|
الدولة المدنية وكوابح التغيير
بقلم/ نبيل نعمان
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر و 28 يوماً السبت 23 يونيو-حزيران 2012 06:40 م
الدولة المدنية الحديثة .. مفردة باتت تتردد على كثير من الألسن وشعاراً يصدح في كثير من المحافل، رغم أنه مطلب قديم لليمنيين ناضلوا من أجله لعقود .. لمع أمامهم مع انبلاج فجر ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م لكنه سرعان ما خفت وهجه وسار تالياً في تعرجات ومحطات كثيرة، توارى أحياناً وبرز في أخرى ولم يتحقق هذا الحلم حتى اليوم.
من المحزن بالطبع أن نهدر نحو نصف قرن دون أن نصل بهذا الحلم إلى حقيقة واقعة، بل ولا نزال في المربع الأول الذي عادة ما ترتفع فيه الأصوات وتتعدد الدعوات لضرورة قيام الدولة المدنية دون الولوج في صلب متطلبات تحقيق هذا الهدف الذي سبقتنا إليه دول كثر وترسخت أوطان كانت قبل نصف قرن تعيش خارج الزمن وبعضها لا وجود لها على الخارطة.
اليوم لم يعد مقبولاً الوقوف طويلاً أمام أهمية وضرورة الدولة المدنية وأن نظل نلوك هذا بعيداً عن الإجراءات العملية والأسس العلمية في بنائها .. لأن لا الوقت ولا الظروف الراهنة يمكنها تحمل المزيد من الهدر أو التسويف، فالفرصة المواتية لا يمكنها أن تتكرر وعدم استثمارها أو التفريط بها وبمخرجاتها سيكون خسارة لليمن واليمنيين في تحقيق التغيير الذي ينشدونه بعنوانه الأبرز والعريض .. الدولة المدنية الحديثة.
إن فكر التغيير يمثل الأداة لتأسيس الدولة المدنية وتأصيله يرسخ عوامل بقاءها وتجذرها وتنقيتها من آية شوائب رافقت لبناتها الأولى وهو أمر في غاية الأهمية باعتبار أن التغيير ضرورة تاريخية تعمل كحاضن لنموها وتطورها وتجذرها، وبالتالي فإن الخلل الذي قد يصيب هذا الفكر سيطال الدولة ذاتها ويعرضها للاهتزاز والضمور والعكس صحيح فكلما بهتت مقومات المدنية دخل الفكر في حالة من التيه فاقد القدرة على الفعل الخلاق.
وكما أن التغيير ضرورة حضارية واجتماعية يجد طريقه للتنفيذ بفعل الإنسان وهو غير التغيير الذي عادة ما يكون خارج الإرادة ويتم بفعل عوامل طبيعية عادة فإن مقاومة التغيير تلازم الكثير وهي حالة مفهومة وصفة إنسانية نابعة من الخوف والتوجس من كل ماهو جديد وفيه مغامرة غير محسوبة النتائج وفقاً لتصور البعض، لكن هذه الحالة أيضاً مفهومة تبعاً لطول بقاء أي مجتمع في حالة ركود وهي وضعية تختلف من مجتمع لآخر ولهذا يكون التغيير مقبولاً وسريع النتائج في مجتمع دون غيره بينما أخرى تحتاج أي وقت وجهد لإحداث التغيير.
وفي واقعنا اليمني يمكن القول إن هناك ثلاثياً معوقاً للتغيير ومعه بالضرورة الدولة المدنية .. وهذا الثلاثي يتمثل في الخوف من التغيير أو فوبيا التغيير، الفكر التقليدي ومنظومة الفساد .. فكل واحدة من هذه المعوقات لها أدواتها وأساليبها في وضع الكوابح وإعاقة كل ما يمكن أن يقود أو يؤسس لدولة مدنية وكلما تشكلت أضلاع هذا المثلث وتقاطعت مصالحها كانت قدرتها على الكبح أكبر وأعمق.
يتصور معرقلو التغيير بأنهم مستهدفون بعضهم بدافع الخوف من التغيير وآخرون يتحسسون صلعتهم فيعرفون أن الزمن سيتجاوزهم ولهذا يعمدون إلى اختلاق المعوقات ويركبون كل موجة يعتقدون أنها ستحد من تصحيح الأوضاع من قبيل بث روح الإحباط والتقليل من أهمية التغيير وفاعليته في تحقيق الأفضل مستغلين حقيقة أن التغيير عملية بطيئة النتائج وتحتاج إلى وقت وجهد وبيئة مناسبة لكي تثمر وتلامس هموم وتطلعات الناس.إن فوبيا التغيير يعد المعيق الأكبر لإحداث اختراق حقيقي في جدار أي نظام إداري أو سياسي أو اجتماعي مترهل حيث إن هذه الفوبيا تتحول لدى البعض إلى أشبه بالعقيدة أو الأيديولوجيا التي ترسم وتحدد رؤيتهم إلى الأشياء من حولهم وربما يقعون ضحية لأجندة لا تريد خيراً لهذا البلد ولا تريد للتغيير أن يشق طريقه أو يحقق أهدافه.
القوى التقليدية هي الأخرى تواصل هواياتها وأن منحتها صبغتها جديدة والظهور بصورة أخرى لكنها تظل تنهل من ذات الفكر وهو ما يعد معوقاً آخر للتغيير، فالدولة المدنية تتعارض مع الفكر القديم الذي لا يعترف بالآخر ولا بمقومات المدنية بل والدولة التي يفترض بها أن تفرض سيطرتها على كل شيء وتحتكر القوة على عكس ماتحاول القوى التقليدية أن تفعله في مشاركة الدولة مهامها واختصاصاتها.
كذلك الحال بالنسبة لمنظومة الفساد فهي تعمل بكل الوسائل لكبح كل محاولات الحد من آثاره على مسيرة التغيير المنشودة ويعمدون إلى استخدام المال لإفساد الحياة العامة واستغلال المرحلة الراهنة وحالة الوفاق السائدة للإبقاء على مخالبه بل وتجذيرها في جسد الوطن وهو أمر من شأنه أن يعيق ويعرقل التغيير لأنه لا يمكن بناء وطن جديد بتلك الأدوات الفاسدة.
ولطالما كان معرقلو التغيير يتمتعون بحظوة وصفوة وسيظلون كذلك حيثما توافرت البيئة الحاضنة لهم والفراغ الميسر لهواياتهم وهذا الأخير يجعلهم أكثر شراسة وإضراراً بحركة التغيير ويمكن للوفاق السلبي أن يوفر الظروف لمعرقلي التغيير لحشد الناس لمقاومة أي حراك طبيعي والانتقال إلى الوضع الجديد.
ومن هنا فإن التغيير ليس عملية سهلة كما يتصور البعض وخاصة البدايات الأولى التي تكون بحاجة إلى دفعة قوية لتحريكها بعدة تروس متعاضدة لتخطو إلى الأمام وهو ما فعلته باعتقادي ثورة الشباب على مدى قرابة العام وهو أمر لابد من استثماره قبل أن تعود فوبيا التغيير وتمكن القوى التقليدية ومنظومة الفساد من العودة لتسيد المشهد وعرقلة الحراك الذي برز على أكثر من صعيد وإن ظل على مستويات عليا.
فكما أن التغيير بحاجة إلى أن يلامس كافة مناحي الحياة حتى يشعر المواطن بجدواه وبالتالي ينخرط فيه ويدافع عنه .. فإنه أيضاً بحاجة إلى أدوات ووسائل رافعة ومحركة له بعضها يتشكل عبر إطلاق الحوار الوطني لكن الأهم هو تبني منهجية للتفكير جديدة قادرة على تحصين وتأصيل مبدأ التغيير في العقول والقلوب وحاضنة له على المدى المتوسط والبعيد.
إن التغيير فكراً وممارسة سيكون مؤشراً لماهية الدولة المقبلة كون هذه المدخلات هي التي تؤسس لإمكانية تجاوز الأمراض والمشاكل التي ظل يعاني منها المجتمع لفترة طويلة وتقليم أظافر معوقات التغيير والأهم إزالة الفوبيا المسيطرة على الكثير بأن القادم لن يأتي بجديد وعبر هذا الأخير سيكون بالإمكان محاصرة القوى التقليدية ومنظومة الفساد أو تحجيمها على الأقل .. وتفكيك كل محاولات عرقلة قاطرة التغيير .. الذي بات اليوم أكثر من ضرورة.
|
|
|
تعليقات: |
الإخوة / متصفحي موقع وفاق برس نحيطكم علماُ ان
- اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
- أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
- يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
|
|
|
|
|