- أستطيع أن أجزم بهذا الشأن ككاتب ومحلل سياسي وخبير بالشئون الاستراتيجية بالقول أن مهام التخطيط والإعداد ومن ثم التنفيذ والإشراف الجارية على قدم وساق في المرحلة الحالية والقادمة باتجاه بناء وإرساء ومن ثم ترسيخ مداميك المؤسسة الدفاعية والأمنية الجديدة، لن تخضع بالمطلق ولو حتى في الجانب التكتيكي لعمليات التقاسم والمحاصصة الحزبية السائدة مهما كانت طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الاعتبارات التي تقف ورائها.
- أما في حال كانت هنالك ضرورة ملحة في المرحلة الحالية للتعامل مع هذا الأمر فإنها سوف تتم تحت مسميات أخرى غير المحاصصة الحزبية ضمن إطار نطاق حدود تلك المساحة المحدودة جدا (ولا تكاد تذكر) ذات الطابع المرحلي التكتيكي المرتبطة بما تفرضه أولويات المصلحة الوطنية العليا، والسبب الجوهري الأكثر حسما بهذا الشأن واضح جدا للعيان ولا يحتاج للكثير من التنظير هو أنها سوف تخضع شكلا ومضمونا إلى أسس ومعايير المواطنة والمهنية والوطنية...الخ في دولة سوف تتأسس على النظام والقانون، وتقوم على الفصل التام بين العمل السياسي والحزبي والعمل العسكري والأمني.
- على خلفية ما أثبتته الدلائل التاريخية والتجربة العملية الحالية من فشل ذريع لعمليات التقاسم والمحاصصة الحزبية في إمكانية الاعتماد ومن ثم البناء عليها في بلد مازال يعاني قصورا حادا في الوعي وتدهورا حاد في واقعه المعاش؛ جراء تفشي ظاهرة الجهل والفقر والمرض، والتي هيمنت إلى حد كبير على مجمل حيثيات المشهد الداخلي الحالي والسياسي منه- بوجه خاص- إلى حد الآن، بسبب ما أفضت إليه من إفراغ شبه كامل لمجمل الأقوال والأفعال من محتواها ومضامينها وأبعادها المختلفة.
- على الرغم من وجود اعتبارات مرحلية ذات طابع تكتيكي (2011م- 2014م)، فرضتها طبيعة ومستوى ومن ثم حجم المعطيات الظرفية المناهضة والمناوئة لإعادة بناء مداميك الدولة الجديدة السائدة في البيئتين الداخلية والخارجية؛ هي التي تقف وراء اضطرار اليمن لإخضاع حاضرها لإرهاصات هذه التجربة التي أثبتت فشلها سابقا، باتجاه احتوائها وتقويضها بهدف التقليل من قوة مقاومتها وآثارها وتداعياتها، وصولا إلى إعادة توجيهها واستيعابها بما يخدم أولويات المصلحة الوطنية العليا ليس هذا فحسب، لا بل ويسير ضمن نطاق حدود محددات وضوابط تقع تحت سيطرة حركة التغيير الوطني وليس خارجها- وفقا- لحيثيات مفردات خارطة الطريق الجديدة الحاكمة للمرحلة الانتقالية الحالية.
- وباعتقادي فإن هذا الأمر قد أصبح اليوم هو الأكثر أهمية وإلحاحا من أية وقت مضى في بلد كاليمن، التي لن تتاح لها الفرصة أبدا لتضع قدميها على أول الطريق وتخطو بقفزات واسعة إلى الأمام، إلا بولوج هذا المجال من أوسع أبوابه (فالبدايات هي التي تحدد النهايات)، وكي يتسنى لها إحداث النقلة النوعية المنشودة في واقع ومن ثم مستقبل المؤسسة الدفاعية والأمنية يجب وليس ينبغي إخراجها بشكل نهائي من نطاق حدود العملية السياسية والحزبية برمتها؛ كي يتسنى لها تأدية رسالتها الوطنية بأبعادها المختلفة ذات الطابع التنموي المنشودة بصورة مباشرة وغير مباشرة كما تم التخطيط والإعداد لها.
- على خلفية ما تعيشه البلاد من تداعيات حادة وآثار سلبية متنامية حالت دون وجود أية احتمالية لإمكانية الخروج من دهاليز الأنفاق المظلمة التي انزلقت فيها منذ قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر وصولا إلى ثورة مايو العظيمة 1990م؛ جراء عدم الفصل بين العمل العسكري والأمني والعمل السياسي- الحزبي، بلغت حد الذروة منذ مطلع العام 2011م، لتفضي إلى اندلاع حروب وصراعات أهلية محدودة وفوضى وانفلات أمني غير مسبوق؛ جراء تغلغل العملية السياسية والحزبية في أدق تفاصيل العمل العسكري والأمني، وهذا ما بدأ واضحا مع استمرار تنامي حالات الانفلات والتفكك في واقع بعض وحدات الجيش التابعة لقيادتي ما كان يسمى بالفرقة أولى مدرع والمنطقة الشمالية- الغربية عقب انشقاق المتمرد علي محسن الأحمر وجزء من القيادات والعناصر الموالية له والمنتمية لحزب الإصلاح.
- أما عن أهمية إثارة هذا الأمر من الأساس في هذا التوقيت تحديدا فيمكن إرجاعه إلى ما يحيط عملية إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية عقب صدور الدفعة الأولى من القرارات العسكرية الخاصة بإعادة هيكلة الجيش على أسس وطنية ومهنية طموحة (ومن ثم الأمنية) من إرهاصات كثيرة؛ جراء استمرار تنامي حالات التضارب والتكهنات والتوقعات بين الأراء والمصالح، بصورة زادتها غموضا وتعقيدا كما يعتقد الكثيرين الذين كانوا ومازالوا ينتظرون بفارغ الصبر صدور الدفعة الثانية (وما بعدها) من القرارات العسكرية الأكثر أهمية التي يتوقع ان تحدث قفزة نوعية في واقع المؤسسة العسكرية يعيد إليها نوعا من التوازن النسبي المفقود.
- سيما في ضوء استمرار تنامي عملية الخلط المفتعلة الحاصلة للأوراق بهذا الشأن في أيامنا هذه، والتي تقف ورائه العناصر والقوى المنتمية للتيار التقليدي المحافظ (القبلي) والمتطرف (الديني)؛ التي يمثلها حزب الإصلاح وشركائه وحلفائهم القدماء والجدد، على خلفية الأدوار التي تلعبها في سبيل إعادة فرض نفسها بقوة في واقع المؤسسة العسكرية والأمنية، باتجاه الحيلولة دون وجود أية احتمالية لإمكانية إحداث نقلة نوعية في واقع المؤسسة الدفاعية (ومن ثم الأمنية) الجديدة خارج حساباتها الخاصة غير المشروعة، باعتبارها كانت ومازالت محور الارتكاز الأساسي لبقائها واستمرارها واقفة على أقدامها كند حقيقي لخصومها وأعدائها من عناصر حركة التغيير الوطني وجماهيرها ليس هذا فحسب.
- لا بل ومدخلها الأساسي لإبقاء هيمنتها على واقع الحياة الداخلية والسياسية منها- بوجه خاص- في ضوء استمرار تنامي قوائم المطالب التي تقدمها هذه العناصر من خلال قيادات حزب الإصلاح واللواء المتمرد علي محسن الأحمر على سبيل المثال لا الحصر- بحسب المصادر- للتدخل بأدق تفاصيل عمل اللجنة العسكرية والأمنية المشكلة وفقا للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة خارج ما تفرضه أولويات المصلحة الوطنية العليا، والتي بلغت حد الذروة هذه الأيام في طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الضغوطات التي تمارسها على إدارة الرئيس الهادي.
- كجزء من سياسة قديمة عفا عليها الزمن لتمرير كافة مطالبها بعيدا عن أية معايير وأسس وطنية ومهنية؛ يطلق عليها بالعامية بـ(لي الذراع)؛ باتجاه إعادة استيعاب عشرات القيادات العسكرية والأمنية الموالية لها في التشكيلة العسكرية والأمنية الجديدة، كدليل على ما تعانيه هذه العناصر لحد اليوم من عجز شبه تام لاستيعاب طبيعة ومستوى ومن ثم حجم التغييرات الحالية والقادمة.
- وتأسيسا على ما تقدم يمكن القول إذا كانت العمليات الحالية والقادمة القائمة في الشأن العسكري تسير إلى حد كبير شكلا ومضمونا ضمن إطار استراتيجية إعادة هيكلة الجيش على أسس وطنية ومهنية طموحة، فإن عملية فصل العمل العسكري والأمني عن العمل السياسي والحزبي تصبح نتيجة حتمية لايمكن تجاوزها أو تجاهلها، وهو الأمر الذي يفرض على القائمين بإدارة الشأن العام أهمية لا بل ضرورة حسم نهائي لحالة التردد الحاصلة بهذا الشأن، فلا مجال في اعتقادي بالمطلق لأية مساومة أيا كانت في هذا الأمر إلا في نطاق حدود تلبية الحد الأعلى من أولويات المصلحة الوطنية العليا، بحكم أن النهايات المنشودة تحددها البدايات، مما يفرض عليهم أن تكون أول خطوة يخطوها في هذا المجال حاسمة ولا تشوبها شائبة كي تصل الرسالة لكل المعنيين واضحة جدا في الشكل والمضمون ولا تحمل أكثر من تفسير، على عكس العملية السياسية التي يمكن إخضاعها لنوع من التدرج المرحلي فهذا أمر أخر، بمعنى أخر عندما يخرج الجيش بشكل نهائي من نطاق حدود العملية السياسية والحزبية، يكون من الطبيعي أن يصعد إلى كرسي السلطة كان من كان مادام قادرا على الوصول إليه ضمن إطار قواعد اللعبة السياسية المعتمدة بين الأطراف المعنية، سيما أن المنطق يقول بهذا الشأن أن التغيير الحاصل من عملية التداول السلمي للسلطة سوف يبقى ضمن نطاق حدود الساحة السياسية فقط، ولن يسعها ان تنتقل بأية صورة من الصور إلى الميدان العسكري والأمني الذي تحكمه قوانين خاصة ومستقلة تماما، مما يسهم في عملية انتقالها بشكل نهائي إلى مصاف الجيوش النظامية بمراعاة عامل الوقت والسرعة والكلفة، وبالتالي فما دام التغيير الحاصل في الساحة السياسية لن يطال المؤسسة العسكرية والأمنية من قريب أو بعيد فإنه يصبح من المستحيل خضوعها لأية ابتزاز سياسي في أية مرحلة من مراحل بناء وإرساء ومن ثم ترسيخ مداميكها ومهما كانت طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الاعتبارات التي تقف ورائه.
والله ولي التوفيق وبه نستعين
d.tat2010@gmail.com