التحول الدراماتيكي لمسار المفاوضات وما رافقه من تفجر للوضع في مناطق بشمال وشرق العاصمة ومع الصمت الدولي المريب،كل ذلك اثار تساؤلات حول حقيقة مايجري في البلاد ؟خاصة مع تعاظم الشكوك بوجود صفقة ما او طبخة سرية يتم اعدادها من قبل لاعبين يمنيين وبإشراف طباخين اقليميين ودوليين،لكن ما نوع تلك الصفقة وتفاصيلها ومن هم المشاركين فيها؟
-لمعرفة الإجابة على ذلك او على جزء من تفاصيل ما يجري يجب أولا القيام بأمرين :
-الأول عدم الاهتمام كثيرا بالتصريحات والبيانات الصادرة من بعض الأطراف خاصة رعاة المبادرة التي يغلب عليها اللغة الدبلوماسية والعبارات المنمقة،لان ليس كل ما يجري في الخفاءويطرح في الغرف المغلقة والاتصالات الثنائية يتم الإعلان عنه وكشفه للعامة،والتركيز عوضا عن ذلك على تحركات تلك الاطراف على الأرض .
-والثاني التركيز على النقاط الغامضة والغير مفهومة ومحاولة إزالة الغموض عنها وفهمها قدر الإمكان .
نقاط غامضة :
هناك عدد من الاحداث و المواقف الغير منطقية المرتبطة بالأزمة الحالية اضفت مزيدا من الغموض على المشهد ومن ذلك:
1-الدخول المفاجئ لجمال بنعمر في الازمة في وقت كان الجميع ينتظر الإعلان عن بنود الاتفاق النهائي بين الدولة والحوثيين عقب تصريحات إعلامية لمسؤولين حكوميين وقيادات حوثية تفيد بالتوصل الى اتفاق بشأن القضايا الرئيسية الثلاث،إضافة الى النزول عند رغبة الحوثيين بتقديم الحكومة اعتذار رسمي عن أحداث المطار ورئاسة الوزراء وتعويض اسر الضحايا و تشكيل لجنة تحقيق مشتركة ،والموافقة على رفع مخيمات الاعتصام على مرحلتين، فكان غريبا دخول المبعوث الاممي على الخط في اللحظات الأخيرة والاغرب من ذلك مطالبته العودة إلى نقطة الصفر والبدء بمفاوضات جديدة بل وتوسيع القضايا المطروحة الى عشرين قضية تحت مبرر رغبته بان يكون الحل شاملا .
-لاشك أن كل ذلك يجعل من التوصل الى اتفاق امر شديد الصعوبة ان لم يكن مستحيلا،وظهر الامر وكأن هناك قوى تدفع نحو افشال الحل السلمي للازمة خاصة ان بنعمر معروف بليونته مع الحوثيين وبسياسة النفس الطويل والتي لا تلائم نوع وحدة الازمة الراهنة سيما مع تفجر المواجهات في عدة مناطق في العاصمة ومحيطها وتزايد احتمالات خروج الوضع عن السيطرة تماما في حال تأخر الحل السلمي.
2-نظرا لان المفاوضات الحالية تجري تحت ضغط التصعيد الميداني وخنق العاصمة والتهديد بإسقاط الحكومة بالقوة،ما يرجح حصول الحوثيين على مكاسب سياسية في أي اتفاق يتم التوصل اليه خاصة مع تعمد بنعمر توسيع رقعة القضايا المطروحة للتفاوض،ولان اشراف بنعمر على المفاوضات يضفي على الاتفاق القادم شرعية دولية سيتم التأكيد عليها لاحقا في اجتماع مجلس الامن القادم حول بلادنا.
-ومع عدم اعتراف الحوثيين بالمبادرة الخليجية والاسس التي قامت عليها التسوية السياسية وتباين رؤيتهم حول عدد من القضايا مع ما تم اقراره في وثيقة مخرجات الحوار الوطني كما حصل في مسألة الأقاليم و تملصهم بعد ذلك من التوقيع عليها كل ذلك يثير التساؤل حول مدى تأثير الاتفاق الجاري التفاوض عليه بشرعية تلك المرجعيات\" المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني ؟ او ربما يتم اتخاذه ضمن مجموعة من المبررات لتبني بنعمر ودول راعية للتسوية الدعوة لإجراء تعديلات على تلك المرجعيات تجعلها ملائمة للتحولات الجوهرية التي شهدتها بلادنا في الأشهر الاخيرة ،ولاننسى هنا أن الحوثي قد طالب مرارا بذلك صراحة.
3- تعارض التصريحات الصادرة عن قيادات في الجماعة حول توصل المتفاوضين الى مسودة اتفاق نهائي مع الاخبار المتتالية عن توسيع مضطرد لقائمة المطالب المقدمة من قبلهم،إضافة الى صعوبة الاقتناع بتضمن تلك المسودة لاتفاق بشأن انسحاب الحوثيين من عمران ووقف المعارك في الجوف،وكان لافتا تجنب الحوثيين في تصريحاتهم حول مسودة الاتفاق النهائي الإشارة الى موضوعي عمران والجوف في حين تولى الاعلام المحسوب على الرئيس السابق التأكيد على شمول مسودة الاتفاق لذلك.
-تم الترويج للاتفاق الذي افشل في اللحظات الاخيرة بأنه كان اتفاقا شاملا ومثاليا ويصب لمصلحة البلاد وفي الوقت ذاته حرصت وسائل الاعلام المحسوبة على بعض القوى توجيه أصابع الاتهام للرئيس هادي بالوقوف وراء افشال التوقيع عليه تارة بالتلميح بوقوفه وراء دخول بن عمر على الخط وأخرى بالترويج لمعلومات عن استبداله للارياني وهلال من لجنة التفاوض
-ورغم خطورة الوضع الا اننا نجد مراكز القوى منشغلة في تصفية حساباتها مع الرئيس كما حصل في محاولاتها اخراج كلام الرئيس لسكان حزيز عن سياقه رغم وضوح الامر والهدف منه في التأكيد للحوثي باستحالة اسقاط العاصمة في يده ليس لان الجيش سيتصدى له فقط ولكن لانه سيواجه صعوبة في السيطرة على كل بيت من بيوت صنعاء مع امتلاك اليمنيين للأسلحة وحقهم في الدفاع عن انفسهم وممتلكاتهم ،وهذا الامر كان الرئيس السابق قد أشار اليه العام 2011م .
-حرص هادي الشديد على الحوار وانجاح الحل السياسي للازمة لايعني خذلان العاصمة وترك سكانها فريسة لمسلحي الحوثي كما يحلو للبعض اتهامه بذلك بقدر ما هى محاولة منه لتجنيب اليمن كارثة عظيمة خاصة مع تعدد ولاءات الجيش للأسف الشديد بين صالح ومحسن وهادي والحوثي والحراك ومن ثم فان احتمالات انقسامه وارده ،إضافة الى ضغوط إقليمية ودولية هائلة يتعرض لها لمنعه من استخدام القوة ومع ذلك فقد ارسل هادي عبر تعامله الحازم مع محاولة اقتحام مجلس الوزراء رسالة قوية يفترض ان يفهمها الحوثي جيدا خاصة ان ذلك الحزم كان مع ما يفترض انهم متظاهرين سلميين فكيف سيكون عليه الحال في التعامل معهم بعد تحويل نشاطهم الى هجمات مسلحة داخل العاصمة.
3-محاولات الرئيس السابق في الأيام الأخيرة نفي أي علاقة له بالحوثيين كتصريحه يوم 16/9 وقبلها بيومين دعوته الضمنية للحوثيين للتظاهر السلمي وعدم اللجوء إلى قطع الشوارع، وتذكيرهم بحرب السبعين ،صحيح انها قد تكون محاولة منه لتجنب فرض عقوبات دولية عليه من قبل لجنة مجلس الامن بذريعة العمل على تقويض العملية السياسية .
-لكن استغلال الرئيس السابق حادثة النفق لتركيز لقاءاته في الأسابيع الماضية بدرجة رئيسية بمشائخ واعيان وقيادات المؤتمر في المناطق التي يسيطر عليها الحوثي او ينشط فيها خاصة في مديريات محافظتي عمران وصنعاء وفي محافظتي صعدة وذمار بدرجة تالية ،ظهرت وكأنها رسائل غير مباشرة للحوثي يؤكد له فيها قدرته على التأثير في تلك المناطق وقلب الأوضاع فيها متى أراد ،وهو ما يوحي بانزعاج وقلق الرئيس السابق من تحول ما غير ظاهر للعيان او خطوات قام بها الحوثي في الفترة الأخيرة ،لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا ما هي تلك الخطوات التي ازعجت صالح ؟
-نظرا للدور الذي لعبه مشائخ وقيادات مؤتمرية في عمران لصالح الحوثي وانخراط انصار الرئيس السابق في احتجاجات الحوثي في العاصمة يجعل من المنطقي استبعاد ان تكون سيطرة الحوثي على عمران او تصعيده الحالي في العاصمة السبب في قلق صالح ،ما يعني أن هناك سبب اخر غير معروف لكن على الأرجح له علاقة بإثارة ممثلي الحوثي في المفاوضات الراهنة لموضوع العدالة الانتقالية وعلاقة ذلك بنظام صالح وحروب صعدة الست،وكذا تقديم الحوثيين مقترح بحل البرلمان الذي يحظى فيه نواب المؤتمر الشعبي الموالين لصالح بالأغلبية فيه.
-كما أن قلق الرئيس السابق على الأرجح له علاقة بتصاعد حدة خلافه مع هادي التي انعكست سلبا على المؤتمر الشعبي وتماسكه الداخلي،ما يوحي ان قلق صالح راجع الى مخاوفه من ابرام الحوثي صفقة ما او التحالف مع الرئيس هادي والذي سيكون على حسابه ،وهذا الامر قد لايكون مستبعدا خاصة مع إصرار الحوثي منذ بداية الازمة الراهنة على التواصل المباشر مع هادي وهو ما أشار اليه تقرير اللجنة الرئاسية في اكثر من فقرة وكان ذلك سببا في تعمد الحوثي افشال وساطة اللجنة .
- حقق الحوثي مراده بالتواصل المباشر مع هادي الأسبوع المنصرم حسب ما أكده مستشار الرئيس فارس السقاف لوسائل الاعلام،وفي حال تم التوصل الى حل سلمي بين الحوثي وممثلي الرئاسة في المفاوضات الحالية فسيتحول الحوثي الى شريك سياسي لهادي في هذا الاتفاق على الاقل،ما يفتح الباب امام إمكانية تحالفهما في الفترة القادمة،لكن في هذه الحالة ما نوع التحالف الذي يسعى الحوثي لإبرامه مع هادي؟.
5- حرص حزب الإصلاح على تجيير الاصطفاف الوطني لصالحه خاصة بعد التفاعل الشعبي الكبير مع الدعوة ،وذلك عندما قام بتحويل الاحتشاد الشعبي -الذي دشن أولى فعالياته-من شارع الزبيري -الى شارع الستين الغربي فظهر وكأن المحتشدين هم من انصار الإصلاح وكان المفترض إقامة الفعاليات في ميدان السبعين الذي يحسب على رئيس الجمهورية ولم يعد يحسب على الرئيس السابق وكان من شأن ذلك دفع الالاف من انصار المؤتمر للمشاركة في تلك الفعاليات،المهم ان ذلك أتاح الفرصة لزعيم الحوثيين للتقليل من أهمية ودلالة الاحتشاد الشعبي بوصفه المحتشدين رغم ضخامة اعدادهم بالدواعش والتكفيريين .
-من الواضح ان قيادة الإصلاح حاولت استغلال المشاركة الكبيرة في فعاليات الاصطفاف لاستعادة الروح المعنوية والحماس لأنصارها بعد الضربات المؤلمة التي تعرض لها الحزب في عمران على يد الحوثيين ،لكن من الغريب أن يكون قادة الإصلاح يعولون على هذا الأسلوب في معركتهم الراهنة مع الجماعة بعد أن أثبتت معركة عمران عدم فاعلية مثل هذه الحشود على مسار الاحداث ،ما يرجح أن الإصلاح أراد من تلك الحشود ارسال رسالة للخارج بانه ما يزال قوة رئيسية في الساحة ،لكن لماذا ارسال مثل هذه الرسالة اصلا؟ .
6- رغم ما يحظى به هادي من دعم دولي غير مسبوق الا ان الوضع مختلف في هذه الازمة فلم يتجاوز الدعم الخارجي له البيانات المكتوبة والعبارات الانشائية التي تجاهلت حتى الإشارة الى حق الدولة في استخدام كافة الوسائل لحفظ الامن والاستقرار فيها ومكتسبات التسوية السياسية، ورغم ان الازمة الحالية تفوق في خطورتها ازمة 2011 الا ان السعودية الراعي الرئيسي للمبادرة والتي اودعت في تلك الفترة مليار دولار في البنك المركزي لمنع انهيار الريال وقدمت مشتقات نفطية بأكثر من ثلاثة مليار دولار تجاهلت تقديم أي دعم مالي خلال هذه الازمة بل وتلكئت في الإيفاء بوعود سابقة للرئيس هادي
- لم يقتصر الامر على ذلك فقد قامت السعودية بسحب غالبية دبلوماسيها واجلت طلابها الدارسين باليمن وأوقفت خطوطها الجوية رحلاتها الى اليمن وكأنها تبشر بانفجار قريب للوضع وعدم قدرة النظام على احتواءه ،كما أن اعتزام تحالف قبائل حضرموت المقرب من السعودية والممول من تجار حضارم اطلاق هبة حضرمية جديدة في ال 20 من أكتوبر المقبل ،أمر مثيرا للشك في توقيته ودوافعه واهدافه،فلا مجال للصدف في مثل هكذا وضع ولا يمكن استبعاد اعتباره محاولة لاستغلال انشغال النظام بالوضع في العاصمة لتحقيق بعض المكاسب ،لكن الامر الاكثر ترجيحا يتمثل في وجود توجه سعودي لتهيئة تحالف القبائل للتحول الى لاعب سياسي رئيسي في الفترة القادمة؟.
-اما أمريكا الحليف الرئيسي لهادي والتي ينادي انصار الحوثي لها بالموت في كل جلسة مقيل فلم تبد أي موقف جاد ضد الجماعة يتناسب مع مستوى تحالفها مع هادي او مع حجم الخطر الذي بات يهدد العاصمة والنظام والتسوية السياسية،فما تزال العبارات الانشائية المطاطة هي الطاغية على الموقف الأمريكي بل ان سفيرها بصنعاء حرص على مغازلة الجماعة في تصريحه الأخير بحديثه عن عدم وجود موانع من التواصل المباشر معهم والتأكيد على كونهم جزء مهم من مكونات الشعب اليمني .
-صحيح ان بيان مجلس الامن الأخير كانت لغته قوية ومباشرة للحوثيين وبصورة مشابهة لبياني سفراء الدول العشر ،لكنها تبقى مواقف نظرية وغير ملزمة ولم يترتب عليها أي إجراءات او تحرك على الأرض ،لكن هل يعقل أن تلك الدول غير مدركة لحجم الخطر المحدق باليمن وانه قد يطيح بكل الجهود التي بذلتها خلال السنوات الماضية ؟وهل انشغالها في تشكيل تحالف لمحاربة داعش هو السبب في تراجع اهتمامها باليمن ؟لا أعتقد ذلك ويبدو أن ما يحدث من مفاوضات واشتباكات مسلحة عبارة عن مرحلة مخاض وعملية تهيئة لعقد مؤتمر دولي في السعودية يتم فيه اجراء تعديل جوهري على مرجعيات التسوية السياسية (المبادرة الخليجية ووثيقة المخرجات)وفق تفاهم سعودي -إيراني -امريكي كان للمخابرات العمانية النشطة جدا في بلادنا دور رئيسي فيه، لكن ماهى التعديلات المطلوب اجرائها وما تفاصيل الطبخة الجاري تجهيزها ؟هذا ما سأتناوله بالتفصيل في المقال القادم انشاء الله تعالى .
aziz5000000@gmail.com