على مدى عقود والعالمان الاسلامي والعربي واقعين تحت دراسات حثيثة تعرضت لأدق التفاصيل في مختلف شئونهما ,وقد درستهما المؤسسات والاجهزة الغربية والامريكية وايضا الإسرائيلية دراسات سرية وعلنية تمت بصورة ممنهجة ,وجمعت فيها معلومات واسعه عن عالمينا في التاريخ والحضارة والسلوك الاجتماعي و المزاج العام والديانات والمذاهب والاعراق والاتجاهات الفكرية والاقتصاد والجغرافيا والفتوت والثقافة وغيرها , ولم تترك تلك الدراسات جانبا من الجوانب الا وتعرضت له وبمستوى يفوق كثيرا الدراسات التي قام بها ابناء العالمين انفسهم .
كانت تلك الدراسات تتم تحت اغطية متعددة من ابرزها الحركة المعلنة والتي روج لها كثيرا في عالمينا وهي المعروفة بحركة " الاستشراق " , وقد قوبلت بترحيب واسع وتسهيل كبير وتعاون لامحدود لا نها ترفع الشعر العلمي وتبادل المعارف , ورغم ان كل ذلك كان يتم باتجاه واحد فقط الا ان ذلك لم يمثل عائقا لها نظرا لإظهار الجنسية التي يحملها المستشرق - التي كانت في الغالب جنسيات اوربية - واخفاء العقيدة او الديانة و التي اتضح فيما بعد ان ما لا يقل عن 70% من المستشرقين الذين عملوا في عالمينا كانوا يحملون جنسيات اوربية ولكنهم يهوديي الديانة , ولهم ارتباط مباشر بالصهيونية العالمية وبمشروعها في المنطقة المتمثل في انشاء الكيان الاسرائيلي .
الاستخبارات الامريكية و من قبلها البريطانية و الصهيونية كذلك اكتسبت خبرة واسعة في العمل داخل عالمينا الاسلامي والعربي . واصبح لديها من تراكم التجربة ما يسمح لها بالتوغل في مختلف قضايا العالمين عميقا . وقد تدخلت تلك الاجهزة مباشرة في انشاء الدول التي قامت على تركت الارض التي اخلتها الدولة العثمانية بعد انكفائها على تراب تركيا , وتلاها تشكيل العديد من التداولات السياسية في تلك الدول والتي تنشئ علاقات قوية مع اغلب الاوعية السياسية فيها وتلعب دورا مهما في عملية وصولها للسلطة واستقرارها فيها واستبدالها وتحالفاتها , وهي تتبع في ذلك اسلوب تخويف او ضرب بعضها ببعض وتخويف لضمان سير الجميع ضمن خطوط حمراء لا يجب تجاوزها لمن اراد الاستمرار .
كما ان تلك الاجهزة الاستخباراتية ذات ارتباط بالعديد من المؤسسات والمنضمات وحتى الشخصيات العامة والمدنية و منها ما يدين لها بالوجود فضلا عن حماية نشاطها وهذا طبعا فوق تمويلها , وبالتالي فهي تتعاطى مع بعضها مباشرة وفق الروئ التي تجعهما على الاقل , كما ان اجهزة الاستخبارات تستخدمها في تنفيذ برامج عادة ما تكون مرعية منها , كما تقوم بالترويج لها ولمخرجاتها وبالقدر الذي تكون فيه تلك المخرجات منسجمة مع مأربها في العالمين الاسلامي والعربي .
الى توفر المعلومات والقدرة الاستخباراتية تحظى وسائل الاعلام ووسائل المعلوماتية المملوكة للغرب وللصهيونية العالمية بقدرة عالية وبانتشار واسع تمكننها من صياغة الراي العالم في عالمينا و توجيهه وتعبيته " بالمشهد " المراد لهما في مختلف الشئون .
تسيطر الصهيونية العالمية بشكل كبير على وسائل الاعلام وعلى وسائل المعلوماتية من خلال مراكز نقل وتداول وتوثيق المعلومة والصورة وبرمجتها وبثها وحجبها وتحويرها او اخفائها او اصطناعها , ومن ثم مخاطبة الراي العام في عالمينا مباشرة عن طريقها , وكانت في المراحل السابقة تتم بلغتنا ولكن من خلال مؤسسات اوربية عالمية لكنها اليوم طورت اسلوبها لتخاطبنا بلغتنا ومن خلال مؤسسات انشأت تحت مسميات خاصة بنا , وهذا فضلا عن استخدام قدرتها الاعلامية العالمية وقدرتها المعلوماتية الكبيرة في عمليات الدراسات وعمليات التجسس ولم تعد حتى تتحفظ على انها تقوم بذلك باستخدامها .
للصهيونية العالمية ثلاث عناصر هي توفر المعلومة عن عالمينا العربي والاسلامي , والقدرة الاستخبارية للعمل على ارضهما , والتفوق الاعلامي والمعلوماتي القادر على العمل الواسع في تشكيل الراي العام بهما , وهذه العناصر الثلاث تعطيها قدرة لا يستهان بها في ادارة العديد من الملفات وتحريك الكثير من الاوعية الاجتماعية ومن التجمعات الانسانية في عالمينا دوان ان تدري اغلبها انها محركة منها .
ما تركز عليه الصهيونية العالمية - اعتمادا بالدرجة الاولى على " المخرج الامريكي " - في هذه الفترة لانهاك المجتمعات وللاستفراد بثرواتها ومقدراتها ولتوفير الحماية وضمان التفوق النوعي الشاكل للكيان الاسرائيلي الغاصب هو ورقة " الطائفية " , والتي بدأت بتحريكها بقوة وتذكيها ما وجدت الى ذلك سبيلا وبشكل فاضح .
اليمن ليست إستثتاء فهي دولة من دول العالمين الاسلامي والعربي والعمل على تشغيل الطائفية فيها هو ما تعمل عليه الصهيونية العالمية كما تعمل في اي دولة اخرى من دول هذين العالمين , وبالطبع اليمن عبر تاريخه الحديث على الاقل لم يمارس فيه اي خطاي طائفي فضلا عن ان تمارس ممارسات طائفية وفضلا الإحتراب طائفيا , لهذا كان لابد لمنفذيي اجندات الصهيونية العالمية من البحث عن المنفذ الذي تنفذ منه لتوجد هذا الحال الذي سبق وفجرته في اكثر من بلد اسلامي وعربي وذلك في اليمن .
الاجندات الصهيونية العالمية تلاقت مع اجندة القوى الاقليمية الي تعتمد في مدّ نفوذها السياسي على استخدام ثقافتها المذهبية سواء بنشرها او بتكّوين جيوب من حامليها ليكونوا في مواجهة اي كيانات ترى تلك القوى الاقليمية عدم انسجامها مع اجندتها , واليمن هو دولة من طول المنطقة التي تعتمل فيها ادوار اقليمية بشكل مباشر وهيكلي والورقة الطائفية هي وليدة " شرعية " لهذه القوى اينما امتد نفوذها واليمن ليس استثناءت .
الأجندات السابقة التقت ايضا في اليمن مع أجندة القوى التسلطيّة في الحفاظ على مصالحها التي كوّنتها خلال عقود من تسلطها في البلد التي بدأت تتعرض للخطر في بضع السنوات الاخيرة , وكون عبث وتسلط هذه القوى في العقود الماضية قد افقدها القدرة على استخدام الورقة الرسمية وكذلك الورقة القبلية فلم يعد متاحا لها الا الورقة " الطائفية " .
التقت في اليمن الاجندات الثلاث في الحاجة للورقة " الطائفية " وبالتالي كان لابد من خلق هذه الورقة في وسط ليست موجودة فيه , ومن الطبيعي ان تكون بؤرة " تمايز مذهبي " مثل مركز سلفي يقع في منطقة معروفة بانها زيدية المذهب هدفا لمن يريد خلق الورقة الطائفية في اليمن .
دون وعي من الكثير ممن ينخرطون في هذه الفتنة الحاصلة في دماج بدأت القوى التي لها اجندات في اليمن باستخدام دماج كرافعة للورقة الطائفية في اليمن من خلال تقديم كافة مطلوبات الصراع ماديا ومعنويا وتسعيرا وتحشيدا ولم تتورع حتى عن الكذب وتصوير الامور على غير حقيقتها حجما وطبيعة , وهذا الامر هو ما اتمنى على الاخوة السلفيين في اليمن والاخوة انصار الله التمعّن من حولهم وقراءة الموقف جيدا وتفويت الفرصة على قوى الاستكبار العالمية والاقليمية وعلى قوى التسلط في البلد .
Alsharafi.ca@gmail.com |