بعد زيارة السفيرين الروسي والبريطاني لفريق القضية الجنوبية وتأكيدهما أن الدول العشر الراعية للتسوية يتعاملون مع يمن واحد ويدعمون يمن واحد, وذلك وفقاً لقرارات الشرعية الدولية حسب قولهما, كرر سفير مجلس التعاون الخليجي نفس العبارة واكد ان المبادرة نصت على وحدة اليمن, تساءلت بعدها ما الذي يريده الجنوبيين من مؤتمر الحوار؟
فهناك بون شاسع بين ما يطرحونه وبين الواقع المحلي والاقليمي والدولي, فالجنوب اليوم غير مهيأ لفك الارتباط كما كان غير مهيأ للوحدة في العام 90م, بل أن واقع فك الارتباط اليوم أكثر صعوبة وأكثر خطورة بكثير من واقع دخول الوحدة وقتها.
كما دخل الجنوبيون الوحدة بعاطفية يسعى البعض الى فك الارتباط بعاطفية أيضاً, دون اكتراث بالأوضاع في الجنوب والخلافات التي تعصف به والتيارات التي تتجاذبه والحركات الجهادية والجهوية ومراكز القوى التقليدية الجنوبية القديمة والحديثة التي تتهيأ لاقتسام غنيمة الانهيار.
باعتقادي أن ممثلي الحراك في مؤتمر الحوار يفوتون على الجنوب والجنوبيين فرصة تاريخية مهمة بسبب تركيزهم على الشعارات والمطالب الصعبة التحقيق على المدى المنظور على الأقل, وفي نفس يصمتون عن المطالب المعقولة والتي ستدعمها اغلب القوى في المؤتمر, وستحدد لهم البوصلة من الآن قبل فوات الأوان.
لا اعتقد ان هناك خطة لدى الإخوة في الحراك للعمل في مؤتمر الحوار, ولا يوجد لديهم سقف عالي وسقف ممكن وحد أدنى للمطالب, ويأتي الغالبية للتنفيس عن غضبهم وعن الشعور بالمظلومية مستمتعين بسكوت الاطراف التي ساهمت في ظلمهم, دون ان يعي الحراكيون ان سكوت تلك الأطراف لا يعني اعترافهم بمظلوميتهم, انما هي استراحة محارب تقتضيها المتغيرات المحلية والاقليمية والدولية, وسيعاودون الكرة من جديد.
تنتهي الجلسات اليومية وانا اتحسر في نفسي وأسألها: ما الذي كسبه الاخوة الجنوبيين في هذه الجلسة؟
الاعتذار لم ينالوه, التراجع عن الفتاوى أو حتى ادانتها لم يطالوه, ادانة حرب 94 م - وليس نتائجها فقط - لم يحصلوا عليه, حتى عندما طالبت بالرد على الخطاب التحريضي الديني ضد الجنوبيين ومطالبهم بفك الارتباط أو بحق تقرير المصير, عبر اصدار بيان عن فريق القضية الجنوبية نعتبر فيه ان القضية الجنوبية قضية سياسية ولا يجوز ان يتم حشر الدين فيها والتعامل معها بالفتاوى والخطاب الديني, أيدني بعض الجنوبيين بخجل ولم يصروا على مقترحي الذي عارضه الاصلاحي محمد قحطان بقوة ولكن بطريقة دبلوماسية أظهرته كالحمل الوديع المستعد لعمل كل شيء من اجل الجنوب والجنوبيين, وعندما خففت لهجة المقترح الى المطالبة بإصدار بيان نعتبر فيه أن من حق كل طرف أن يتبنى المطالب التي يريدها مهما كان سقفها عالياً وانه لا يجوز تكفيره أو اتهامه بالخيانة, لم يحظى المقترح بالتأييد, ولم يصر عليه الجنوبيين, فأحسست وقتها أني أغرد خارج السرب وأني أظهر ملكياً أكثر من الملك, مع أن مطالبي كانت موضوعية وواضحة وتخص القضية الجنوبية بل وفي صميمها.
الخطأ الأكبر الذي ارتكبه الجنوبيون بحق قضيتهم هو اخراجها من سياقها الوطني الى سياق جهوي, ثم تطور الأمر الى أن اتهم الجنوبيون بعضهم البعض ببيع القضية وخيانتها وادعى كل طرف أنه الحامل الشرعي لها, وهكذا تشظى الصف وضعفت القدرة على صناعة حتى خطاب جنوبي واحد أو على الأقل يعبر عن الغالبية بوضوح, وتواصل مسلسل حصر القضية الجنوبية الى أن أصبح البعض يعتقد أنه وحده من يحق له الكلام عنها, وان غيره اذا تحدث عنها فلأن لديه اجندات خاصة, وللأسف فان من يحاول احتكار التحدث باسم القضية يلتقي مع الجلاد في الكثير من الأمور دون أن يشعر, ويغتر ببسماته وضحكاته ومنطقه المعسول.
ومن هنا فاني انصح الاخوة بان يتدرجوا في مطالبهم ليعرفوا النيات المبيته, فعندما يطالبوا باستعادة الاراضي المنهوبة مثلاً, في الوقت الذي لم يطالوا الاعتذار او ادانة الفتوى - التي لن تكلف اصحابها الا قيمة الورقة التي عليها الاعتذار أو الادانة -, عندما يطالبوا باستعادة الحقوق وتطبيق النقاط العشرين في ضل حكومة تمثل تحالف الحرب, فان مطالبهم تصبح كالسراب, وسيتم تمييع القضية الى أن تصبح بعض الأطراف التي خاضت حرب 94م جاهزة لخوض حرب جديدة, بعد أن يكتمل مسلسل التهيئة والتعبئة الدينية, اضافة الى تدفق صفقات الاسلحة, وكذلك استقطاب قيادات جنوبية جديدة بعد انتهاء صلاحية القيادات التي عملت معهم بعد حرب 94م.
albkyty@gmail.com
" نقلاً عن صحيفة الأولى اليومية"