يوم تسليم السلطة ليس يوماً عادياً إطلاقاً، بل من وجهة نظري يعد إلى جوار الانتخابات الرئاسية المبكرة وجهان لعلمية الانتقال الآمن والسلس والسلمي للسلطة. ولهذا فقد دعينا دوماً للمشاركة الفاعلة في الانتخابات وكان للوطن ما تمنيناه، فقد قطع المشاركون أفواهاً تعالت في الفترة الماضية بعدم جدواها، بل عدها البعض ترفاً لا فائدة فيه، وذهب آخرون ليس فقط إلى المقاطعة، بل إلى إرغام الراغبين ومنعهم بالعنف عن التوجه إلى المراكز الانتخابية.
الوجه الآخر للانتقال السلمي للسلطة يتمثل في طريقة تسليمها عبر رئيسين منتخبين من الشعب، وهو ما سيحدث اليوم، عندما يقوم الأخ قائد الوحدة رئيس المؤتمر الشعبي العام المشير علي عبد الله صالح -الرئيس السابق- بتنصيب خلفه فخامة الرئيس المشير عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية ونائب رئيس المؤتمر الشعبي العام، في دار الرئاسة لتكون اليمن بهذه المراسم قد دخلت فعلاً الأجواء الحقيقية للتعاقب السلمي على سدة الحكم.
واليمنيون يحتفلون بفرحة نجاح الانتخابات الرئاسية المبكرة -التي ابهر إقبال فيها كل المتابعين في العالم- يحتفلون أيضاً بحفل دور التسليم بين الرئيس السابق والجديد، في بادرة فريدة من نوعها وتحدث لأول مرة في التاريخ اليمني بين شخصين يتعاقبان على رئاسة الجمهورية عبر صناديق الاقتراع ولكن وللأسف الشديد ما زال فينا من يريد تعكير صفو فرحة اليمن واليمنيين بالدعوة إلى مقاطعة حفل التنصيب الرئاسي.
اعتقد جازماً بأن الأعذار التي ساقها البعض بأن التسليم قد حدث فعلاً عبر قول الناخبين كلمتهم، أو عبر أداء اليمنيين الدستورية في مجلس النواب يكفيان، بل ويلغيان حسب قوله عن حفل التسليم الذي سيجري اليوم، وهي كلمة حق ولا غبار عليها، ولكن يراد بها إفشال حفل التوديع الذي سيضفي بلا ريب جواً من الابتهاج لدى الجميع، فيما لا يريد البعض حدوثه.
إصرار البعض على عدم المشاركة خاصة من أحزاب اللقاء المشترك لا ينتقص من حفل التوديع، ولا من قدر الرئيسين الكبيرين صالح وهادي، بقدر ما سيظهر للعالم سماحة الرئيس صالح، وقدرته العجيبة على التنازل من اجل الوطن ابتداءً بقبوله التنازل لنائبه عن بقية فتره الرئاسية، ذلك بتفويض نائبه لأداء حكومة الوفاق الوطني اليمين الدستورية أمامه، ثم دعوت نائبه للانتخابات الرئاسية، وجميعها حقوق كفلها له الدستور، الذي يتذرعون به اليوم حين يقولون: بأن الحفل التوديعي يخالف الدستور.
يا إخواني الدستور الذي نتحدث عنه ألغينا أجزاء كثيرة منه واستبدلناها بالمبادرة الخليجية والياتها المزمنة، بموافقة المشترك والمجلس الوطني، وإلا لقلنا أن تفويضه للنائب في جميع المراحل غير دستوري، وبالتالي بطلان الانتخابات الرئاسة (بحسب رؤيتهم)، ولكن حسب العقل والمنطق فإن الإصرار على تطبيق بنود دستورية معينة وإلغاء أخرى، يعد تلاعباً بمفردات التسوية السياسية، بل ويراد منه عدم طي صفحة الماضي، والبقاء في مستنقع العداء.
اعتقد جازماً بأن حضور الإخوة في المشترك لحفل التنصيب (التوديع) كانت سيبين للعالم مدى جديتهم في السير بالعملية السياسية نحو نهايتها الحميدة، أما أن نتشبث من كل العملية بتنازل الأخ الرئيس وجعله كبش فداءً، والتهرب عن التعاطي الايجابي بحسن النية مع كل ما يجمع الصف ويزيل الخلافات. لهذا فإن الأخ قائد الوحدة سيخرج أيضاً منتصراً من جديد في حالة تعنت البعض عن عدم الحضور للقصر الرئاسي، لأن ذلك سيظهر وبجلاء من مع التنازل من اجل الوطن، ومن مع الإبحار ضد اللحمة الوطنية.
ينبغي للمشترك ألا يتناسى انه لم يعد معارضة، بل شريكاً في الحكم، وشريكه في نصف الحكومة وفي رئاسة الدولة هو المؤتمر الشعبي العام، وان رئيس هذا الشريك هو علي عبد الله صالح، فلا يجب أن يتغافلوا عن هذه الحقيقة ولو بدت مرة وغير مستساغة لهم، بالمقابل على المؤتمر أن يدرك بأن النجاح لن يتأتى إلا عبر الاستمرار في انتهاج سياسة الوفاق، وعدم الخروج مطلقاً عنه من اجل تحقيق غايات وأهداف المرحلة الانتقالية.
استغرب استعمال مفردة (الرئيس المخلوع) بدلاً من (الرئيس السابق)، إن استبدال الأولى بالثانية والإمعان فيها ينم عن جهل بالمصطلحات السياسية، فلو كان مخلوعاً لما تم إجراء انتخابات مبكرة، ولماذا ظل رئيساً ولو شرفياً، ولماذا استقبلته أمريكا ووفرت له حماية وحصانة الرؤساء، إن هذه التسمية لا تُرضي سوى (قناة الجزيرة) ومن يدور بفلكها، أما الواقع فيقول أن تسليم واستلام السلطة مر بالأطر الدستورية وتوج بحفل التنصيب (التوديع).
السؤال المهم الذي يجب بان نطرحه على أنفسنا: لماذا نصر على تأزيم الوضع واختلاق كل ما يعكر صفو العلاقات بيننا، نحن اليوم قد طوينا صفحة قديمة وفتحنا صفحة جديدة، والعناد لا يفيد طالما والعالم بأسره أثنى على الانتقال السلمي في اليمن بل ووصفه بالتاريخي كما قال: الرئيس اوباما. فلماذا ما يمجده الآخرون فينا نتغاضى نحن حتى عن مجرد ذكره؟
للرئيس السابق علي عبد الله صالح، لن أتحدث عن حقبة حكمك فالتاريخ وحده من سيذكرها، ولكني سأذكر فقط كيف انك استطعت التغلب على نزعة الحقد التي لم يستطع غيرك لحد الآن من تناسيها، وكيف تصر أن تبدوا كبيراً بتسامحك، فيما يصر الآخرون على تصغير أنفسهم بعدم طي صفحة الماضي.. والغريب أننا نسمع يومياً مناداتهم بطي صفحة صالح، ولكنهم يقصدون صفحة منجزاته فقط والتي يتحاشون المرور عليها، أما سلبياته وهي حقيقة كايجابياته يطيلون الحديث فيها.
للرئيس هادي ستبقى من الأوفياء القلائل في هذه الأزمة بل أبرزهم على الإطلاق، ولهذا فأنك ستظل كبيراً في أعين الجميع، وسيظل موقفك من الأزمة وصمودك ترويه الأجيال المتعاقبة، ونحن من وفائك نستلهم صور المرحلة المقبلة التي نريد فيها أن يكون وفاؤنا جميعاً لتربة هذا الوطن الطاهر، فوفقك الله لتعبر بنا للخروج من محنتنا.
حضر من حضر وغاب من غاب، فسيبقى يوم تنصيب الرئيس الجديد من رئيس سابق، أو حفل استقبال أو توديع، أو حفل تكريم، فلنسمه ما شئنا، سيبقى سابقة عظيمه يسجلها التاريخ للرجلين، ومن خلفهما الشعب اليمني العظيم الذي اظهر قوته وإرادته يوم الحادي والعشرين من فبراير لجاري، عندما قال: لا للفوضى وكفى للتدمير، معاً لنني اليمن الجديد مع المشير عبد ربه منصور هادي ومعه جميع الشرفاء في الوطن...
* باحث دكتوراه بالجزائر: