشة التي تعمل كخدم لها.
ومع ازدياد النفوذ السياسي لهذه الانتلجنسبا الثقافية وتحولها إلى نخب سياسية حاكمة، أصبحت المدن اليمنية المستجدة مراكز تستقطب حسد القبائل المحيطة وسخطها، وهو حسد وسخط ينفجر خلال الصراعات السياسية التي تخوضها النخب الأرستقراطية ضد بعضها، سواء في المدينة نفسها أو تلك التي تنتمي إلى مدن مختلفة.
(5)
أدى بروز الأرستقراطية في المدن إلى اهتمام كبير بالآداب والفنون وفي طليعتها فنون المعمار التي أوجدت روائع المعمار اليمني المتميز والمعمار الصنعاني بشكل خاص. ومن الواضح أن هذا الفن قد تأثر بالفن الإسلامي بشكل إطاري كما أنه عكس الثقافات المحلية والعربية والإسلامية.
في دراسته الجميلة الموسومة) ( (The lyrical facades of Sana'a) الواجهات الغنائية لصنعاء) والتي نال بها شهادة الماجستير في الهندسة المعمارية في العام 1992م من معهد ماسيتشوتس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة، والتي انقل عن نصها الانجليزي لأنها لم تترجم بعد، يقول المهندس المعماري سبأ طاهر انعم غالب:
"التقاليد المعمارية متجذرة عميقا في الخيال الجمعي باعتبارها الوسيلة التي تمكن الناس من إظهار ذاتهم الخفية وفردانيتهم في آن معا. والأبراج المتطاولة (في صنعاء) والتي تتنافس في العلو تتماهي مع النموذج الأسطوري المثالي لقصر ملوك سبأ (قصر غمدان). وتنتمي هذه الأبراج السكنية في صنعاء إلى نفس التقليد الذي يمثله القصر الأسطوري.
مبان متعددة الطوابق لكل منها غرفة استقبال (مفرج) في أعلاها . وتتكون زينتها الخارجية من الملاط الأبيض المصحوب بنوافذ رخامية جعلت أمين الريحاني يقول: أنها تقليد للرخام الذي استخدم في تزيين الواجهات الخارجية لقصر غمدان."
ويستمر قائلا : "والاوصاف والقصص المرتبطة ببناء قصر غمدان وخرابه جزء من الثقافة الشعبية (الفولكلورية) وليست مقتصرة على النخبة المثقفة".
وحول الشعر والعمارة يقول المهندس سبأ :
"انه عندما قام الفقيه اللغوي الخليل بن احمد الذي عاش في القرن العاشر الميلادي بتطوير نظريته العروضية اشتق تعابيره بشكل كبير من بنيه الخيمة . فقد كانت الوحدة الأساسية في القصيدة (البيت)، كما سميت الوحدتان العروضتيان الرئيسيتان بالوتد والسبب، والأخير يعني الحبل الذي تشد به الخيمة. وبعبارة أخرى فقد كان هناك تصور يرى أن بنية القصيدة وقضاءها يحتويان خصائص مناظرة للعمارة.
ولذلك فإن معمارها جاء مشابها للنوع الذي يحتوي خصائصها في البيئة التي أنتجتها وقد بدت هذه الاستعارة متسقة مع تصور الخليل للشعر وقد عبر عن الصورة المكانية للشعر في أرجوزة تنسب إليه يقول فيها مصورا :
الشعر صعب وطويل سلمه إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
زلت به إلى الحضيض قدمه يريد أن يعربه فيعجمه "
ثم يضيف المهندس سبا قائلا:
"ولابد أن التشديد على الخصائص المعمارية للشعر كان ناتجا عن ملاحظة الخليل للسياق الذي ينتج فيه الشعر. وقد تضمنت الرؤية الفنية لكل من ماريا وباسكال مارشو للسياق اليمني، من خلال مقارنتهما الفنية للناس والمباني والأشياء، وحدة مصدر الإبداع الفني في المجتمع، وثبات القيم الجمالية، بحيث يصبح التعبير الجمالي تمظهرا لنظام القيم.
ومن خلال تصور مماثل لواحدية الثقافة جرى النظر إلى الشاعر على أنه باني المعاني، وان بناءه يجب أن يشاطر بعض مكونات الأنواع المعمارية المعروفة لديه.
الواقع الذي يتم فيه تشاطر هذه المكونات مع كثير من الحرف، أتاح لأوجه التشابه الامتداد إلى حرف أخرى كحرفة النسج. فخلال تطور القصيدة من أنواعها الأولى تم تقديمها كما لو كانت قطعة من النسيج المزخرف، فالفاظ التسميط والتوشيح والتطريز المستخدمة في الشعر العربي مأخوذة من الأقمشة المنسوجة بشكل مباشر، ولم يكن عبثا أن أهم كتاب عن الموشحات كان يحمل عنون (الطراز)، وهو الاسم المعتاد لمعمل إنتاج الأقمشة".
ويضيف في سياق مقارباته البديعة للموضوع : "أن المقارنات التشبيهية بين العمارة والنسيج كان تستمد من الأسس القوية التي يوفرها التشابه للناظر(....) وأن الممارسة الجارية حتى اليوم في كسوة الكعبة ربما كانت الأثر الحي الباقي من تقليد قديم. ففي السياق الإسلامي أيضا يجري تغطية قبور الأولياء بأنسجة موشاة".
وحول منارات صنعاء يرى المهندس سبأ" :أن بعض الباحثين يجادل بأن منارات المساجد في صنعاء هي الحامل الأول للمؤثرات على الشكل التقليدي الحالي لتزيين المباني في صنعاء. ويدعم هذه النظرية أن الأنماط العمودية على واجهات بعض أقدم المنازل في صنعاء مشابهة لتلك التي في المنارات، الأمر الذي يشير إلى أن هذه الأنماط العمودية ربما كانت مشتقة من تلك المستخدمة في المنارات".
(6)
وعن العلاقة بين العمارة والشعر الموسيقى يقول:
"إن التعبير الفني الممتاز للمجتمع في صنعاء يتمظهر بشكل رئيسي ومستمر في فني العمارة والموسيقى. والطابع الخاص والمتميز للعمارة في صنعاء لا يوجد في أي مكان آخر في البلاد كلها. وعلى الرغم من أن العمارة في المرتفعات اليمنية تشاطر المعمار الصنعاني في النواحي العملية وتصميم المساحات، فان هندسة الواجهات وأنماطها صنعانية حصرية.
والموسيقى هي الخصيصة الثانية لصنعاء . والألحان الصنعانية التي يقدرها اليمنيون كثيرا، يجري الاستمتاع بها في البلاد كلها، وقد ازدهرت هذه الموسيقى بشكل خاص في المناسبات واللقاءات الاجتماعية كالمقيل الذي يشهده عادة أشخاص من شتى الطبقات الاجتماعية. وتسمية الأغنية الصنعانية لا يعني فقط أن مصدرها هو صنعاء على الرغم من أنها قد تكون أنتجت وعدلت وطورت في مدن أخرى، ولكنها تشير إلى العلاقة التي تربط اليمنيين بصنعاء كما تشير إلى دورها القيادي إزاء الجميع.
وفي إحدى القصائد يقول الشاعر والملحن والمغني الأمير القومندان في نص ينبئ عن غيرته من مكانة صنعاء:
غن يا هادي نشيد أهل الوطن غن صوت الدان
ما علينا من غنا صنعا اليمن غصن من عقيان
والقوامندان المتوفي سنه 1943 هو لقب الأمير الشاعر والموسيقار أحد بن فضل العبدلي اللحجي شقيق سلطان لحج السابق. وإشارة القومندان في أبياته إلى (غصن من عقيان) كانت تضمينا لمطلع الأغنية الصنعانية الشهيرة للشاعر الغنائي الشهير أحمد بن عبدالرحمن الآنسي المتوفي عام 1825م
غصن من عقيان أثمر بالأقمار قد الحبيب
وكأن القومندان رأى في التغني بالأغاني الصنعانية تبعية ثقافية تقلل من شأن الهوية المحلية، وهذا يعني أن العبارة المضمنة لم تستخدم لتصنيف النوع فحسب، بل جعلها علما على الهوية الصنعانية."