|
العدو واهميته للمجتع الانساني
بقلم/ احمد صالح الفقيه
نشر منذ: 11 سنة و 6 أشهر و 25 يوماً الجمعة 26 إبريل-نيسان 2013 04:51 م
مدخل:
تركز العديد من الدراسات على الحاجة إلى العدو في المجتمعات المأزومة بوصفه يمثل حلا للأزمة أو الأزمات، فوجود عدو يؤدي الى شحذ الهمم والعمل على بناء القوة الذاتية التي لايمكن بناؤها في المجتمع المعاصر الا ببناء دولة قوية ثابتة الاركان يسودها النظام والقانون، كما يؤدي الى تجاوز الإحن الصغيرة بين مكونات المجتمع والتركيز على التحدي الاكبر وهو العدو الذي يهدد الجميع.
ولكن يصعب تصور أن يساهم العدو في حل الأزمة خاصة إذا كان مختلقاً لصرف الانتباه عن الأسباب الحقيقية للأزمات. لا يمنع هذا التحفظ من التعرض لقضية توظيف العدو لمواجهة أزمات المجتمع حيث عادة يتم تأجيل البحث عن حل داخلي للأزمة. وتلجأ بعض القوى السياسية - وغالباً ما تكون السلطة السياسية نفسها - إلى إعطاء المجموعة عدواً خارجياً أو داخليا ، وفي اليمن كان توجيه السلطة العداء باختلاق العدو الاشتراكي اوالعدو الحوثي خادما لمصلحة العدو الحقيقي وهو الجار الشمالي، وجلبا للازمة الى المجتمع اليمني لتفتيته واضعاف مناعته، وهو ما لاتقوم به الا سلطة عميلة.
مقاربات نظرية:
يذكر إدوارد سعيد أن أزمة الهوية وهي إحدى أكثر العلاقات تجسيداً للآخر في العصر الراهن لا تظهر إلا في المجتمعات التي تدخل في ديناميكية الحداثة. وتعنى الأزمة هنا مجرد بدء الجهد المؤلف أو المفرح في تحديد الذات، وهي لم تبدأ إلا بالحداثة أو باكتشاف الغرب. وتلك في رأيي وجهة نظر غير صحيحة، اذ ان الآخر قد وجد بمجرد تكون الخلية الاولى للمجتمع اي الاسرة - هابيل وقابيل - ومعها ازمة الهوية.
وترى الأستاذة في علم الاجتماع السياسي دلال البرزى أن هذه الوظيفة للآخر تظهر لدى طرفى العلاقة رغم عدم التكافؤ، أى لدى الغالب والمغلوب، لكن الفرق يكمن في كون الغالب هو المبادر والقادر على طرحها، جاعلاً من هذه الوظيفة لدى المغلوب "أزمة" تدوم بدوام غلبته.
مصطلح " الآخر" قد يوظف فقط لتعريف الهوية وبنائها، بينما مصطلح "العدو" يستخدم لتوجيه اللوم إلى الأحداث السيئة في الحياة. فالعدو ينشا فقط لدى الاعتقاد بوجود اختلافات جوهرية "بيننا" و"بينهم" مع ربط هذه الاختلافات بتمييز مواز بين الخير (نحن) والشر (هم)، وهو ما يؤدي عادة إلى نزع الطابع الإنساني عن الآخر العدو، وبالتالي سيادة النمط العدائي العنيف في التعامل مع الآخر في هذه الحالة.
يرى فيلهو هارلي أن فكرة العدو تنبع نفسياً من قيام الجماعة بتحديد شرها بنسبته إلى "أنتم" أو "الآخرين" ومن ثم يصبح أنتم "الآخر" هم العدو. ومن الناحية الاجتماعية فإن العدو نتاج مشترك يتشكل اجتماعياً منا جميعاً معاً، فالعدو عادة ليس ظاهرة فردية ينجزها شخص واحد بمفرده. ثقافياً، بل تتشكل الذات والآخر في إطار التقاليد المتداولة عبر المواريث من جيل إلى آخر، وهي بطبيعتها لا تعبر عن حقيقة مطلقة أو موضوعية. ويري جيمس أهو إمكانية تلمس مصدر العدو في الأفكار الدينية ويميز في هذا الإطار بين فئتين
الحلولية - الكوزمولوجية المتمثلة بدرجات متفاوتة في البوذية والهندوسية والكونفوشية ومسيحية العصور الوسطى حيث توجد صورة "العدو الجدير" الذي هو شريك مساو في الحرب.
والأفكار الدينية المتعالية- التاريخية: وهي ترتبط باليهودية والإسلام والبروتستانتية حيث تسود فيها صورة العدو الشرير "الذي ينبغي تدميره كجزء من واجب أسمى". فالعدو الشرير عدو الإله والحرب ضده حرب مقدسة بين الخير المطلق والشر المطلق تستهدف الإبادة الكلية لفاعل الشر- العدو أو اخضاعه. وقد كان مؤسسوا دولة الجار الشمالي أذكياء في هذا المضمار، عندما اختلقوا وصنعوا صورة العدو المشرك من بين المسلمين الضعفاء، الذين يمكن لهم اكتساحهم وقتلهم ونهبهم واستتباعهم. ومن جهة اخرى كان عداؤهم للكافر الحقيقي القوي عداء لفظيا شعاراتيا، واتسمت علاقتهم به بالتبعية المطلقة. ولكن، فانه حتى العداء اللفظي افرز الجماعات الجهادية كالقاعدة في آخر المطاف.
نحن والنظام السعودي:
لقد استخدم الجار الشمالي، منذ التاسيس لدولته التوسعية الحالية، الدين كمصدر لإضفاء الشرعية على السياسة أو السلوك تجاهنا نحن الذين اعتبرهم وكل المسلمين الآخرين من الاعداء المشركين الكفرة، بعد ان خلق لنا تلك الصورة؛ فصورة الآخر تعبر غالباً عن موازين قوى وعلاقات تراتبية وأحياناً نزاعية. ومن ثم غالباً ما تعبر صورة المهيمن والأقوى والأعلى تجاه الآخر، عن الشعور بالتفوق عليه وعلى الازدراء والتحقير بل والكراهية إزاءه. فالآخر يكون متوحشاً ومن البرابرة بدائياً وكافراً ومتخلفاً. وتغذى مكونات هذه الصورة وترعاها القوى الاجتماعية المختلفة والطبقات وجماعات المصالح التي تجد فيها تبريراً لمصالحها المادية، وللسياسة التي تتوخاها مع هذا الآخر واستغلاله أو الهيمنة عليه أو حتى تدميره. فصورة الآخر تفيد في تنظيم الخصومة وإضفاء الشرعية عليها. ويظهر ذلك حتى على مستوى أكثر التركيبات الاجتماعية طبيعته وبساطة أى القبيلة حيث يكون الآخر فيها مكوناً من مكوناتها البنيوية على رغم شدة حركيته. فيقول المثل البدوى: أنا ضد أخى، أنا وأخى ضد ابن عمى، أنا وأخى وابن عمى على الغريب. فهذا الغريب متحرك بدوره تبعاً للهدف الكامن خلف تحديده
أهمية العدو وضرورته:
إن فكرة خلق العدو والصراع معه لها ما يبررها موضوعيا، وهي فكرة كامنة في جذور الفكر الواقعي الغربي عموما وتحتاج اليه المجتمعات الاقوى في العالم كالولايات المتحدة الامريكية، حيث يرى هيغل أهمية الحرب وتأثيرها في الشخصية الفردية وفي المجتمع، فهو يؤمن بأنه بدون احتمال الحرب والتضحيات التي تتطلبها سيصبح الإنسان لين العريكة ومستغرقا في ذاته، وسيتدهور المجتمع فيصبح مستنقعا لإشباع الرغبات الأنانية فتنحل الجماعة وينهار المجتمع نتيجة لذلك.
ويمكن اعتبار صناعة صورة العدو جزءا من علم النفس السياسي نظرا للدور الذي يلعبه صياغة هذه الصورة من قبل أجهزة الاعلام والاستخبارات في تماسك الجماعات ضد التحدي الخارجي ودورها في تفكك الدعم لهذا العدو
لذلك يأتي خلق تحدٍّ وجودي استجابة لمحاولة تجنيب المجتمع حالة الانهيار وتراجع التأثير المتوقع لمكانته في حالة غياب عدو يساعد على تقوية اللحمة بين أفراده، وذلك من خلال إيجاد مخاطر مشتركة تهدده وتجعله بحاجة دائمة لوحدته الوطنية لتفادي الانفراط والتشرذم، فالمجتمع الذي ليس له عدو خارجي ترتسم صورته لدى الشعب كتهديد وجودي، يتحول الى حالة يختلق فيها كل جزء منه عدوا من داخل الوطن نفسه وهذه بالضبط هي الحالة في اليمن.
اليمنيون بحاجة الى معرفة عدوهم الحقيقي، سبب بلائهم وشقائهم ومتاعبهم، وليسوا بحاجة لاختلاقه، فهو موجود ويسومهم سوء العذاب يوميا. وفي هذه الظروف التي لم يعد فيها المجتمع الدولي حليفا مطلقا للجار الشمالي، ومع وجود مصالح كبرى له في اليمن، على اليمنيين ان ينهضوا لبناء دولتهم العادلة القوية استعدادا لاسترداد اراضيهم الوطنية المسلوبه، وسيادتهم المنتهكة، وحقوقهم المهدرة.
الخطوة الاولى نحو تحقيق ذلك هي قيام المثقفين والصحفيين، والاحزاب السياسية التي اصبح الجار الشمالي معاديا لها جميعها، بما في ذلك التجمع اليمني للاصلاح من منطلق عدائه للاخوان المسلمين وتوجسه منهم، قيامهم جميعا بوضع قضية السيادة المنتهكة والاراضي المنهوبه قيد النقاش العام، وجعل مسألة السيادة محورا اساسيا من محاور الحوار الوطني.
واعلموانه بمجرد اتخاذ هاتين الخطوتين فان كثيرا من الامور ستتغير. |
|
|
تعليقات: |
الإخوة / متصفحي موقع وفاق برس نحيطكم علماُ ان
- اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
- أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
- يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
|
|
|
|
|