الضبط والربط العسكري هو القوة والقدرة التي تتركز في نفوس العسكريين أفرادا كانوا أو جماعات لتنفيذ جميع الأوامر والتعليمات الصادرة إليهم من قياداتهم العليا بكل أمانة وإخلاص ودقة دونما حاجة الى رقابة والمحافظة على النظام العسكري ، وعدم الخروج عليه او مخالفة قوانينه وأنظمته ، والأوامر والتعليمات الأخرى المتعلقة به و الحفاظ على هيبة المؤسسة الأمنية ، والسمو بالعاملين فيها الى أعلى مراتب الصفات النبيلة .
في استمرار وتصعيد غريب وعجيب لمسلسل تمرد اللواء الثالث مشاة جبلي في محافظة مارب ,والذي أتخذ في أبعاده الاخيرة صور ونماذج عدة أقل ما يقال في شأنها أنها مسيئة لنا جميعا , كما أن هذا التمرد ابتداء هو مخزي ومعيب للمؤسسة الوطنية الأولى في الوطن , والأكثر حسرة وألما أنه تم ختام هذا التمرد بسلوك مشين يندى لهُ الجبين هو وصمة عار لمعظم ضباط اللواء وأفراده , ويسيء كثيرا للتقاليد والأعراف العسكرية وشرف الانتماء للمهنة والسلك العسكري عموما.
وفي سرد مختصر لما حدث من تصعيد خطير لهذا التمرد المعيب ,والذي جاء بتحريض من قبل المخططين لهُ , ونفذه المغرر بهم من منتسبي هذا اللواء التعيس ,وبعد أن أقرت اللجنة المكلفة من وزارة الدفاع النظر في أمر اللواء بمنحهم إجازة ستة أشهر ,حيث غادر الغالبية العظمى من أفراده (حوالي 90% من قوامه) يومي الاثنين والثلاثاء الموافق 20و21مايو2013م من محافظة مارب (في ذكرى العيد 23 للوحدة اليمنية وبعد يوم واحد من اداء القائد السابق للحرس الجمهوري للقسم الدستوري بمناسبة تعيينه سفيرا لليمن في أبو ظبي) بعد أن عبثوا بكل ممتلكات اللواء من أثاث ومعدات عسكرية وأغرقوا أسواق محافظة مأرب بها ,كما أوضحت الأخبار الموثوقة أن أفراد اللواء وضباطه أغرقوا الأسواق بالسلاح والمهمات العسكرية والغذائية ,وتتوفر لدينا كشوفات بالمواد والاليات كافة التي تم بيعها وبأسعار بخسة , إلا أننا نمتنع عن نشرها حرصا منا على عدم التحريض والأضرار بأفراد اللواء المغرّر بهم بقدر ما يهمنا كشف ومعاقبة تلك الاطراف والجهات التي خططت وحرضت للقيام بهذه الأعمال المسيئة للوطن , والأهم من ذلك هو التعريف بالنتائج الخطيرة التي تترتب على تسريب الاسلحة المتوسطة والثقيلة والتي أصبحت الأن عرضة للوقوع بأيادي المخربين ممن اعتادوا الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة في مارب وعموم محافظات الوطن وأهمها خطوط النقل للكهرباء والنفط والغاز ! .
وهنا تتضح الصورة الجلية لأبعاد وخطورة هذا النهج الحاقد والمدمر وتنكشف أهدافه المزدوجة والماكرة القريبة منها والبعيدة لمخطط الغدر والخيانة والمعد لهُ بليل من أطراف وقوى معروفة سلفا لإلحاق أكبر الأضرار بأمن واستقرار الوطن وازدهاره .
نعم هي سابقة خطيرة في تمرد الوحدات العسكرية من حيث حجمه وتأثيره السلبي المحتمل على مبدأ الضبط والربط العسكري واضعاف العقيدة والروح القتالية لرفاق السلاح , ومن حيث تمادي هذا التمرد واستهتاره بالمبادىء والأسس العسكرية وأعرافها والقيم الوطنية كافة , وتمريغه للشرف العسكري في الوحل , مما ينبىء بانعكاسات سلبية سيكون لها ابعادها الخطيرة إذا لم يتم تدارك هذا الموقف الجلل من قبل القيادة العسكرية العليا (وأعني هنا تحديدا القائد الأعلى للقوات المسلحة والأمن ) باتخاذ إجراءات عسكرية رادعة وصارمة تعيد الهيبة المطلوبة والمكانة المناسبة للسلك العسكري والمنتسبين لهُ عامة, بعد أن أصابتهما العديد من الأضرار ,وكذا تفعل من أهمية مبدأ الضبط والربط وسريانه في العمل والبناء العسكري والذي يعادل مبدأ الثواب والعقاب في الخدمة المدنية , وهذ لم يحدث حتى تاريخه .
ويمكنني التأكيد (هنا) عن دراية ويقين ان بعض الأفراد والوحدات في القوات المسلحة والأمن بانتظار ما يسفر عنه تمرد زملائهم في هذا اللواء من نتائج محتملة تلجا لها القيادة العسكرية والمتمثلة في اتخاذ الاجراءات الرادعة لمعاقبة القائمين على هذا التمرد من عدمه , وفي حالة التهاون في هذا الأمر , فأن ذلك يعني المؤشر الكافي لتشجيع تمرد الوحدات العسكرية الأخرى , بل يعد بمثابة الضوء الأخضر لاستمرار مسلسل التخريب وتصاعد مخطط الفوضى في رفض الأوامر والتنقلات والتحركات العسكرية والذي يؤدي بالنتيجة إلى مزيد من الانفلات الأمني واشاعة مظاهر التمرد القبلي وتزايد أفعال التخريب الموجه , مما يؤدي ايضا إلى التسيب في المؤسسات الرسمية والغوغائية في الشارع الشعبي والتردي والفوضى في مؤسسات المجتمع المدني اليمني عامة .
ولكل ما سبق ذكره فأنني أعتبر ان ما حصل من تمرد عسكري مشين على تلك الصورة الهمجية المعيبة يُنبىء بالأسوأ لنا جميعا , بل أنه يضر الشعب بمجمله والوطن بأكمله لا كما يعتقد البعض المناوىء أنه ينعكس فقط على استقرار سلطة الرئيس هادي وحكومته الرشيدة ,لذا فالأمر يتطلب منا جميعا وقفة شجاعة قبل أن يدهمنا الشر المستطير الذي يجب أن نحذر منه ونحتاط لهُ ونعمل سويا نحن جميعا (مدنيين وعسكريين)على اقتلاعه من جذوره الكامنة في مصدر التخطيط وجهة التحريض .
أن مخاطر التمرد العسكري والمدني على القرارات الجمهورية والشرعية القائمة اليوم لن تتوقف عند عرقلة استكمال نقل السلطة وتعكير الحياة السياسية بل ستؤول بالأوضاع السياسية والاجتماعية إلى نتائج لا تحمد عقباها تؤثر على السلم الاجتماعي واستقرار الاوضاع بشكل عام وهو الأمر الذي كان يحاول رأس النظام السابق استخدامه كورقة للبقاء في السلطة حيث كان يسعى جاهدا إلى تخويف المجتمع المحلي والإقليمي والدولي من الحروب الأهلية والفوضى والعنف الذي سيحدث في حال مغادرته للسلطة ، ولا تزال تلك القوى الرافضة للتغيير تحاول انتهاج السيناريو القديم ذاته من خلال مخطط التمرد المتصاعد وتغذية أعمال الفوضى ابتداء بنهب وتدمير المؤسسات الرسمية وانتهاء اثارة الغوغائية في الشارع الشعبي .
وفيما يلي نوجز رصد لأهم حالات التمرد المدنية والعسكرية على الشرعية الدستورية والشعبية القائمة اليوم في البلد بنتائج الانتخابات الرئاسية التي تمت في 21فبراير 2012م وذلك على النحو الاتي : -
تمرد أفراد من اللواء الثاني مشاه حرس جمهوري المرابط في ابين حيث غادروا قاعدة اللواء متوجهين إلى صنعاء . تمرد أفراد من اللواء الرابع حرس جمهوري ومغادرتهم موقعهم في مركز قيادة الحرس الجمهوري(سواد حزيز) باتجاه وزارة الدفاع في تظاهرة وهم يحملون أسلحتهم الشخصية مطلقين الأعيرة النارية في الهواء تعبيراً عن رفضهم دمج وحداتهم العسكرية بمعسكرات أخرى ,ومحاولتهم احتلال مقر وزارة الدفاع في العرضي .
تمرد اللواء الثالث مشاه جبلي المسيطر على مقر الرئاسة حيث عين الرئيس قائدا جديدا له (العميد عبدالرحمن الحليلي) لكنه لم يتمكن من إدارة اللواء لأن قادة الكتائب من منطقة الرئيس السابق وأقاربه رفضوا أي توجيهات يصدرها القائد الجديد.
ويرى بعض المحللين السياسيين والمراقبين الدوليين أن أحمد على قائد الحرس الجمهوري السابق ونجل الرئيس السابق يقف وراء التمردات، سواء هذه الأخيرة أو تلك التي حدثت في الفترات الماضية عندما صدرت قرارات جمهورية بعزل كل من محمد صالح الأحمر من القوات الجوية وطارق صالح من قيادة الحرس الخاص ومهدي مقولة من قيادة المنطقة الجنوبية وحافظ معياد من رئاسة المؤسسة الاقتصادية اليمنية وعمار صالح الذي كان وكيلا لجهاز الأمن القومي والكابتن عبد الخالق القاضي من رئاسة إدارة الخطوط الجوية اليمنية وعلي حسن الشاطر من رئاسة دائرة التوجيه المعنوي وغيرها من أعمال التمرد في المؤسسات المدنية والعسكرية واعتبر سياسيون أن حالة التمرد العسكري الحقيقي على قرارات رئيس الجمهورية عبدربه منصور هي من قبل قيادة الحرس الجمهوري، كون أحمد على صالح نجل الرئيس السابق هو من يوفر الغطاء والحماية لكل المتمردين على سلطة وقرارات الرئيس من مدنيين وعسكريين.
ويرى قانونيون أن قرارات رئيس الجمهورية قرارات ملزمة واجبة التنفيذ وفقا للدستور والقوانين المعمول بها، وباعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة يتوجب على الجهات المعنية تنفيذ هذه القرارات باعتبارها أوامر وقرارات عسكرية يتوجب على الجميع تنفيذها وأي مخالفة لها مخالفة للدستور والقانون العسكري والقوانين الأخرى وأي خروج عن ذلك وعدم تنفيذ الأوامر العسكرية يقتضي تقديم الأشخاص الرافضين إلى القضاء العسكري لمحاكمتهم .
من الدستور: -
مادة (40) يحظر تسخير القوات المسلحـة والأمن والشرطة وأية قوات أخرى لصالح حزب أو فرد أو جماعة ويجب صيانتها عن كل صور التفرقة الحزبيـة والعنصرية والطائفية والمناطقية والقبلية وذلك ضمانًا لحيـادها وقيـامها بمهامها الوطنيـة على الوجـه الأمثل ويحظر الانتماء والنشاط الحزبي فيهـا وفقـاً للقانون.
من قانون الجرائم والعقوبات العسكرية : -
مادة (29): يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات أو بجزاء يتناسب مع نتائج الجريمة كل شخص خاضع لأحكام هذا القانون أرتكب إحدى الجرائم الآتية: -
أ- اختلس أو سرق أو باع أو أشترى أو رهن أو أرتهن أو أخفى أو حاز بسوء نية أو تصرف بطريقة غير مشروعة بالمواد أو النقود أو البضائع أو المهمات أو الأسلحة أو الذخائر أو العتاد أو في أشياء أخرى من ممتلكات القوات المسلحة سواء كانت بعهدته الشخصية أو أؤتمن عليها، وإذا ارتكبت إحدى هذه الأفعال أثناء خدمة الميدان تكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات أو بجزاء يتناسب مع نتائج الجريمة.
ب- أخفى أو نقل أو اشترى أو حاز بأي صورة أشياء أخرى أو معدات أو ذخائر أو أسلحه أو أي شيء آخر من ممتلكات القوات المسلحة وهو عالم بأنها مسروقة أو مسلوبة.
ويحكم باسترداد المواد المذكورة في الفقرتين (أ، ب) من هذه المادة إذا كانت موجودة أما إذا كانت مستهلكة كلياً أو جزئياً فيحكم بالتعويض ويؤل التعويض إلى الخزينة العامة للدولة .
مادة (32): يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات أو بجزاء يتناسب مع نتائج الجريمة كل شخص سرق مالا أو متاعاً يخص أحد رفقائه أو رؤسائه أو فعل ذلك بطريقه الاحتيال أو أستلمه وهو عالم بأمره ويطبق حد السرقة إذا توافرت شروطه.
مادة (36): يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات كل شخص امتنع عن تنفيذ الأوامر الحقة الصادرة من قائده أو تعمد تنفيذها على وجه سيئ أو ناقص وإذا وقعت الجريمة أثناء خدمة الميدان فتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات أو بجزاء يتناسب مع نتائج الجريمة في الأمرين.
من قانون الجرائم والعقوبات : -
نصت المادة (132) جرائم وعقوبات: يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنوات: -
1- كل من تولى قيادة عسكرية أيا كانت بغير تكليف من السلطة المختصة أو بغير سبب مشروع وكذلك كل من استمر في قيادة عسكرية بعد صدور الأمر من السلطة المختصة بتنحيته عنها أو استبقى جنده تحت السلاح أو محتشدين بعد صدور أمر السلطة المختصة بتسريحهم أو تفريقهم.
2- كل شخص له حق الأمر في أفراد القوات المسلحة أو الشرطة طلب إليهم أو كلفهم العمل على تعطيل أوامر السلطات القائمة بموجب الدستور اذا كان ذلك لغرض غير مشروع.
3- كل من احتل أو شرع في احتلال قيادة أو نقطة عسكرية أو طائرة أو سفينة حربية أو أي شئ من المباني العامة أو المخصصة لمصالح حكومية أو مرافق أو مؤسسات عامة أو وسائل الاتصال السلكية أو اللاسلكية المخصصة للمنفعة العامة أو محطة الإذاعة الحكومية المسموعة أو المرئية بغير تكليف من السلطة المختصة.
4- من حرض علنا الجند على الخروج عن الطاعة أو التحول عن واجباتهم العسكرية.
5- كل من أثار أو شرع في إثارة عصيان مسلح لدى الناس ضد السلطات القائمة بموجب الدستور.
6- كل من أثار أو شرع في إثارة حرب أهلية فقام بتوزيع السلاح على طائفة من السكان أو دعاها إلى حمله لاستعماله ضد طائفة أخرى.
7- كل من حرض على ارتكاب جرائم القتل أو النهب أو الإحراق . |