تتزايد الضغوط على الرئيس هادي لإقحام الجيش وأجهزة الدولة في حرب جديدة مع الحوثيين, ويتباكى البعض على الدولة وعلى جيشها متسائلين أين دورهم في كبح جماح الحوثي الذي يرابط مقاتلوه على مشارف العاصمة صنعاء؟ ويعمدون الى اظهار الرئيس هادي في صورة الضعيف الغير قادر على المبادرة والمتردد في اعلان قرار الحرب.
بالتأكيد فان وجود مجموعة مقاتلة تحمل السلاح خارج اطار الدولة يتنافى كلياً مع مفهوم الدولة الحديثة والجيش الوطني الحامي لها, وتعتبر مثل تلك الأوضاع غير مقبولة في الدول التي تحترم نفسها.
في نفس الوقت فإنه من الإجحاف تحميل الرئيس هادي المسؤولية, فالجميع يعرف من هي الأطراف التي أوصلت الأوضاع الى ما وصلت اليه, وساهمت خلال العقود الثلاثة الماضية في تقويض الدولة وتحويل جيشها الى جيش عائلي قبلي يتبع مراكز نفوذ, وأدارت البلد بالأزمات والحروب وصنعت لنا عشرات القضايا ابرزها القضية الجنوبية وقضية صعدة.
وصل الرئيس هادي الى السلطة في ظروف صعبة وأوضاع معقدة وعاصمة مقسمة بين جيش منقسم الولاءات ويخوض حرب بينية, وان كنا لا نبرئ الرئيس من بطئ واخفاق الإصلاحات التي شرع فيها, لكننا في نفس الوقت لا نتقبل الانتقادات التي توجه اليه خصوصاً من أطراف تعرقل اصلاحاته, وتضع فيتو على قرارات هيكلة الجيش والأمن, وتعترض حتى على تغيير محافظ او مدير أمن أو نقل قائد لواء, ثم يحملون الرئيس المسؤولية, يضعون العقبات امامه ويتبرؤون لاحقاً من الفشل.
لم يتمكن الرئيس حتى اللحظة من اختبار الحوثيين, ومدى استعدادهم لتطبيق مخرجات مؤتمر الحوار لأن الأطراف التي تتشارك السلطة ترفض حتى الآن الشروع في تأسيس دولة الشراكة الوطنية التي نصت عليها مخرجات مؤتمر الحوار وبالأخص قرارات فريق قضية صعدة, ليتم تطبيق تلك المخرجات دون اجتزاء أو تحايل وفقاً لقاعدة "شركاء في الحوار شركاء في التطبيق", ومنها ما يتعلق بالسلاح وبسط سيطرة الدولة على كل شبر في اليمن.
إضافة الى أن هناك سؤال جوهري وهو: كيف يتم الدفع لإقحام الدولة بجيشها في حرب جديدة وحبر الاعتذار عن حروب صعدة لم يجف بعد؟, وبالأخص عندما يأتي التحريض من أطراف اعتذرت بنفسها عن تلك الحروب سواء عبر تصريحات علنية كما فعل علي محسن الأحمر وصادق الأحمر بل وحملوا صالح المسؤولية, او عبر مشاركتهم عبر حزب الإصلاح في صياغة وإقرار الاعتذار الذي تم الاتفاق عليه في اللجنة الفنية للحوار ومشاركتهم في إصداره لاحقاً كقرار صادر عن مجلس الوزراء وبالإجماع قبل أكثر من عام.
يعتذرون ويتبرؤون من الحروب الست ويحملون الرئيس السابق صالح مسؤوليتها ثم يسعون الى توريط الرئيس هادي في نفس الفخ, ومن ثم يحملوه المسؤولية كما فعلوا مع سلفه.
الرئيس ووزير دفاعة أكثر وعياً بما يخططه علي محسن الأحمر ومحمد اليدومي وأولاد الأحمر, ويعرفون مرادهم, ويقرأون نواياهم فهم ملاصقين لهم منذ عقود, ولا اعتقد أنهم سيقعون في هذا الفخ.
وأكاد أجزم أنه لولا مرابطة الحوثيين بالقرب من صنعاء لكانت تلك الأطراف قد انقلبت على الرئيس أو اغتالته, لكنها تشعر أن مثل هكذا مغامرة ستكون في صالح الحوثيين وستبرر لهم الوصول الى أمانة العاصمة صنعاء, فلولا وجود الرئيس هادي لكان هناك تأييد واسع لعملية عسكرية يقوم بها الحوثيون ضد مراكز النفوذ -الأحمرية- التي أكلت الأخضر واليابس وقتلت عشرات الآلاف من المواطنين في اليمن شمالاً وجنوباً عبر ادخال البلد في عشرات الحروب الداخلية.
الرئيس هادي هو الضمانة الوحيدة لتلك القوى وعليهم التشبث به بأيديهم وأسنانهم, وعليهم أن يفهموا أنه ليس مدفعاً بأيديهم يحركوه كيف ومتى شاءوا, فلولا الشرعية التي يمنحها للنظام لكان وضعهم في صنعاء انتهى على نفس المنوال الذي انتهى عليه وضعهم في حاشد وعمران.
الى تلك القوى أقول: المشكلة ليست في سلاح الحوثي, أو في اقتراب مده السياسي أو حتى العسكري من صنعاء, المشكلة في غياب الدولة وفي رفض تطبيق مخرجات الحوار وأنتم المسؤولون عن ذلك, فأنتم مصرون الى اليوم على تقويض ما تبقى من الدولة, وتعترضون على أي جهود تُبذل لتأسيس دولة شراكة وطنية تتمكن من تحمل مسؤولية الانتقال بالبلد الى المستقبل وتكشف عن الطرف المعيق لذلك الانتقال, ومستمرون في الاستحواذ على الوظيفة العامة وعلى ما تبقى من ثروة, فتجرعوا بعضاً مما اسقيتم هذا الشعب لعقود فقد "جنت على نفسها براقش".
albkyty@gmail.com
- نقلاً عن صحيفة الأولى: