لا شيء يؤلم البسطاء الأحرار مثل أن يتم استغفالهم بأسلوبٍ مكرر وحذلقة بهلوانية لم تعد تُجدي نفعاً.
أشفقتُ كثيراً على مذيعة الـ”بي بي سي” ديما عزالدين، وهي تحاور المناضل حميد الأحمر الثائر الأغنى من معظم الحكام العرب.
ومبعث شفقتي هي قدرتها الكبيرة بحكم عملها على كتمان قهقهتها وتذمرها من أغلب ما ورد في ذلك الحوار العجيب، وهي تدرك كما ندرك حقيقة الواقع.
لولا حميد الأحمر ما قامت ثورة.. ولولا نضاله السري لكسر صنمية علي عبدالله صالح ولما كنا اليوم ننعم بالعيش بالرغيد.. ولولا نموذج المدنية الشفافة لقبائل حميد لما كنا اليوم نقدّم المثال الفاضل للسلوك الإنساني.. ولولا حماية حميد لأبناء تعز لما كانوا شيئاً يُذكر.. ولولا تكرّم الشيخ حميد بحل قضايا الجنوب لما كانت عدن مصدر الأمان لهذا الوطن.
هكذا رأيت خلاصة الحوار”العرطة”، والذي لم يكن سوى استفزاز لعلي صالح ليفتعل أيّ شيء في حملةٍ مضادة للولد العاق حميد.. لكن محاولة حميد باءت بالفشل ككل محاولاته السابقة.
لم نكن ولن نكون كيمنيين آمنّا بالتغيير والمستقبل الأفضل بحاجةٍ لمثل حديث حميد الذي لم يجد شيئاً يمجده إلا نضاله أباً عن جد.. وتسويق مدنيته التي تظهر بجلاء من طريقة استعلائه وحرصه - حتى بمظهره الشكليّ - على تعميد مستقبل القبيلة في لغة التحدي وتسيير الأوضاع كما يحلو له.. كيف لا وهو من يعتبر ذاته حامي الثورة وباني الوطن.
إن استعجال حميد الأحمر في توجيه رسالته الأوليّة لفخامة الرئيس عبدربه منصور هادي أن عليه أن يعي أن المساس بحميد يعني المساس بالثورة وسيادة الوطن وكرامته لهو خطأ جسيم وقع فيه حميد وكشف عن أوراقه - المكشوفة أصلاً - بطريقة بدائية لا تراعي أي احترام وتقدير لرئيس الوفاق وهيبته التي يجب أن يستمدها من تعاون الجميع معه لا توجيه رسائل الهيمنة المبكرة.
فعن أيّ مدنية يتحدث حميد الأحمر؟ وماذا كان يخفي من استفزازه الواضح؟ ومنذ متى والجنوب يعوّل على حميد أن يراعي قضاياه ليمنّ عليهم بعطاياه الثمينة؟!.
بل والأدهى من ذلك أنه اختزل الحوثيين والقاعدة وأمريكا والثورة في مخرجات حلوله وتفكيره العجيب.. متناسياً أنه كان ولايزال ضمن دائرةٍ معروفة، لا يحق لها أن تتحدث عن مستقبل اليمن الجديد دون أن تقدم نفسها للمحاكمة جنباً إلى جنب مع كل طغمة الفساد بهذا الوطن.
إن المدنيّة التي يدعيها حميد، ولا نرى على الواقع سوى لغة البندقية من أمثاله المستفزين لبسطاء الناس لهي خير دليل على أننا بحاجة لثورة تصحيحية تستبعد كل من يسوّق لنفسه على جماجم الشهداء وشرفاء هذا البلد الذي أنهكته عقليات المشائخ أكثر من جوعه وخوفه وشتاته.
يجب على حميد الأحمر أن يبحث عن طريقة أخرى يتحدث بها؛ طريقة تُعيد له بعض التقدير للعيش بكرامة بعد أن يقدم نفسه للمحاكمة، ويعيد لخزانة الدولة ما عليه من استحقاقات من عرق الكادحين، وموفور النعم التي منحها له رفيقه في العبث علي صالح.. حسب الاتهامات الموجهة إليه.
أما تعز فلم يمت رجالها ليتحدث نيابة عنهم.. والجنوب هو مصدر المدنية واحترام الآخر.. والحوثيون كفيلون وحدهم بالرد عليه.. واليمن بأجمعه لا يحتاج مطلقاً للغة الاستعلاء والتحدث باسمه واختزال كل معاناته في شرف البطولة المزيفة.
نريد أن نعيش في سلام ومحبة وبناء يمن واحد دون مكايدات أو عنجهيات أو استغفال لآمالنا أو لهجةٍ قبليّة تستعبد البسطاء وتصادر حقهم في العيش الكريم.
نأمل من حميد الأحمر أن يراجع كل أطروحاته، ويدرك جيداً أن التغيير يعني أن يتساوى الجميع في الحرية.. وأن السلطة التي تحمي المتنفذين على مصالح الوطن هي دولة زائلة.