لطالما راهنت على تَغيَر التحالفات داخل مؤتمر الحوار الوطني, وعدم تمكن بعض القوى من السيطرة على عناصرها خصوصاً من الشباب, وما حصل عند انتخاب رؤساء فرق العمل أثبت ذلك.
كان يوم اختيار رئاسة الفرق طويلاً وشاقاً, سقطت فيه كل أجندات التنسيق التي حاولت بعض الجهات العمل عليها خلال الأيام الماضية, ولم تُفلح هيئة الرئاسة إلا في إقناع الفرق بجنس ومُكون رئيس الفريق تفادياً لاختيار أكثر من رئيس من مكون واحد, وبالتالي اختلال التوازن لاحقاً في لجنة التوفيق, كما أن الجميع محكوم بنسبة تمثيل محددة للمرأة والشباب المشروطة في اللائحة الداخلية للمؤتمر.
لأن الاختيار كان في وقت واحد وكل فريق اجتمع في مكان منعزل عن البقية, فقد ضاعت جهود جهابذة التنسيق وطبخ الصفقات, وظهرت الأسماء صادمة للكثير من القوى التقليدية التي تعودت على الاستحواذ على كل شيء وبمختلف الوسائل المشروعة وغير المشروعة.
عندما ننظر إلى المشهد من بعيد, ونتساءل : ما القاسم المشترك الذي جمع الفرق التسع وبشكل غير مبرمج أو محسوب؟ فإننا يمكن أن نتوصل إلى نتيجة قد تكون غريبة على الكثيرين.
يوم اختيار رئاسة الفرق يعتبر ثورة في حد ذاته, يجب علينا أن نتأمل جيداً في نتائجه ونقرأها على مهل, لنعرف أولاً ما الذي حصل؟ وثانياً ما هي الأسباب؟
فما حصل هو أن هناك فرز جديد ظهر على مجمل أعضاء مؤتمر الحوار, لم يرتبط بمنطقة أو بمذهب أو بعصبية, فقد انقسم أعضاء المؤتمر إلى تحالفين تقريباً: الأول/ ويضم أليسار (بما فيهم الاشتراكيين والقوميين عدى الناصريين) + الليبراليين + أنصار الله " الحوثيين " + الحراك الجنوبي + بعض المؤتمريين (جناح التحديث) + المستقلين (نساء, شباب, منظمات مجتمع مدني)
الثاني / ويضم الإخوان المسلمين (الإصلاح) + السلفيين (حزب الرشاد, وفي بقية المكونات) + أغلب مشايخ القبائل والمحسوبين على علي محسن+ بعض المؤتمريين (جناح محلك سر) + الناصريين (جناح العتواني) + المُستغلين ( بِالغَين ), وبالنسبة لقائمة الرئيس والعدالة والبناء فقد توزعت بين الجانبين.
وإذا ما أجبنا على السؤال الثاني: ما هي الأسباب الموضوعية لهذا الانقسام الجديد؟ خصوصاً أنه لم يكن بتنسيق مسبق, بل انه يخالف الكثير من رغبات الجهات السياسية التي حاولت الإبقاء على تحالفاتها, فباعتقادي أن التطلع إلى التغير والحضور القوي للشباب والمرأة هو السبب في ظهور هذين التحالفين الجديدين, إضافة إلى أن هناك قاسم مشترك يجمع كل تحالف.
فما يجمع التحالف الأول أن أغلب مكوناته تعرضت لحروب قريبة وإقصاء وتهميش, وسجن الكثير من أعضاء مكونات ذلك التحالف, وقمع الآخرين بمختلف انتماءاتهم, وبالتالي فقد جمعتهم المظلومة دون ترتيب والشعور بالإقصاء والتهميش, مع أن انتماءاتهم الأيدلوجية والمناطقية وخلفياتهم الثقافية مختلفة.
وما جمع التحالف الثاني هو أن أغلبهم كانوا شركاء في ظلم التحالف الأول, مع أن بعض مكونات هذا التحالف خاضت صراع مرير خلال الفترة الماضية, ليس على المشاريع إنما على الغنائم, وبالتالي فقد جمعتهم ثقافة الفيد والتسلط والخروج على القانون وخوفهم من ضياع تلك الامتيازات.
لم يشذ عن نظرية الجلاد والضحية-التي أراها سبباً رئيسياً في بروز تلك التحالفات- إلا الإخوة في التنظيم الناصري "جناح العتواني", فمع أنهم ضحايا لكن يبدوا أن مظلوميتهم كانت بعيدة نسبياً عن المرحلة الحالية, وبالتالي فلم يعودون يتذكرون معاناتهم ولا يشعرون بمعاناة الآخرين ذوي المظلوميات الحديثة , أو أن المغريات التي قدمت لهم خلال الفترة الماضية والوعود القادمة, كانت أهم من الرغبة في التغيير, وهنا لا بد من التنويه إلى أن معنى عبارة "جناح العتواني" ليست تمييز بين حزبين, إنما لتمييز أجنحة داخل الحزب نفسه, فهناك الكثير من الناصريين الذين كانوا مع تحالف الضحية.
albkyty@gmail.com
" نقلاً عن صحيفة الأولى "