ولد الحوار الوطني في ظروف سياسية صعبة وفُرص وطنية ضيقة، إذ لا مجال في مقام ثوري إلا أن تكون ثمة محاولة جادة لتصحيح مسار القافلة الشعبية التي استدعت التاريخ ليكون شاهداً على وقوف اليمن أمام بوابة التغيير، إيذاناً بولوجه عالم المدنية، متكئاً على عصا العدالة ومتأبطاً قسم المساواة وداعياً إلى ترسيخ عقيدة المواطنة الحقة التي تمنح الجميع فرصة استدبار الماضي بكل ما فيه، مستشرفة صفحة الحاضر المهابة والمحمية بحلم الاتحاد والتآزر والبناء بعيداً عن مستنقع المساومة والمحاصصة السياسية.
لكن يبدو أن هناك من يريد قلب الطاولة والاستفادة من كل عرض رخيص لبيع الأمن الوطني والسكينة الاجتماعية، ولعلي أستبعد أن يكون أصحاب تلك العروض الرخيصة قد وصلوا إلى درجة الأستذة السياسية، وإنما هم طلاب في مدرسة الشيطان الذي يعدهم الفقر ويعلمهم الرذيلة ويدعوهم إلى الإفساد في الأرض، فهؤلاء هم كهنة المعبد الشيطاني لا أكثر، يتصرفون وفق إرادة فردية وبطريقة همجية؛ لأنهم مازالوا يستفيدون بشكل أو بآخر من ثقافة الغوغاء التي لم تغادر بعد سطح مجتمعنا والتي تؤمن بتجذير التحكم وغرس الأصولية العائلية في أحشاء الديمقراطية في أبشع اغتصاب سياسي يشهده التاريخ!
فما الذي يجنيه مثل هؤلاء من مسألة اختطاف السياح الأجانب؟! وما الفائدة من محاولات التشويش المفتعلة على سير الحوار الوطني في طريق التسديد والتقريب والمواءمة؟! إنها مجرد عمليات مناصرة فاشلة يقوم بها هؤلاء لصالح رموز سياسية أو قبلية غادرت حلبة السياسة رغماً عنها في ظروف وطنية كان لابد فيها من التخلص من كل وزن زائد قد يثقل كاهل الوطن ويؤخر عملية وصوله إلى مبتغاه الحضاري ويحول بينه وبين الوقوف في الصفوف الأولى خلف مقام الحكم الرشيد.
وإن كانت الرياح قد جرت بما لم تشتهه السفن وانقلب السحر على الساحر وتحولت بعض الأحداث إلى معوقات قوية جداً أمام وثبة التغيير المرجوة، إلا أن الأمل لا يزال قائماً في الضمير الحي الذي يسكن قلوب الشرفاء من أبناء الوطن. وفي ذات اللحظة فإن ما يحدث من مواقف لا أخلاقية مغايرة للطبيعة العامة التي تكسو سلوك اليمانيين بالشهامة والمروءة يعود لارتخاء حبل الدولة وتقهقر سلطتها في فرض الأمن بالقوة مادامت الحال قد وصلت إلى ما هي عليه اليوم، فكل قطعة سلاح يستخدمها صاحبها كمصيدة فئران ينبغي أن يكون مكانها سلة المهملات لا أكثر، وكل فكرة تهدف إلى زعزعة السكينة الاجتماعية وإظهار المسلمين أمام العالم كمرتزقة ومتسولين وأرباب للشر ينبغي أن يحاسب صاحبها وتنفذ عليه عقوبة المفسد في الأرض.. ولا أعتقد أن هذا سيكون صعباً على حكومة تزخر أجندة مهامها بالكثير من القضايا الوطنية التي تحتاج في أغلبها إلى فرض الأمن ولو بالقوة!
ليس من شيم أبناء تعز اختطاف السياح والمساومة بأمن الوطن، ولكن الدخلاء الذين نعاني من وطأة انحشارهم بين بصلة تعز وقشرتها مدربون على فن النفس الطويل ويتقنون استخدام سلاح ضبط النفس، كما يتقنون استخدام أسلحتهم التي لا تفارق أكتافهم..