|
أبعاد وبنية الأزمة السياسية اليمنية (1)
بقلم/ احمد عبدالله الصوفي
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 17 يوماً الإثنين 05 مارس - آذار 2012 02:05 ص
قراءة الراهن السياسي
..حين تباغت العاصفة بحّارة يكافحون أضرار الخراب الذي يتهددهم ويكابدون مشاق حماية المركب حتى لا يغوص بهم إلى اللجَّة السحيقة ينسى كل واحد نفسه وتتراجع أهمية الوجهة والمقصد وكل ما يفكر فيه الفرد هو النجاة وتجنب الكارثة وتصبح فكرة الفوز بجزيرة، حتى ولو كانت نائية، أقدس الآمال التي يتقاسمها الفرد مع شركائه في المحنة.
وما أن ينجو المركب ويحط الرحال على اليابسة تبدأ الأسئلة تتخذ شكلاً جديداً من الامتحان لحقيقة الإدراك إن ما ظفروا به من حياة هو بحد ذاته تحدٍ لا يقل تعقيداً ولا تبهت الرمال المستقرة قسوة أنه هو الآخر يتصل بقضية المصير ويشهد همة الكفاح الجماعي من جديد للعودة إلى الوطن حيث الأمان وحيث يمكن للفرد أن يربي أطفاله على الثقة بالمستقبل.
إن المبادرة الخليجية وصفت بأنها طوق نجاة لليمنيين الذين تفجرت تناقضاتهم وتصادم مصالحهم عاصفة من المجابهات الدامية جعلت مركب الحياة لا يضطرب وحسب بل يترنح وأشرعته تتمزق وخروقاً مميتة تنبث في مقدمته كما تعتري الكسور صواريه،
وجاءت لحظة توقيع المبادرة بآليتها التنفيذية لتحسم الجدل حول تعريف ما يحدث في اليمن إن كانت أزمة أو ثورة وقد استحقت المبادرة هذا المركز باعتبارها وثيقة إقليمية ترجمت مضمون ما تقطر من فهوم وتعاريف تدفقت عبر وسائل الإعلام من مفكرين وقادة ومؤسسات إقليمية ودولية جميعها استقر حكمها أن في اليمن أزمة لا يمكن حلها بغير جلوس اليمنيين على طاولة الحوار لتقديم معالجات وحلول تخرجهم وبلدهم من المأزق السياسي الذي يندفع نحو الانزلاق إلى حرب أهلية يعتقد البعض أن تاريخ 23 من نوفمبر 2011م هو نقطة تحول في الطاقة التي تحرك المشهد اليمني ليحتفظ بسماته كأزمة ويتوقف تدحرج الأوضاع نحو الفوضى والمواجهة..
في حين استولى المشهد المهيب للتوقيع على المبادرة على إعجاب العالم واستقر الحدث مثل اليقين في الأفئدة والعقول وأحس الناس بدنو لحظة الخروج من الخنادق واستقبال شمس يوم جديد، واكتفى الماكرون من أطراف اللعبة في الشروع بإحصاء الأيام المتبقية لعلي عبدالله صالح كرئيس للبلاد وكأن الأزمة هي الرئيس والحل مغادرته السلطة بعد تسليمها لعبدربه منصور هادي الذي اختارته المعارضة أيضاً أن يكون ممثلها في انتخاب مجازي مبكر هو المرشح الوحيد أمام الشعب ويجسد وئام واتفاق أطراف الأزمة.
• لم يتبادر إلى ذهن أحد أن يتساءل: هل المبادرة الخليجية مخرج من الأزمة السياسية التي تعصف باليمن وإذا كانت هي المخرج كيف عرَّفت المبادرة طبيعة الأزمة السياسية وأطرافها ثم كيف وضعت آلياتها لتؤمن تنفيذاً صارماً لبنودها القادرة على إخراج اليمنيين من نفق التأزم..؟!
أين يتموضع الوطن اليمني قياساً بالمثال المذكور آنفاً عن السفينة.. فإذا افترضنا أننا قبل التوقيع كنا في خضم الأمواج العاتية، فهل بالتوقيع تجنبنا الخطر ولذنا إلى أقرب جزيرة سياسية لنستريح ثم نعاود استئناف الرحلة.. إلى الهدف.. إلى الوطن الذي علينا أن نبحث في زوايا المبادرة عن بوصلة تحدد وجهتنا إلى هذا الوطن المفقود.. هل في المبادرة بوصلة أصلاً وعلينا اكتشافها حتى نحدد الوجهة ونؤمن المسار حتى نقتنع بأن التضحية المستحقة مبررة والأمل المنشود قائم ومكين الأركان..؟!
قد يُصدم القارئ وربما يظنها زلة لسان أو مجازفة متشائمة إن قلت إننا مازلنا في الخضم العميق وفي مواجهة جبال التحديات وجموح التيارات ورعونة الأمواج العالية ما لم نقم نحن بإبداع مخارج ومسارات تفضي بنا إلى بر آمن..
وما يجعل الأمر جدياً أننا نخوض غمار تجربة يظن عقلنا الساذج أنها أطاحت بمعمر القذافي ولكنها تتجاهل أن العالم العربي بات أكثر عرضة لنزوات قذافي جديد يحترف المشاغبات ويستمرئ اللعب مع الكبار ويعتقد أن مصائر الشعوب يقررها تدفق الدولارات إلى أيادٍ قادرة على القتل والتدمير والاختطاف والانشقاق وزج الوطن في أتون صراع عدمي لإشباع نزوات هذا الجديد الذي أطاح بالقذافي ليمارس هواية القذافي في خلق الفوضى والصراع داخل كل قطر عربي..
أقول هذا لا من باب إلقاء المسؤولية حمد القذافي الجديد، بل لأشير أن الأزمات في مناخات مواتية تكون وتيرة تفاعلها انعكاساً للمحرضات من العوامل والمهيجات من البرامج والطموحات السياسية التي وجدت ضالتها عند الإخوان المسلمين الذين لم يظهروا أدنى تردد في ركوب موجة المد القطري الذي يكتسح المنطقة.
وإذا كنا قد اتفقنا أن اليمن تختلف عن مصر وليبيا وتونس وتمسكنا بتلابيب قرارات مجلس الأمن وانزلقنا نحو قبول التوقيع من باب أن الجسد يحتمل الحمى ولكنه يبقى مع الموت والحرب الأهلية والفوضى، فإن المهمة الآن تتحدد في تعريف طبيعة هذه الأزمة ومن أين استعارت قسماتها حتى يتم الاستفادة من المبادرة للخروج منها وحتى يتم وضع برنامج سياسي واقتصادي وتشريعي قادر على ترقيع الخروق وسد الفجوات وترميم الأضرار التي خلفتها العاصفة وبإمكانها أن توسع وتعمق من طبيعة الأضرار المشهودة والمقروءة من الجميع.. لذا لابد من البدء في تحديد الأزمة وأبعادها حتى يأتي مؤتمر الحوار الوطني لينضج ويطور التعريف ويوسع الرؤيا.. من أجل الولوج إلى المسألة أقترح أربعة عناوين لمظاهر الأزمة اليمنية بالإضافة إلى العنوان الخامس القذافي الجديد.
الأول: دولة غنية وشعب فقير:
إن التحول العميق خلال العشرين سنة الماضية تمثل في قدرة الدولة على إخراج ثروات نفطية وغازية محدودة جعلت أفراد المجتمع يتجهون إلى الوظائف العامة في الدولة لتأمين حصتهم من صور النعيم الاقتصادي واقتطاع قدر من الرفاه وانتزاع كل ما يتسنى للفرد من الامتيازات حسب وضع هذه المؤسسة وحسب مهارة التكسب القانوني وغير القانوني لالتهام أكبر حصة تستطيع يده وتقبل لها شراهته وتضعها الفرص أمامه..
وقليلون ممن يمتلكون أنفسهم إزاء هكذا إغراء حتى من زعماء المعارضة وحتى من أولئك اليساريين المتطرفين والمنتسبين إلى أبي ذر الغفاري في الورع ونظافة اليد.. وإذا كان هؤلاء قياساً بالمستوى الأدنى من النهب فإننا نجد هؤلاء يحسنون قبول أن تمنح لهم الأراضي والسيارات والمساكن التي تُملك كتدبير سياسي.
هذا التفاوت الذي بدا جلياً خلال العقدين المنصرمين خلق نمطاً من التحريض على قاعدة وجود فساد ونقص في الخدمات وتوسع مديني فج يفتقر إلى الرؤيا الاقتصادية ويحاول أن يمنح المجتمعات الريفية الغارقة بالتخلف عواصم محافظات تملأ الشعور بالعجز والظلم من خلال شحذ تصور عن الذات يغطي الفروقات بين عاصمة للوطن (الأمانة) هي قبلة المهاجرين من الريف إلى المدينة بحثاً عن آمالهم وتطلعاتهم كقوة مادية تعكس سمات التحديات التي يناقشها الجزء الواسع من فئاته الشابة الذين لا يجدون أمامهم أفقاً واضحاً فيما موظف الدولة (حصاد المغانم) يرمي بظله أو يوزع ظله على ثلاثة مصادر إثراء رجل في السلطة- رجل في الثكنة ورجل في السوق..
جميع التغييرات العاصفة لم تكبح جموح هذه الفئة التي تمرست على استغلال الدولة لتحقيق الإثراء غير المشروع كما عجزت الدولة عن الاستقطاب إلى صفوفها الكفاءات التي لا تسعى إلى تحقيق هذه الغاية وكان انسحاب ذلك العدد الهائل من محترفي الفساد من المؤتمر للانضمام إلى ما ظنوا أنه قارب نجاتهم في لحظة اعتقدوا أن هذه الدولة الغنية سوف تسقط بأيديهم من جديد كما حدث في مصر وتونس.
المهم حدث انقسام وبانت الهوة بين دولة بما لديها من موارد أصبحت غاية الطامعين وبالنسبة للمثقفين والسياسيين عرضة للنقد لعشوائية الإنفاق والسياسة الزبائنية وبالنسبة للمعارضة إقصاء عن الشراكة في الثروة، الأمر الذي حول موضوع غنى الدولة مرتكزاً لاستقطاب فئات محسوسة إلى ثروة يقودها مجاميع متنوعة من النخب الفاسدة التي انخرطت في مشروع إسقاطها سياسياً باسم الربيع العربي ولكن إسقاطها واقعياً بيدهم حتى يغنموها كلها مرة واحدة.
الثاني: مسار ديمقراطي مغلق:
الديمقراطية إحدى الوسائل الضرورية لإدارة الصراعات في المجتمعات التي تتسم العلاقة بين أفرادها بالظلم وتكون الديمقراطية بالغة الأهمية حتى حين يستقر المجتمع على قيم العدل كونها تحافظ على استقرار المجتمع ومكاسبه في الثانية وتعقلن الصدام السياسي وتمنعه من الانزلاق نحو العنف..
إلا أن الديمقراطية في الجمهورية اليمنية قد بلغت من الشيخوخة المبكرة عام 2011م حين جرى عرض مشروع تعديلات الدستور بهدف التنصل من الالتزام بالفترات الرئاسية المحددة بدورتين ليكتشف المجتمع اليمني أن الديمقراطية يتعسف استخدامها لا لصيانة عدالة محتملة أو حماية منهجية التنافس المشروع للوصول إلى السلطة، بل هي الوسيلة المختبرة للاحتفاظ بالسلطة، وكان جلياً أن الإشارات التي صاحبت الانتخابات الرئاسية عام 2006م قد أكدت الطابع المأزوم ونضوب الحيوية في مفاصل النظام السياسي...
- صحيفة (اليمن) |
|
|
تعليقات: |
الإخوة / متصفحي موقع وفاق برس نحيطكم علماُ ان
- اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
- أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
- يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
|
|
|
|
|