أصبحت وسائل الاتصال والتواصل تحتل جزء أساسياً في حياتنا الفردية والاجتماعية والعملية بالاعتماد عليها في كثير من النشاطات العلمية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية، وفي بلدنا اليمن لم يعد بالإمكان أن نُبعِد هذه الوسائل أو آثارها الإيجابية أو السلبية عن بيئتنا وحياتنا، أو أن ندّعي إمكانية البعد عنها وعدم التأثّر بها. لكن علينا أن ننظر إلى هذه الوسائل بحرص واستجلاب الإيجابيات والإفادة منها والتزود من منافعها وحفظ الوقت والعمر للتوظيف النافع والنظر إلى السلبيات لاجتثاثها والتحذير منها حفظاً للنفس ونصحاً للمجتمع.
ويؤكد العلماء الباحثون أن هذا التطور التكنولوجي الهادر في عالم الاتصال والتواصل "الإعلام الجديد" الحي الذي يشرك فيه المرسل والمستقبل في الحديث والرأي والحوار، بعكس الإعلام التقليدي الذي يطلق عليه الإعلام الساكن، لأنه من طرف واحد لا يشرك فيه المتلقي بحديث أو حوار ولا إبداء رأي ولا تسجيل موقف، لكن هذه التطور في عالم الاتصال والتواصل "الإعلام الجديد" لا تخلو وسائله من تأثيراتها البالغة على سلوك الناس وعاداتهم وإحداث التغيير بأنواعه الإيجابي والسلبي، نفعاً وضرراً والذي تكمن خطورته ومحاسنه في تجاوز الحدود والجغرافيا وتربط بين العالم وتتقارب فيه المسافات، ولهذا أصبح له دور متعاظم في حياة الفرد والأسرة والمجتمع، ويتواصل فيه الناس مع معارفهم وأقرانهم، وغير معارفهم داخلياً وخارجياً، ويتبادلون فيه الثقافات وممارسة ما لا ينحصر من النشاطات والفعاليات مع من يعرفون ومن لا يعرفون عادات الشعوب بعد أن أحدث ذلك طفرات واسعة في عالم الاتصال والتواصل.
وأن من إيجابياتها وفوائدها إقامة العلاقات الطيبة بين الأفراد والمجموعات من الأقارب والأصدقاء، وأصحاب المهن والحرف والتخصصات وتبادل المعلومات النافعة في كلمات وملفات ورسائل، وإيجاد مجتمع متواد متعاطف متواصل في الخير مع ما يحصل من توفير الوقت والجهد والمال وسرعة التواصل والإنجاز، بل هي وسيلة فعالة في التعلم والتعليم والتوجيه بطرق مبتكرة تحقق نتائج مبهرة في التواصل، وتتيح الفرص للإبداع والإنجاز والأفكار والآراء ومشاريع مختلفة ومتعددة مما ينفع الأفراد والمجتمع، كما أنها فتحت آفاقاً جديدة وواسعة أمام الفرد ليعبر بها عن ذاته وشخصيته، والتفاعل مع ما حوله من قضايا وأحداث بطرق مختلفة، وأساليب متجددة قد لا يدركها أو يستوعبها جيل الآباء والكبار، هذه الوسائل قربت البعيد ومهدت الطرق أمام المبدعين وسهلت بناء الأفكار وتطوير المهارات وصقل الملكات وإشباع الحاجات وثبات الذات وزرع الثقة في النفوس، ففي هذه الوسائل والأدوات تتوفر المعلومات وينتقل المتلقي من وضع المتابعة إلى وضع المشاركة الفاعلة في كل المواد، وهذا لن يتم إلا إذا كان التعامل معها بوعي ونضج لنشر ما هو مفيد للفرد والأسرة وللمجتمع.
أما السلبيات لهذه الوسائل والأدوات فهي كثيرة من الأفكار الهدامة، والجرأة على الأصول والثوابت وضعف الرقابة وتجاوز الضوابط في الكلام والكتابة، والصورة مع ما تحتويه فاضحة تستهدف جميع الفئات مما يورث الانحلال الأخلاقي ونزع الحياء، وضياع الوقت واستنزاف الجهود والانعزال عن الأسرة والمجتمع، كما قد يسبب سوءًا في التعامل والتواصل وضرب الترابط الأسري والعلاقات الاجتماعية، ناهيك عن الوقوع في الفتن والمعاصي وترويج الإشاعات واتهام الأبرياء، والتدخل في ما لا يعني من أمور الناس وخصوصياتهم والقذف والخوض في الأعراض والتطفل على الآخرين.
للأسف نرى بعض هذه السلبيات تطغى على الإيجابيات عند بعض الشباب اليمني في التعامل مع هذه الوسائل وتسخيرها لإيذاء الغير وتعكير حياتهم، والتطفل على خصوصياتهم دون مراعاة مشاعرهم وخاصة الشباب وما يتسببون فيه من مضايقات للفتيات فضلاً عن إضاعتهم للوقت، وهذا الضياع والإهدار يتسببان في إمراض النفوس، وضجر الحياة وسوء الأخلاق والسلوك، واضطراباً في العلاقات، وضعف في التحصيل العلمي، وضياع المسؤوليات.
ومع ذلك تبقى وسائل الاتصال والتواصل من أهم عوامل نقل الحضارة، وإشاعة الثقافة، ودعم الفكر الصالح، وبث القيم الصحيحة في العادات والسلوك، وتحقيق التواصل الاجتماعي والثقافي بين الأفراد والجماعات والأمم، وينبغي أن ننظر إلى هذا التطوّر التكنولوجي الهادر والسريع بموضوعية على المستويين التربوي والاجتماعي، والتفكير الجدي في الاستفادة الإيجابية الفاعلة من مختلف وسائل الاتصال والتواصل، وغيرها من التقنيات في خدمة الناس، ورعاية لمجتمعنا وأهلنا جميعاً، ولا بد من اقتحام هذا العالم، بدلاً من أن نتفرغ لمعالجة آثاره ومواجهتها أو توجيهها، ولهذا فإن التوجيه الاجتماعي، والتحصين الأخلاقي والتربوي، إلى جانب التفقه في أحكام التواصل الاجتماعي، يكون هو الحل الأسلم والأصح للتحصين من مخاطر آثاره على الفرد والأسرة والمجتمع، بعد أن أصبح عالماً للإبداع ومليئاً بالمخاطر.
n.albadwi2013@hotmail.com