|
أخوان آيدول
بقلم/ نبيل سبيع
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 20 يوماً السبت 31 مارس - آذار 2012 07:30 م
العرض العسكري الذي قدمته قوات اللواء علي محسن الأحمر في ساحة التغيير بصنعاء، السبت الماضي، أثار استغراب وتساؤلات كثيرين عن مناسبته وأسبابه وأهدافه، لكن الإجابة على هذه التساؤلات تكمن على الأرجح في المناسبة الوحيدة التي وافقت يوم العرض وبدت مرتبطة بشكل أو بآخر بالعرض العسكري الغامض.
واحتفلت المصرية كارمن سليمان بفوزها على منافستها المغربية دنيا بطمة بلقب الموسم الأول من برنامج "أراب أيدول"، بعرض ختامي أدت فيه إحدى أغاني أم كلثوم، بعد عدة ساعات من العرض العسكري الاحتفالي الذي قدمته قوات محسن في ساحة التغيير بصنعاء. ولا يبدو تزامن العرضين دون دلالة، حيث من المرجح أن العرض العسكري أتى في سياق برنامج شبه سري موازٍ لبرنامج "أراب آيدول".
"إخوان آيدول" هو برنامج جارٍ في إطار ثورات الربيع العربي، ومنها الثورة اليمنية، ولا يختلف من حيث المصدر ووكيله الإقليمي عن البرنامج الفني. فـ"أراب آيدول" يشكل النسخة العربية من البرنامج الأمريكي الشهير "أمريكان آيدول"، الذي تحتكره قناة "
mbc
" السعودية، والذي انتهى موسمه الأول مطلع الأسبوع بعد حصول القناة على حقوقه الحصرية العام الماضي.
ويبدو أن "إخوان آيدول" هو الآخر يشكل النسخة العربية الأحدث من برنامج أميركي شبه سري يتعلق ربما بإدارة الثورات المضادة في أصقاع مختلفة من العالم، كانت السعودية قد شكلت وكيله الإقليمي الأهم في منطقة الشرق الأوسط منذ عقود.
ويمكن إعادة جذور هذا البرنامج على الأرجح إلى منتصف القرن الماضي، حين ضربت واشنطن مع حليفاتها الغربيات حاجزاً من الثورة المضادة في وجه حركات التحرر الثورية القومية واليسارية التي اجتاحت المنطقة العربية ومناطق أخرى من العالم ضد الاستعمار الغربي، وهي الثورة المضادة التي واصلتها بعد ذلك بصور مختلفة أبرزها: التدخلات السياسية والعسكرية التي نفذتها بصور مباشرة وغير مباشرة في شؤون عدة بلدان، ودعم قائمة طويلة من الحلفاء المستبدين الذين يتألفون من أنظمة ديكتاتورية فاسدة وجماعات إسلامية متطرفة. وقد شكل هذان ركيزتين أساسيتين من ركائز استراتيجية الثورة المضادة التي مارستها واشنطن بحجة مواجهة المد الشيوعي، وتحت مظلة الحرب الباردة.
وإذا أردنا معرفة أبرز أعضاء تشكيلة نادي الثورة المضادة الذين اعتمدت عليهم واشنطن في المنطقة العربية منتصف القرن الماضي، فما علينا سوى معرفة تشكيلة حلفائها في مواجهة المد الشيوعي والحرب الباردة. لقد شكلت السعودية وبقية الملكيات العربية مع جماعتي الإخوان المسلمين والوهابية، أبرز حلفائها في مواجهة الاتحاد السوفياتي والكتلة الاشتراكية خلال الحرب الباردة، الحقبة التي بدا كما لو أنها عادت إلى الحياة مجددا إثر انطلاق الربيع العربي.
أصاب الانتصار المفاجئ لثورة الربيع العربي الأم في تونس، مطلع العام الماضي، الحكومات الغربية والعربية الموالية لها بارتباك شديد وواضح، وعزز انتصار الثورة التالية في مصر هذا الارتباك الذي عبرت عنه باريس والرياض على التوالي بفجاجة في آخر أيام بن علي ومبارك. لكن هذا الموقف الدولي والإقليمي المرتبك سرعان ما انتقل من مربع مواجهة ثورات الربيع العربي بثورة مضادة من الخارج، إلى مواجهتها بثورة مضادة من الداخل. وهنا، برزت الحاجة كما يبدو إلى حصان طروادة قادر على حمل الثورة المضادة إلى قلب الربيع العربي، وتأمين نجاحها من الداخل.
ويبدو أن جماعتي الإخوان المسلمين والسلفيين مثلتا هذا الحصان. ويسود الاعتقاد أن واشنطن عقدت اتفاقات استراتيجية مع الجماعتين الإسلاميتين المنسجمتين أيديولوجياً في البلدان التي شهدت ثورات حتى الآن، تقضي بتنحي الرؤساء والإبقاء على أنظمة الحكم القائمة، والتي تربطها بها تحالفات كما هي في إطار صيغة تقاسم للسلطة بين هاتين الجماعتين والعسكر الذين يشكلون الأعمدة الفقرية للأنظمة العربية. وبشكل عام، تبدو أطراف جبهة الثورة المضادة التي تشكلت في منتصف القرن الماضي، هي نفسها تقريبا التي تشكل جبهة الثورة المضادة في وجه الربيع العربي اليوم.
ويبدو واضحا، من التدخلات السعودية والقطرية الواسعة في شؤون البلدان التي شهدت ثورات شعبية في إطار الربيع العربي، أن واشنطن أوكلت لحلفائها الرئيسيين هؤلاء في المنطقة سلطات إشرافية واسعة على برنامج الثورة المضادة لهذه الثورات "إخوان آيدول". وتمارس الرياض والدوحة هذه التدخلات عبر حصان طروادة الإسلامي.
ويمكن تعقب أبرز الملامح الرئيسية لبرنامج "إخوان آيدول"، الذي لم تنتهِ فصوله بعد، من خلال ملامح البرنامج الفني "أراب آيدول".
فرغم الفارق الكبير بين مجاليهما، إلا أن هناك العديد من القواسم المشتركة بينهما. فـ"أراب آيدول" -الذي يعني "محبوب العرب"- يختص بصقل المواهب الفنية الصاعدة في المنطقة العربية، وتصعيد واختيار الأفضل منها، والأجدر بهذا اللقب. في ما يختص "إخوان آيدول" -الذي يعني "محبوب الإخوان"- بصقل المواهب العسكرية الثورية الصاعدة في المنطقة العربية، وتصعيد واختيار الأفضل منها، والأجدر بهذا اللقب. وللإخوان في كل بلد، محبوب أو أكثر.
وتتم عملية إقصاء وتصعيد المواهب الفنية في "أراب آيدول" على مراحل من التصفيات، ويتحكم الجمهور بقرار عملية الإقصاء والتصعيد في هذه المسابقة، إلى جانب اللجنة التحكيمية. وتمكنت كارمن سليمان ودنيا بطمة من صعود مراحل المسابقة كلها على حساب إقصاء بقية المتنافسين، حتى بلغتا التصفيات النهائية التي انتهت بإعلان فوز الأولى.
وتبدو عملية إقصاء وتصعيد المواهب الثورية في برنامج "إخوان آيدول" مشابهة لها في "أراب آيدول" من حيث ملامحها الرئيسية. فهي تتم على مراحل من التصفيات التي يتحكم فيها الجمهور أيضا بقرار عملية الإقصاء والتصعيد، إلى جانب لجنة تحكيمية (يفترض أن تكون سرية بحكم طبيعة البرنامج). ويبدو أن عرض قوات علي محسن في ساحة التغيير، الذي سبق عرض كارمن سليمان بعدة ساعات، أتى احتفالا بصعوده واستمراره مع شركائه وحلفائه في مسابقة "إخوان آيدول"، على حساب إقصاء أغلب الأفراد والجماعات الثورية المشاركة في الثورة، كالحراك الجنوبي والتكتلات المدنية والمستقلة ومسيرتي الحياة والكرامة والحوثيين.
وأتى العرض العسكري المثير والغامض بعد أيام على مواجهات 20 مارس، بين قواته وشركائه من ناحية، والثوار الحوثيين في ساحة التغيير من ناحية أخرى، التي أدت الى سقوط عشرات الجرحى، واعتقال عديدين من الطرف الأخير. وتمكن محسن وشركاؤه من إقصاء قطاعات واسعة من الثوار، بدءا من الحراك الجنوبي الذي انسحب باكرا من المواجهة والمسابقة عموما، لمعرفته بالمواهب الخارقة التي يتمتع بها محسن وشركاؤه في تسوير الأراضي والثورات.
وحوّل محسن وشركاؤه ساحة التغيير من ساحة مركزية للثورة الشعبية السلمية في اليمن، إلى مسرح لبرنامج "إخوان آيدول". لكن قطاعات ثورية عديدة فضلت المواجهة والاستمرار في الساحة بعد تحولها إلى مسرح لهذا البرنامج الثوري شبه السري، على المغادرة، قبل أن ينتهي الأمر بإقصاء بعضها بصور مختلفة، في حين صمد البعض الآخر. وتمكن محسن وشركاؤه من إقصاء قطاعات واسعة من الثوار المستقلين ومسيرتي الحياة والكرامة والحوثيين الذين كان يفترض بهم المغادرة باكرا لولا أنهم صمدوا مع بعض التكتلات الثورية المستقلة التي رفضت معهم مغادرة المسابقة بعد كل محاولة إقصاء يواجهونها كما حدث في مواجهات 20 مارس.
لكن، بقدر ما توجد قواسم مشتركة بين المسابقتين، توجد فوارق عدة بينهما. فمسابقة "أراب آيدول" تجري بين المواهب الفنية المشاركة بصورة فردية، فيما تجري مسابقة "إخوان آيدول" بين تيار ثوري محدد يتألف من حماة الثورة العسكريين (والقبليين في حالة اليمن) والإخوان المسلمين مع السلفيين، وبين بقية أفراد وشرائح المجتمع.
وفي حين تشهد الأولى عمليات إقصاء وتصعيد فردية وصولا إلى التصفيات النهائية التي تنتهي بفوز مرشح واحد باللقب، تتيح الأخيرة مشاركة الأفراد والجماعات، وتشهد عمليات إقصاء وتصعيد فردية وجماعية أيضا، ويمكن أن تنتهي بفوز "دويتو" أو فرقة كاملة من المرشحين. ومن المتوقع أن يتقاسم "الدويتو" علي محسن وحميد الأحمر الفوز بلقب "إخوان آيدول" في اليمن، كونهما يخوضان غمار منافسة واحدة مشتركة كأبرز رمزين لحماة الثورة العسكريين والقبليين، وباعتبارهما "المحبوبين" الأبرز للإخوان في اليمن.
واستخدمت كارمن سليمان ودنيا بطمة صوتيهما في "أراب آيدول" في إقصاء منافسيهما وعبور مراحل المسابقة الى التصفيات النهائية، فيما استخدم "الدويتو" علي محسن وحميد الأحمر قوات الفرقة الأولى مدرع وميليشيات لجنتي النظام والأمن في الساحة المسلحة بالرشاشات والهراوت، في إقصاء منافسيهم في الثورة، وفرض برنامجهم "إخوان آيدول" باعتباره برنامج الأمر الواقع. كما استخدموا جمهورهم أيضا.
ويتألف جمهور "أراب آيدول" من متابعين ومتابعات غير معروفي الهوية للبرنامج من مختلف البلدان العربية، يجمعهم حب الفن، ويصوتون بإرادتهم الحرة، بخلاف جمهور برنامج "إخوان آيدول" الذي يتألف من أعضاء الحركة، إضافة إلى السلفيين في عدة بلدان عربية، ويجمعهم حب السلطة والسعودية وقطر، ويدعمون مرشحي هاتين الدولتين التزاما بقرارات قياداتهم العليا.
وتلعب مشاركة الجمهور دورا حاسما في تصعيد وإقصاء المواهب المتنافسة في البرنامجين، لكن هناك فارقا كبيرا بين طريقتي التصويت. فجمهور "أراب آيدول" يشارك في عملية تصعيد مرشحيهم وإقصاء منافسيهم من خلال التصويت لهم عبر رسائل الـ(
sms
). فيما يشارك جمهور "إخوان آيدول" في عملية تصعيد مرشحيهم وإقصاء منافسيهم باستخدام الحجارة والهراوات والسكاكين والأسيد وصولا الى الرشاشات النارية.
تصفيات برنامج "إخوان آيدول" جارية على قدم وساق في أكثر من بلد عربي كمصر وليبيا وسوريا، حيث يوجد للإخوان في كل هذه البلدان محبوب عسكري أو قبلي وهابي متشدد كعلي محسن وحميد الأحمر. وفي حال نجح البرنامج في هذه البلدان، من المتوقع أن يلتقي الدويتو محسن وحميد بالفائزين باللقب في تلك البلدان، ويؤدوا مجتمعين "أوبريت الحلم العربي"، لكن بعد تحويله إلى أنشودة إسلامية.
*نقلا عن الاولى:
|
|
|
تعليقات: |
الإخوة / متصفحي موقع وفاق برس نحيطكم علماُ ان
- اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
- أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
- يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
|
|
|
|
|