ككثير من الاتفاقيات المشابهة احتوى اتفاق السلم والشراكة الوطنية لانهاء الازمة الحالية على نقاط إيجابية وأخرى سلبية وكما يلي :
نقاط إيجابية :
1-يعتبر الاتفاق مخرج سياسي للازمة الراهنة والذي حال دون تفجر حرب مذهبية كانت تلوح بقوة في سماء العاصمة واليمن عموما ،كما ان توقيع الاتفاق يعتبر انجاز في حد ذاته اذا ما اخذنا في الاعتبار الوضع الذي وقع فيه،حيث جاء بعد ساعات من سقوط دراماتيكي للعاصمة وجو مليء بالإحباط والصدمة والذهول والانهيار.
2-الإشارة في مقدمة الاتفاق الى انه جاء بناء على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، التي توافقت عليها جميع المكونات اليمنية وهذا امر إيجابي لعدة أسباب منها :
أ-اعتبار المخرجات الطريق الوحيد المتاح حاليا امام اليمنيين لإقامة الدولة المدنية التي ينشدونها رغم ما شاب تلك المخرجات من قصور وما يواجهها من صعوبات هائلة لبلورتها على الارض.
ب-انهاء مخاوف البعض من نوايا الحوثيين فيما يتعلق بالوحدة والمواطنة المتساوية واحترام حقوق الإنسان عبر الإشارة نصا في مقدمة الاتفاق الى تلك المبادئ والاسس التي ستنشأ عليها الدولة،ورغم حرص زعيم الجماعة في خطاباته الأخيرة التأكيد على النظام الجمهوري وعدم وجود نية لإعادة الامامة الى البلاد، لكن كان لافتا خلو الاتفاق السابق من الإشارة المباشرة الى النظام الجمهوري ضمن تلك الأسس المذكورة ،ورغم انها تحصيل حاصل لكن تشكيك البعض حول هذه المسألة كان يفترض معه التأكيد عليها.
ج-الانهاء الرسمي للمبادرة الخليجية واليتها المزمنة كمرجعية انطلاقا من حقيقة انها لم تعد ملائمة مع الواقع على الارض، إضافة الى ان المبادرة وجدت لمنع حرب أهلية وإيجاد صيغة سياسية مشتركة للتعايش بين طرفي الازمة آنذاك ولم يكن هدفها بناء دولة مدنية حديثة.
3-الأهمية الكبيرة التي اولاها الاتفاق للجانب الاقتصادي والسعي لتخفيف الأعباء المعيشية للمواطن وتركيزه على مكافحة الفساد وكلها قضايا كانت مهملة ولم تحض باهتمام من قبل الحكومات اليمنية المتعاقبة،وفي الغالب سيكون تحقيق انجاز ملموس في هذه المجالات له الأولوية لدى قيادة الجماعة خاصة مع ادراكها ان اسقاط صنعاء رغم أهميته الكبيرة لكنه لايعنى احكام قبضتها على النظام .
-لان ذلك لن يتم الا في حال تمكنت من السيطرة على المناطق ذات الغالبية الشافعية كتعز واب والحديدة والبيضاء كمرحلة أولى تليها عدن وبقية المحافظات الجنوبية كمرحلة ثانية،ونظرا لادراكها ان العامل المذهبي لن يساعدها في الوصول الى تلك المناطق كما حصل في العاصمة بل ربما يكون عائقا امام طموحها ،وليس امامها سوى تسخير كل طاقاتها لدعم جهود الحكومة الجديدة -التي ستحسب عليها في نهاية المطاف -من اجل تحريك عجلة الاقتصاد وتحسين مستوى الخدمات الاساسية وإبراز مدى احترام الحكومة للحريات وحقوق الانسان والمساواة وتقديم نموذج ناجح في إدارة البلاد ،وفي هذه الحالة فقط ستتمكن الجماعة من تقديم صورة مقبولة ومغايرة عن صورتها الحالية لدى المواطنين في تلك المناطق .
مآخذ وجوانب قصور :ومن ذلك:
1- تشكيل حكومة كفاءات لا يعني انها ستشكل من شخصيات مستقلة باستثناء رئيسها بل ستكون من الأحزاب والقوى الرئيسية في البلاد وستكون حكومة محاصصة لكن بشكل موسع ،كما أن اختيار شخصية مستقلة لرئاسة الحكومة معناه على الأرجح استمرار الهوة التي كانت قائمة بين باسندوة وهادي واثرت سلبا في الأداء العام للسلطة التنفيذية،وكما تم السيطرة على باسندوة ومنصب رئاسة الحكومة من قبل حميد الأحمر فان تحكم زعيم الحوثيين برئيس الحكومة الجديد هو الأكثر ترجيحا .
2-تمت الإشارة الى ان الاتفاق جاء بناء على \"مخرجات مؤتمر الحوار\" وكان الاسلم القول على \"وثيقة مخرجات الحوار\"خاصة ان الوثيقة النهائية للمخرجات لم يوقع عليها الحوثيين وفي مثل هذا النوع من الاتفاقيات تكون هناك أهمية بالغة في اختيار الكلمات والمصطلحات الفضفاضة التي يمكن إيجاد اكثر من تفسير لها .
3-تأكيد الاتفاق في البند الأول منه على مشاركة المكونات السياسية في مشاورات تشكيل الحكومة بشكل فعال أمر طبيعي لكن تأكيده بعد ذلك على أن يتم تمثيلها في الهيئات التنفيذية على المستوى المركزي وفي المحافظات لما اسماه ضمان الفاعلية والشراكة الوطنية ،أمر لا اعتقد ان له علاقة مباشرة بتشكيل الحكومة كما انه يوحي بوجود توجه لتأجيل غير معلوم لإجراء الانتخابات المحلية في الأقاليم ومن ثم سيتم تقاسم السلطة المحلية بين القوى السياسية بطريقة غير ديمقراطية مع ملاحظة ان اشراك المرأة والشباب لن يتم الا من خلال القوى السياسية وليس واضحا كيف سيتم تحديد الحصص بينها.
4-اوكل الاتفاق لمستشاري الرئيس السياسيين مهمة رفع توصيات حول توزيع مقاعد الحكومة على المكونات السياسية الى الرئيس ورئيس الوزراء ما يوحي ان القرار مشترك بينهما وهو الامر ذاته فيما يتعلق بتسمية من يرونهم مناسبين لشغل الحقائب الوزارية التي لم تقدم المكونات أسماء مرشحيها،لكن الاتفاق لم يوضح كيف سيكون المخرج في حال حدوث خلاف اوتباين بين الرئيس ورئيس الحكومة حول ذلك.
5-يفهم من مطالبة الرئيس في البند الثاني تحديد مهام مستشاريه السياسيين وصلاحياتهم بحيث تستوعب مهامهم المنصوص عليها في هذا الاتفاق ،وكأن الرئيس ملزم باستشارة هؤلاء وبما سيقدمون له من نصائح وتوصيات،لكن لم يتم الإشارة اليه بصورة مباشرة ونص مكتوب .
6-رغم منح الرئيس حق اختيار وزراء الدفاع والمالية والخارجية والداخلية، الا انه تم تقييده بعدة شروط منها عدم انتمائهم أو ولائهم إلى أي طرف سياسي ،فمن السهولة تحديد الانتماء الحزبي من عدمه وفق البيانات الحزبية الموثقة لكن من الصعوبة البت في مسألة الولاء الحزبي وبالامكان لجوء بعض القوى الى العرق او الجهة او السلوك الشخصي لاتهام المرشحين بالولاء لحزب من الاحزاب .
7-لاشك ان الحكومة ستواجه صعوبة كبيرة فيما يتعلق بإنجاز برنامج عمل توافقي خلال شهر من تشكيلها مع كثرة التباينات حول العديد من القضايا الداخلية والخارجية والموقف منها وطريقة التعامل معها وسيتركز الخلاف على الارجح حول عدة محاور ابرزها مايتعلق بقضايا التعليم والامن والدفاع ومكافحة الإرهاب والتنسيق الأمني مع دول كالسعودية وامريكا والعلاقات الخارجية وطبيعة العلاقة مع السعودية وايران وحزب الله ،فالحوثي مثلا سيطالب بالتوقف عن توجيه أي اتهامات رسمية لإيران سواء عبر هادي او وزارة الخارجية كما سيطالب الحكومة بالسماح لإيران باستئناف نشاطها الثقافي والاجتماعي والطبي في اليمن وبصورة مشابهة للنشاط السعودي في اليمن وهكذا.
8-تم سحب غالبية المهام والصلاحيات في المجالات الاقتصادية والمالية والرقابية والنشاط الاستثماري و..ومنحها للجنة اقتصادية تشكلها الحكومة خلال اسبوع وتكون توصياتها ملزمة للحكومة،ولا اعتقد ان لجنة بهذه الأهمية والمهام المناطة بها يمكن تشكيلها خلال أسبوع واحد خاصة انها ستضم في عضويتها خبراء مؤهلين واقتصاديين من مختلف المكونات السياسية والوزارات المعنية مع خبرة في مجال التشريع والإدارة المالية والاقتصادية إضافة الى حاجتها للائحة داخلية تنظم عملها.
9-فصل الملف الأمني عن الملف السياسي من خلال اخراج معالجة الحالة العسكرية والأمنية والقضايا المتعلقة بعمران والجوف ومأرب وصنعاء وأية محافظات أخرى في ملحق امني بالاتفاق ،وهذا الامر وفر للجماعة فرصة تحقيق مكاسب سياسية مع إمكانية التنصل من التزاماتها الأمنية او التلكؤ في تنفيذها وكسب مزيدا من الوقت لتكريس سيطرتها الأمنية في المناطق التي تسيطر عليها ،ما يعني ان المعالجات الأمنية المطلوبة في العاصمة وعمران ومناطق أخرى ستظل مؤجلة الى حين توقيع الحوثيين على الملحق الأمني .
-من غير المستبعد عدم التوقيع أصلا على الملحق الأمني خاصة ان رفض ممثلي الحوثي لذلك تم التغاضي عنه من قبل هادي وبنعمر والسعودية ودول الخليج الى حد الان ،ويبدو ان سيطرت الجماعة على العاصمة بهذه السهولة كانت سبب ذلك الموقف،وهو ما يعني تمكن الحوثيين من اجبار النظام والقوى السياسية على الاعتراف بهم كلاعب سياسي وفي الوقت ذاته الاحتفاظ بالسلاح وجعله امر واقع.
10-مع اشتراط التوافق وكثرة القوى المشاركة واختلاف وتباين الرؤى حول كثير من القضايا الداخلية والخارجية كل ذلك يرجح بروز العديد من الخلافات حول تنفيذ بنود الاتفاق ،ما يعنى الحاجة الى آلية واضحة ومحددة لكيفية حل تلك الخلافات،لكن الاتفاق اكتفى بإرجاع البت في أي خلاف حول بنوده الى لجنة مشتركة تؤسس بدعم من الأمم المتحدة دون ايراد اية تفاصيل أخرى وكان يفترض ايكال الامر الى رئيس الجمهورية او القضاء للبت في ذلك وليس الى حوار واشراف اممي ولجنة غير واضحة المعالم.
11-عدم الاشارة الى إلاجراءات العقابية التي قد تفرض بحق أي طرف يعمل على عرقلة او افشال تنفيذ الاتفاق سيما مع اتهام الرئيس نفسه في خطاب سابق الجماعة بعدم تنفيذ الاتفاقات التي وقعتها فما هي الضمانات التي يراهن عليها لالتزام الجماعة بتنفيذ الاتفاق الأخير؟لاشيء.
مواقف لافته :
رافق التوقيع على الاتفاق مواقف لافته لبعض الأطراف ذات العلاقة ومن ذلك :
-حرص قادة الجماعة على عدم قيام انصارهم بنهب مؤسسات الدولة وغالبية منازل خصومهم السياسيين مع بعض الاستثناءات،قابله موقف رائع من القيادي الاصلاحي زيد الشامي لانصار الحزب يحثهم فيه الى عدم الانجرار الى العنف،إضافة الى طريقة تعامل الرئيس مع الازمات المختلفة وما يبديه من حرص شديد في إيجاد حلول سلمية لها لتفادي الانزلاق الى حرب أهلية مهما كان الثمن متجاهلا ما يطاله من اتهامات بالضعف والتواطىء جراء عدم دمويته،وكل تلك المواقف انما تجسد الى حد ما الحكمة اليمانية التي عرف بها اليمنيون.
-ليس واضحا الأسباب التي حالت دون حضور د ياسين سعيد نعمان لتوقيع الاتفاق ممثلا عن الاشتراكي واذا كان البعض لا يستبعد مثل هذا الهروب من قبل نعمان خاصة بعد انابته السابقة للامين العام المساعد أبو بكر باذيب للتوقيع على وثيقة المخرجات وسفره بذريعة العلاج ،لكنه هذه المرة لم يكتف بتجنب التوقيع وانما اناب يحيى أبو اصبع وليس باذيب للتوقيع على الاتفاق رغم ما قد يحمله ذلك من دلالات غير دقيقة عن تحفظ للقيادات الاشتراكية الجنوبية على الاتفاق .
- الموقف الوطني الرائع للحزب الناصري الذي اتخذه الدكتور عبد الله نعمان برفضه التوقيع على بنود الاتفاق ردا على رفض ممثلي الحوثي التوقيع على الملحق الأمني ،صحيح ان ذلك الموقف لن يعيق في الغالب تشكيل الحكومة وتنفيذ بنود أخرى من الاتفاق في شقها السياسي،لكن الحزب اثبت مجددا مدى حرصة وتقديمه لمصالح البلاد العليا على مصالحه الحزبية ،ولولا شح الإمكانيات التي يعاني منها لكان تربعه على الساحة امرا بديهيا .
aziz5000000@gmail.com