أثار اعلان رئيس الجمهورية عن زيارة مرتقبة لأعضاء مجلس الأمن الدولي, ونيتهم عقد جلسة على الأراضي اليمنية, أثار الكثير من التكهنات والتحليلات, خصوصاً أنه لا توجد أحداث جسيمة أو مفصلية تستدعي هذا التداعي الدولي الى اليمن في هذا التوقيت, ومما يجعل الزيارة أكثر إثارة للجدل, أنها لم تأتِ بناءً على دعوه رسمية للمجلس من اليمن أو من الجامعة العربية ليناقش أزمة ملحة أو حدث هام, في سابقة تاريخية هي الأولى من نوعها على مستوى العالم .
وقعت أحداث جسام وحروب كبيرة وأزمات حاده في الشرق الأوسط خلال السنوات والعقود الماضية, ولم يفكر مجلس الأمن بعقد جلسة في المنطقة, بل إن الشرق الأوسط ومنذ أكثر من 60 عاماً " تاريخ انشاء الكيان الصهيوني " هو محور الأحداث والصراعات والحروب الأكثر اثارة لاهتمام العالم, ومع ذلك لم يفكر مجلس الأمن في عقد جلسة في المنطقة .
سيكون اجتماع مجلس الأمن الدولي المتوقع في صنعاء، هو التاسع الذي يعقده المجلس خارج مقره بنيويورك في تاريخه، والخامس منذ عام 1952م, فقد عقد المجلس في بدايات الأمم المتحدة اجتماعاً في لندن في 1946م وفي باريس ثلاثة اجتماعات في 1948م و1951م و1952م, وفي أديس أبابا عام 1972م, وفي بنما عام 1973م, وفي جنيف عام 1990م, وفي كينيا عام 1994م .
كل تلك الاجتماعات - خصوصاً المنعقدة بعد العام 1952م - كانت مقرونة بأحداث ومشاكل وحروب وأزمات كبيرة, وكانت معلنة الأهداف وبدعوات رسمية من منظمات اقليمية أو من دول متضررة من تلك الأزمات .
لكن الاعلان المفاجئ عن الاجتماع في اليمن, وأن يأتي الاعلان من الرئيس اليمني, وبدون دعوة, ودون أن يُثار الموضوع في اجتماعات علنية سابقة لمجلس الأمن, فإن له دلالات خاصة أبعد من موضوع الأزمة الداخلية اليمنية ودعم الرئيس هادي .
باعتقادي أن الهدف الرئيسي من الاجتماع المرتقب لمجلس الأمن في اليمن هو تدشين النظام العالمي الجديد, الذي تفقد معه الدول طوعاً - خصوصاً دول العالم الثالث- سيادتها الوطنية لصالح السيادة الدولية المتحكمة فيها بشكل أساسي الولايات المتحدة, وان كانت بقية الدول الأعضاء في مجلس الأمن تحصل على بعض الفتات من ذلك النظام .
وبما أن الاجتماع المرتقب هو أول اجتماع في دولة عربية واسلامية, ويأتي بعد ثورات الربيع العربي التي أوصلت الكثير من تيارات الاسلام السياسي الى السلطة, فتلك رسالة أخرى للعالم ولشعوب المنطقة, مفادها أن الثورات العربية هي ثورات نابعة من أزمات اقتصادية وليست تحررية, ولذلك فليست نموذجاً يمكن أن يشكل خطراً على النظام العالمي أحادي القطبية, الذي ظهر بعد سقوط الاتحاد السوفيتي, وأن الحكومات العربية الجديدة أكثر تعاوناً مع النظام العالمي, وأكثر استعداداً لتقبل السيادة الدولية, وكون تلك الحكومات أتت بانتخابات ديمقراطية أو بتوافق واسع - كما في اليمن - بعيداً عن التسلط الذي كان يقوم به الحكام السابقين, فان معنى ذلك أن الشعوب نفسها بدأت تتقبل السيادة الدولية على حساب السيادة الوطنية, وبالتالي فذلك اعلان وفاة للشعارات الوطنية أو الأممية, الاسلامية منها أو العربية, الرافضة للوصاية الأجنبية, والتي كانت ترفعها وتزايد بها بعض تلك التيارات قبل وصولها الى السلطة .
كما أن هناك أهداف ثانوية للزيارة تخص اليمن, منها التأكيد على اهتمام المجلس بإنجاح التسوية السياسية الخليجية المدعومة دولياً, وتوجيه رسالة لكل الأفرقاء في اليمن أن هادي يحظى بثقة المجتمع الدولي ويجب تنفيذ كل قراراته, اضافة الى ما سبق فإن هناك رسالة - أمريكية - لإيران وحلفائها في الداخل, مفادها أن اليمن هي الخاصرة الرخوة لدول الخليج النفطية, وسواحلها ومضيقها تحديداً يمر عبره جزء مهم من نفط وتجارة العالم, وبالتالي فإن لها أهمية خاصة لدى أمريكا, وتعتبر منطقة نفوذ حصري خاص بها, ولن يسمح لإيران بأي تواجد .
ما سيتغير بعد زيارة مجلس الأمن لليمن هو صيغة القرارات الجمهورية, فبعد أن كانت تستند على المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية, يمكن أن تضاف لها ديباجة جديدة تحتوي على عبارة " وبناء على قرارات مجلس الأمن الصادرة في نيويورك والقرار رقم .... الصادر في صنعاء قرر ......." .
albkyty@gmail.com
- " نقلاً عن صحيفة الأولى ":