|
لنتوقف جميعاً عن ارتكاب الأخطاء
بقلم/ احمد عبيد بن دغر
نشر منذ: 10 سنوات و 10 أشهر و 24 يوماً الإثنين 30 ديسمبر-كانون الأول 2013 09:08 م
بدايةً دعونا نعزي أهلنا بالضالع بمصابهم الجلل، والذي هز أعماقنا واستدعى غضبنا، فما حدث كان جريمة، يجب نشر الحقيقة كل الحقيقة حولها، وتقديم الفاعلين للمحاكمة، إعمالاً للقانون، القانون وليس غيره.
جاءت هذه الحادثة ونحن نمر بظرف صعب، ولحظات مهمة في تاريخنا.. العقل، والعقل وحده مدعو الآن لإنقاذنا، وإنقاذ بلادنا مما هي فيه، لم أطلب الحكمة فهي بعيدة عنا اليوم للأسف الشديد.
.
إن الوثيقة -التي يعتقد البعض أنه قد حصل عليهاً، اتكاءً على حضور رئيس الجمهورية إلى فريق الستة عشر يوم الاثنين، والثلاثاء الماضيين- قد أحدثت شرخاً عميقاً في الموقف الوطني والنسيج الاجتماعي، وأصابت التوافق في مقتل، ولم تحقق الإجماع الذي كان منشوداً، حتى لم تحقق الغالبية المطلوبة وفق النظام الداخلي.
.
لقد حضر الرئيس إلى فريق الستة عشر، وأجرى على الفور حواراً مع ممثلي المكونات السياسية، منفردين ومجتمعين.. كان هناك أمر واحد يسيطر على تفكيره باعتباره جوهر القضية ومركزها، هو شكل الدولة.. كان رأيه أنها دولة اتحادية من ستة أقاليم، اثنان منها في الجنوب، وأربعة في الشمال، مستبعداً خيار الدعوة إلى استعادة الدولة الذي تمسك به الحراك في الحوار وكذا الدعوة إلى إقليمين الذي تمسك به الحزب الاشتراكي وأنصار الله.. ولم يحصل الرئيس على الإجماع الذي كان يتوقعه، لكنه كاد أن يحصل على 90٪ من أصوات الحاضرين في الجلسة الأولى، خصوصاً الكتل الوطنية الكبرى.
.
وبمشورة من البعض عدّل الرئيس مقترحه، أحال بموجبه موضوع شكل الدولة إلى لجنة يترأسها هو.. وقد وافقناه، لكن فجأة وجدنا أمامنا مشروع وثيقة لجنة الستة عشر المنبثقة عن فريق القضية الجنوبية ولم يكن هذا التقرير محل اتفاق، صحيح أنه قد نوقش مرات وعُدّل أربع مرات على الأقل، أصبغت عليه روح يمنية، وحُذفت من صلبه مقاطع وفقرات وجمل، كان آخرها من قبل اللجنة المصغرة التي شكلها الرئيس.
.
إن أحداً لا يستطيع الادعاء بأن الوثيقة قد مثلت رؤية مشتركة للمتحاورين، لذلك أحجمت أحزاب رئيسية عن التوقيع، وسحب الشباب، والمنظمات توقيعهم، وبصرف النظر عن أسباب ومبررات الممتنعين عن التوقيع على الوثيقة أو الموافقين عليها، فالوثيقة اليوم قد شُوّهت بدرجة لم نتوقعها، ومع ذلك لا يجوز إسقاطها كليةً، كما لا يجوز قبولها بما فيها من عيوب.
.
اليوم تنعقد أولى اجتماعات الجلسة الختامية، والمشهد الوطني ينبئ بتطورات خطيرة، أقربها ازدياد حدة الصراعات الأهلية واتساعها.. وأبعدها - وهو محتمل - انهيار الدولة وضياعها، وإذا حدث هذا -لا سمح الله- فسيكون ذلك ثمناً باهظاً ستدفعه الأمة.
.
هنا يجب أن تتراجع العصبيات القبلية، والمذهبية، والمناطقية، لمصلحة عليا، وقبلها يجب أن تختفي العصبيات الحزبية، فالأحزاب والمنظمات السياسية والاجتماعية مسئولة مسئولية مباشرة عن هذا الوضع المأساوي المأزوم، فهي دون غيرها من أوصلت البلاد إلى هكذا وضع، وعليها اليوم تقع مسئولية استعادة زمام المبادرة، بدايةً بالتخلي عن عصبياتها الحزبية، ووصولاً إلى قواسم مشتركة مع الآخرين حول المستقبل.
.
إن خلافاتنا قد انحصرت اليوم في أمور محددة، هذا ما عبرت عنه البيانات المعارضة، ومن العيب أن لا نبحث في هذه الخلافات.. الوثيقة التي وقَّع البعض عليها، وامتنع البعض الآخر عن التوقيع ليست كلها سيئة، وليست كلها طيبة، إن فيها قواسم وطنية مشتركة، كما أنها تتضمن بعض الثغرات التي يجب تصحيحها.
.
والأهم أن بعضاً من أهلنا في الجنوب يقبلونها على علاتها.. لقد قطع هؤلاء نصف الطريق نحونا ولا يجوز لنا تجاهل هذا التحول في موقفهم.. وعلينا أن ندرك أن أزمة الدولة والوحدة إنما بدأت بالجنوب وقبول البعض من الجنوب بالوثيقة -رغم تصلب وتطرف آخرين- يمثل تحولاً نوعياً في المواقف، ويحمل علامات فرز جديدة هناك.
.
الفريق ذاته الذي قاده الرئيس في الأيام الماضية مازال في تقديري قادراً على الوصول إلى توافق إذا كف الآخرون عن التدخل.. تدخل الآخرين الذين اختزلوا اليمن في مصالحهم الضيقة هم من أفسدوا الوثيقة وسدوا أبواب التوافق ومنعوا حدوثه في اللحظات الحاسمة.
.
قرّب الحوار بين وجهات نظرنا، وقد كنا أطرافاً متناحرة، وأذاب خلافاتنا حول شكل الدولة، وحول تقسيمها الإداري، وأقول تقسيمها الإداري لأن البعض يعتقد أن الأقاليم تمثل تقسيماً لليمن وبعثاً لدول، بوعي ومعرفة منهم، أو دون وعي ومعرفة، كيف يتصور المعارضون الدولة الاتحادية.. ما لم تفوض الكثير من الصلاحيات والإمكانات إلى الهيئات الأدنى.. وفي هذه الظروف وخاصة في الجنوب لم يعد ممكناً الحديث عن حكم محلي واسع الصلاحيات، هذا الأمر كان مطلوباً قبل سنوات، أما الآن فسقف المطالب في الجنوب قد ارتفع.. بين ما تم التوقيع عليه في هذه الوثيقة وبين استعادة الدولة.
.
لذلك تمثل الأقاليم الستة أقل الخيارات ضرراً على الوطن وعلى الوحدة.. ولم يكن هذا الخيار ممكناً لولا أن المناطق الشرقية قد حسمت أمرها، ولو لم تكن أقاليم تهامة والجند وسبأ قد عززت هذا الخيار بالإعلان عن نفسها.. وعلينا أن نمعن النظر في المعنى الذي أراد أن يرسله إلينا سكان هذه المناطق. فيما خيم الصمت على مناطق أخرى، وفي هذا أيضاً رسالة.. باختصار لن يأخذنا رفض الأقاليم الستة إلا إلى خيار واحد هو خيار الإقليمين، وهو كما قال أحدهم الخيار الذي يؤجل الانفصال، ولا يمنعه.
.
إن أكثر شوائب الوثيقة أنها تستدعي تدخلاً خارجياً مستديماً في اليمن، ونحن نعرف جميعاً مخاطر هذا التدخل، وكيف أودى ببلدان كثيرة إلى عواقب وخيمة، ثم أن التدخل الخارجي ممقوت لذاته، وعندنا نحن اليمنيين حساسية شديدة تجاه أي شكل من أشكال التدخل، حتى لو كان هذا التدخل تحت لافتة المواثيق الدولية ومبادئ حقوق الإنسان التي رأينا أثرها في أقطار عربية عدة، وقد امتد هذا التدخل.. ويراد له أن يستمر إلى ما لا نهاية، ومن الغريب أن الوثيقة تستدعي هذا التدخل دولياً وبإرادتنا، وفي نفس الوقت تستبعد بصورة فجة دور الرعاة الأصليين اشقائنا في دول مجلس التعاون الخليجي.
ولكن غصباً عنا، وهم من وقفوا معنا، وأمدونا بالمال الذي منع الانهيار في ذروة الأزمة.
.
والحوار وحده سيعيد التوازن إلى الوثيقة، سوف يصحح المواقف حول طبيعة الدولة، والنظام أجمهوري هو أو دون هوية جمهورية.. ودون هوية جمهورية، خيانة لتضحيات جسيمة لأجيال متعاقبة، ودماء كثيرة سالت على جوانبه.. كان مفتاح التغيير ونافذتنا على العصر، وغدا ناظماً لحركتنا، حركة المجتمع نحو المستقبل.
.
والحوار كفيل بتنقية الوثيقة من المبادئ التي صاغها الآخرون لنا وهي مبادئ تثير الشك باللغة التي عبرت عنها وبالمفاهيم التي استخدمتها.. والتي تحتمل أكثر من معنى، وربما أكثر من هدف.
.
إن ما تثيره الوثيقة بصيغتها الراهنة حول السلطة والثروة، مما يمكن عقلنته وجعله مقبولاً شمالاً وجنوباً، الثروة والسلطة مسألتان مهمتان، جوهريتان في تحديد شكل ومضمون الدولة وفي العلاقة بين أطياف المجتمع المتحد الموحد، وهما مسألة الخلاف فيها حق، والاتفاق حولها ضرورة.
.
ولا بأس أن نذّكر بأمر كنا قد تحدثنا عنه، لا يجوز أن ننظر للنفط وكأنه ثروة خاصة، لقد اتفقنا على أنه مورد طبيعي مِلْك للشعب اليمني، وكذلك الأمر للموارد الطبيعية الأخرى، إذاً فالأسباب المعارضة للأقلمة من هذا المنطلق أسباب واهية، وأخاف أن تكون أسباباً شخصية، اليوم النفط هنا، ربما غداً في مكان آخر.. حيثما وجد فهو ملكنا جميعاً، حقنا المشترك، فخيراته لا يجوز لأحد أن ينفرد بها.. علينا أن نصل إلى قاعدة عادلة في توزيعه، هذه هي القضية المحورية في الموضوع برمته، فتزول أسباب القلق لدى الأقاليم غير المنتجة له، ويرضى سكان الأقاليم المنتجة إذا ما حصلوا على نصيب عادل.. والعدل أراه بوضوح أن تذهب معظم موارد النفط إلى السلطات الاتحادية وليس إلى الأقاليم ليعاد توزيعها من جديد لتحقيق تنمية متوازنة.. وأعرف أن هذا لن يرضي بعضنا، لكن هؤلاء لا يفكرون إلا من واقع اليوم، وهذا الواقع متغير لا يدوم.
.
سينقذنا الحوار كما انقذنا في كل مرة، في هذا الفريق بالذات وفي بقية الفرق، لنتذكر كم اختلفنا حول الجذور والمحتوى، جذور ومحتوى القضية الجنوبية، القضية المركزية في الحوار وأساس الاتفاق أو الاختلاف، وكم عقدنا من اجتماعات وأجرينا من لقاءات، وتداولنا من أفكار.. وكنا مختلفين، ثم حقق الحوار والمناقشات الايجابية الاتفاق، والوفاق بيننا دون تدخل من أحد، وسنتفق بكل تأكيد.
.
لا أرى بأي حال من الأحوال أن تقدم هذه الوثيقة إلى فريق الأربعين، فريق القضية الجنوبية قبل التوافق حولها، فإذا عجز الفريق، وجب الاستعانة بلجنة التوفيق، فإن عجزت منحنا جميعاً تفويضاً مطلقاً للرئيس، ليحمل عنا عبء القرار، والرئيس وحده الأمل، والمؤتمن، وهو الشرعية.
.
كما لا يجوز أن تقدم الوثيقة إلى الجلسة العامة دون المرور بفريق القضية الجنوبية، ففي ذلك إخلال بنظام المؤتمر.. إن إصرار أي طرف بالخروج على النظام الداخلي للمؤتمر، كإصراره على الانفراد بتقرير مصير الوطن منفرداً، وهذا أمر لن تقبله بقية الأطراف الشركاء، شركاء الحوار والمصير الواحد.
إنني هنا أناشد الرئيس أن لا يسمح لرئاسة المؤتمر والأمانة العامة بالدفع بهذه الوثيقة إلى الجلسة الختامية.. يكفي خطأً واحداً يكاد يطيح بكل طيب حققناه خلال الأشهر الماضية، خطأً جديداً، قد يعصف بالنتائج التي تحققت في الحوار حتى الآن، نحن نربأ به ألا يصغي لدعوات من هذا النوع، فهي مدمرة ومهلكة، العقل وحده وإعماله في هذه الظروف هو ما نحتاجه، هو ما نطلبه اليوم، والعقل يستدعي الحوار، ويحتم الصبر والتأني، وإفساح المزيد من الوقت للتوافق حول الحلول.
.
إنني أرى التوافق والوفاق على مرمى حجر، قريب منا كقربنا من أنفسنا، وهو حقيقة تقترب من الإعلان عن نفسها، ثمرة يانعة تريد من كل الوطنيين اليوم قطافها، فلماذا التوتر في اللحظات الحاسمة، ولماذا التعصب؟ فإذا كان لا بد من التعصب فالتعصب مطلوب فقط للحفاظ علي اليمن موحداً.
.
وأخيراً من الخطأ الجسيم الإيعاز لوحدات الجيش والأمن لتعلن تأييدها للوثيقة أو تبدي رفضها.. هذا الأمر الذي برز إعلامياً بمعرفة وزارتي الدفاع والداخلية أو بدون معرفتهما ينبغي أن يتوقف.. يجب الحفاظ على حيادية المؤسسات العسكرية، وعدم الزج بها في الصراعات السياسية، ومن باب أولى يجب عدم إقحامها في قضايا الحوار، أو التدخل في خلافات الفرقاء.. سيمثل تدخل الجيش والأمن في المعادلة السياسية عنصر تأزم، لسنا في حاجة إليه، كما سينتقل الصراع إلى مربع جديد.. أمام الجيش مهام وطنية نبيلة وعظيمة الشأن، فلا يجوز أن ينشغل بغيرها. |
|
|
|
|
|
|