الجماهير تتأهب والإخوان: لا رئيس بعد \"مرسى\". تمرد في الميدان، وتشرع بجمع الاستمارات وتجرّد ترد. الإخوان تبدأ حرب الحياة والموت. الإخوان تناور بدعوة للمصالحة، والنور والجماعة لإقناع المعارضة بالتراجع. سياسيون يرفضون دعوة الرئيس للمصالحة الوطنية. الأحزاب الإسلامية ترصد تحركات رجال أعمال ورموز (النظام السابق) لإشعال الفوضى. \"مرسى\" يبحث مظاهرات 30 يونيو مع الإسلاميين والانقاذ تعتبر ذلك تعزيزاً للانقسام. القوى الشعبية تتأهب ليوم الفصل ودعوات للاعتصام حتى إسقاط \"مرسى\". وسياسيون يدعون لحقن الدماء.
السيسى: قادرون على حماية الوطن وعقيدة الجيش هي التضحية من أجل مصر. وأكّد على أن الجيش لن ينزل إلى الشارع ليحارب شعبه، لأنه يعمل لمصلحة البلد. والشرطة تنحاز للشعب.
إثيوبيا: لا نقبل أي اقتراح مصري لوقف أو تأخير بناء سد النهضة. واتهامات للإخوان بتوظيف سد النهضة للهروب من مشاكلهم الداخلية.
عناوين ساخنة وعناوين أخرى أكثر سخونة، طالعتنا بها الصحف المصرية الصادرة اليوم واليومين الماضيين وستكون على الشاكلة ذاتها، إن لم تصل إلى درجة الغليان - لا سمح الله- في الأيام القادمة، والتي تعبّر عن الحالة السياسية المصرية المتأزمة منذ الإطاحة بالرئيس \"حسني مبارك\" وازدادت تأزماً منذ تولي الرئيس \"محمد مرسي\" مقاليد حكم الدولة المصرية، بعد انتخابات رئاسية كانت محل جدل ولغطٍ بالغين، حول عملية إجراءها ونتيجتها، وما ترتب عليها من سياسات وإجراءات مختلفة، اعتبرتها التيارات المناوئة (إخوانية) طبق الأصل ومن الدرجة الأولى.
حتى الآن وقبل أيام قليلة تفصلنا من بدء فعالية تظاهرات التيارات السياسية المناهضة، أو كما يسمونها (الثورة) ضد الرئيس \"محمد مرسي\" أو ضد (الدولة الإخوانية)، وهي التي ستكون يوم 30 من الشهر الجاري، والتي تم الإعداد والتحشيد لها منذ فترة طويلة ساهمت في إثرائها التجاذبات السياسية الصاخبة بين القوى المختلفة واتسمت بالعناد والعنف المفرط، أوصلت البلاد إلى حالة الفوضى وأقرب إلى الاحتراب الداخلي، فإنه من المبكر على الخبراء والمراقبين للحالة، التكهن بنتائجها ولا يعرف بالضبط مدى مشاركة أو عدم مشاركة الذين ينجذبون لمختلف التيارات السياسية المعارضة وبصورةٍ أوضح من قاموا بتعبئة نماذج الاستمارات الداعية إلى سحب الثقة من الرئيس \"مرسي\" والعمل على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية جديدة.
مع أن هناك من الخبراء والمحللين قد وضعوا عدداً من السيناريوهات التي لا بد من وقوع أحدها، وهي في أدناها، أن يوم 30 سيكون عادياً مثل بقية الأيام، بمعني الانتهاء من طقوس التظاهرات بصورة سلمية، وهذا ما نُريد. وفي أعلاها أنه يوم مختلف، سيبدأ عنيفاً تتصارع فيه مختلف القوى الطائفية والسياسية والفئوية بالسلاح تتحول فيه مصر من إمكانية التوافق إلى نقطة اللاعودة وصولاً إلى الحالة السورية، وهي التي لا نريد أن ننظر تفاصيلها، لشدة تداعياتها المؤلمة، ليس على مصر وحسب، بل على مجموع الوطن العربي، لتطال أجيال قادمة.
ضمن تلك السيناريوهات، الأحزاب والقوى السياسية واصلت استعداداتها لمظاهرات 30 يونيو، باعتباره يوماً فاصلاً في تاريخ مصر، ودعت إلى الاعتصام المفتوح والإضراب حتى إسقاط الرئيس وجماعته.
وضمن السيناريوهات ذاتها، بدأت جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها، اتخاذ خطوات فعلية سبّاقة لدعم الرئيس \"مرسى\"، ضد مظاهرات 30. واعتبرت أن سقوط الرئيس \"مرسي\" يعنى أن الرئيس القادم لن يستمر فى منصبه أكثر من عدة أيام، وسيتم جمع توقيعات لإسقاطه. وفي هذا الصدد، دعت القوى الإسلامية، إلى تنظيم مليونية تضم جميع مؤيدى الرئيس يوم 21 من هذا الشهر أمام مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر، بدعوة الالتفاف حول الشرعية، وحذّرت من أنها ستقوم بالوقوف أمام أيّة محاولات تهدف إلى جرّ البلاد إلى الفوضى، وأنها ماضية في حماية إرادة الشعب وشرعية الرئيس.
لا شك وإذا كنا ننظر للحالة المصرية بموضوعية وشفافية أكثر، فإن تشخيصها ومنذ قيام ثورة 25 يناير، معلومة وواضحة. وهي ليست بحاجة إلى الكثير من التمرس والفلسفة الزائدة كي يُوصف لها الترياق اللازم لتجاوزها المحنة بسلام.
بغض النظر عن التدخلات الأجنبية في الشأن المصري، وعلى الرغم من حيازتها الجزء الأكبر في جرّ البلاد إلى هذه النقطة الحرجة، فإن هناك العديد من التجارب والأحداث المشابهة واجهتها دول وعانت منها دول أخرى، وكانت في كل مرة مليئة بالتدخلات الخارجية والدسائس المحلية، وقد كُتب لها النجاح وواصلت المسير نحو استقرارها ونماءها وتطورها، وهذه الأحداث ماثلة أمام الجميع مؤيدين ومعارضين.
إذ كان من المفروض - ليس عيباً ولا قصوراً- التعلّم منها والاقتداء بها، لا سيما وأن هناك بدائل وخيارات ممكنة وبهدوء، الالتجاء إليها، بدل الإسراع من غير مبرر إلى وسائل العنف التي ستجرف في طريقها اليابس والأخضر بلا حياء ولا رحمة.
الانتخابات الأمريكية الدولة الديمقراطية الأكبر في العالم، والانتخابات الإسرائيلية التي تعتبر نفسها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، وأيضاً التي جرت في دول أخرى معنية، فنزويلا، إيران، وغيرها، جميعها حدثت فيها أنواعاً من التجاذبات والتحديات بين التيارات السياسية المختلفة، لكن ينتهي ذلك كله حال ظهور نتيجة الانتخابات بغض النظر عن مساوئ اعترتها ونسبة الطعون التي لحقتها، حيث يسلّم الجميع بها ومن ثم تقوم القوى المنافسة والتي أصبحت على مقاعد المعارضة بتهنئة القوى الفائزة، بل وبالمشاركة في تنفيذ برامج الحكومة أو التي تتوافق مع توجهاتها على الأقل.
لذا، كان من الأفضل للجميع، والأقرب إلى السلامة بمصر وشعبها(مسلمين، مسيحيين، آخرين) أن يرتضوا ما آلت إليه نتيجة الانتخابات، وحتى السياسات التي ترتبت على تلك النتيجة، وكان الأولى، انتقال المعارضة إلى التحشيد للانتخابات القادمة للفوز بها، ومن ثم تغيير كل ما يلزم تغييره، سواء فيما يتعلق بالقوانين والتشريعات أو حتى بالدستور نفسه، لأنه بغير ذلك، فإن من الصعب إلى حد المستحيل الخروج من النفق الذي يحتوي الجميع في غيابته. مع تسجيل أنه حتى فيما لو سقط \"مرسي\" نتيجة التظاهرات، فإن سقوطه لا يمثل نهاية المطاف ولن يكن من الممكن إسدال الستار، بسبب أن المعارضة الآن ليست بمعزل عن ارتكاب الأخطاء فيما لو أمسكت بمقاليد الحكم، ناهيك عن أنها ستبرز المشكلة الحقيقية والبادئة أصلاً منذ أكثر من ثمانية عقود متتالية.
وضمن هذه البيئة الغريبة واللامستساغة، فإن من واجب الجميع في المحروسة وعلى اختلافهم، القوى المعتدلة، الجيش، الشرطة، العمل على ضبط الأمور، والاجتهاد على الدعوة للتيارات المتخاصمة إلى اتباع العقل وضبط النفس، والابتعاد عن حالة الاحتقان والحث على تغليب المصلحة العامة على الشخصية والخاصة، حفاظاً على عزة وكرامة مصر وشعبها من أن تنال منها الشماتة الإسرائيلية والغطرسة الأثيوبية وأعداء أخرين يسوؤهم استقرار وأمن مصر، لأن العزة والكرامة للمصريين على أرضهم آمنة ومستقرة، لا تعود لهم وحدهم وحسب، بل للعالم العربي وللفرد العربي أينما كان أيضاً.
* خانيونس/فلسطين : 14/6/2013