ما أكتب من مقالات في بعض الأحيان عن المغتربين ومعاناتهم وهمومهم ومشاكلهم هو من باب نقل جزء بسيط مما يعانونه لكن ما أقصده اليوم هو شيء مشابه تماما لحالهم , أجدني وأجد زملائي في العمل مغتربين حقيقيين داخل وطني وبوزارة للمغتربين , أعاني ما يعانونه وأتألم مثل ما يتألموا بل أشد منهم .
سأكتب اليوم وقلمي يتأوه حسرة للسكون والخمول المتلازمين لإداراتها وقطاعاتها , وبمداد يزفر لهيباً لحال موظفيها اللذين يعانون الأمرين , وبحرف وكلمات وجمل وعبارات تعتصرها الألم عن (دار المرحلين ) عفواً أقصد وزارة المغتربين ! وإن كان اسمها اكبر من فعلها !
عشت فيها موظفاً مغترباً ما يقارب خمس سنوات عجاف لم أرها يوماً أن كلفت محامياً أو ساعدت مغترباً منكوباً أو دعمت نشاطاً خارجياً , يدخلها المرحلون والمساجين ممن خرجوا من سجون دول الاغتراب علهم يجدون آذاناً صاغية وقلوباً تفقه , فلا يجدون ضالتهم التي ينشدونها ! يريدون أن يشكو حالهم فيجدون الوزارة تشكي لهم حالها ! يخرجون منها بخفي حنين وكأنك يا بو زيد ماغزيت ! سيد الحظ منهم من خرج وبعد كفاح شديد بورقة فيها لفظ ( نحيل إليكم الشكوى) ! لأننا مستحيل أن نقدم لكم شيء ! يخرج المغترب منها ويطلقها طلاقاً بائناً لا رجعة فيها .
سأكتب عن وزارة خاوية على عروشها أنيط بها مهام كثيرة وكبيرة تجاه المغتربين فأضحت بؤرة للاغتراب ودار لاستقبال العجزة من الموظفين اللذين يتظورن جوعاً بسبب أن البند لايسمح !
سأكتب عن وزارة عاجزة عجز كلي عن أداء مهامها بسبب شلل الاعتمادات المخصصة لها وتحنط الموظفين بمكاتبها , عجزت هذا العام عن إرسال كتب لمدارس الجاليات اليمنية بدول الاغتراب , وعجزت عن تكريم فريق رياضي فاز بالمركز الأول على الجاليات بالسعودية , وعجزت عن إرسال تهنئة لدكتور يعتبر من الكوادر والكفاءات المهاجرة في الخارج والحائز على الجائزة الدولية للقيادات الشابة 2012م من المنتدى الاقتصادي العالمي.
سأكتب رثاءً للموظف المغترب المدفون حياً في وزارته شاكياً باكياً وقته الذي يمر دون أن يعين مغترباً أو يشاطره همه وغمه والسبب قد يكون سوء الإدارة وهيكلتها المنقرضة , وعن حضوره اليومي إن حضر ! ذهاباً وإياباً والذي يروح سدىً , متحملاً زحام الباصات وتكاليفها حاملاً أرشيفه الإداري بيده , خائفاً من موظف إداري متمكن أو موظف جديد قادر على التميز والمنافسة والإبداع .
ألم يحن الوقت للمسئولين عنها حصحصت الإدارات ونفض الغبار من مكاتبها وهيكلتها ؟ , وتعيين الموظف المناسب في المكان المناسب ؟ لأننا نجزم أن التغيير في إداراتها وإجراءاتها ومعاملاتها بات من الضروريات , فتحريك المياه الراكدة تساعد على تحسين الأداء وإنصاف المبدعين , أم أن الأمر مقتصر على عبد البديع وعبد السميع إن حضر أحدهما سقط عن الآخر !.
فالقلم مازال ممتلئ بالحبر وما كتب إلا الشيء اليسير وما خفي كان أعظم , ومع ذلك هناك بارقة أمل تلوح في الأفق علها تعيد للوزارة سمعتها ومكانتها وتعيد للمغترب حقوقه وللموظف المغترب ! أيضاً حقوقه ومستحقاته .
يقول أحد المفكرين ( إن عدم التفكير احتراما للسلطة هو أكبر أعدائها ) فالي متى سنظل مغتربين في وزارة الاغتراب يا وزير المغتربين !