حظيت محاولة الاغتيال التي تعرض لها أمين عام الحزب الاشتراكي الدكتور ياسين سعيد نعمان بكثير من الإدانة والمتابعة من مختلف الأطراف، وهو تفاعل طبيعي يتناسب مع مكانته السياسية والإجتماعية، والرسمية أيضاً..
ولا غرابة أن يتجلى الاجماع الوطني على شخصية الدكتور نعمان في مظاهرات شعبية شهدتها مدن عدة استنكاراً للحادثة، بما يجسد المنزلة الكبيرة التي يشغلها في وجدان اليمنيين، كرائد مشروع وطني متخفف من الأنانية والعقد والحسابات الضيقة، يرى فيه اليمنيون خلاصة آمالهم في مشروع الدولة المدنية الحديثة بكل مقوماتها.
وتبعاً لذلك، فإن محاولة النيل من الدكتور ياسين -أياً كانت ملابساتها أو مبرراتها- هي محاولة للإجهاز على الحلم، لإفشال المشروع، لإعدام الفكرة التي تتخلق نواة دولة، محط أنظار غالبية اليمنيين، ومأوى أفئدتهم.
وبعيداً عن الدلالات والأبعاد السياسية التي تحملها الحادثة، فإنها تؤشر إلى مستوى التدهور المريع في الوضع الأمني الذي تعيشه مدن البلاد، بما فيها العاصمة..
وإذا كان المستشار السياسي للرئيس، وأحد أهم الشخصيات السياسية والوطنية-إن لم يكن أبرزها مطلقاً- قد تعرض لمثل ذلك الإعتداء -أو الشروع فيه، فإن آلاف اليمنيين يواجهون يومياً إعتداءات تفوقه فظاعة وبشاعة، لتصل حد المساس بأرواحهم أو ممتلكاتهم، لكن دون الحظوة بملف في النيابة أو بعض مسؤولية أمنية إزاءها، ناهيك عن حضور قيم التضامن وبيانات الإدانة..
هل كانت أجهزة الأمن واللجنة العسكرية بحاجة لحادثة تطال شخصية رفيعة بحجم الدكتور ياسين لتستذكر مسؤوليتها، إزاء الوضع الأمني المنفلت، التي يكلف المواطنين باهظاً ثمن غيابها أو تغييبها أو التهاون بها من أرواحهم وأمنهم الشخصي؟.
وهل كانت النخب الرسمية والسياسية والمكونات الإجتماعية والشعبية المؤثرة تنتظرها لتفيق على واقعة يتيمة -على أهميتها- أمام معاناة المواطنين اليومية مع الفوضى الأمنية، التي تخلف ضحايا بالجملة؟.. بيد أنها حتى الآن لا تبدو مستوعبة ذلك، ومازال تركيزها منحصراً في قضية الدكتور نعمان، رغم أنه -ذاته- طالب بأن تكون قضيته دافعاً للإهتمام والضغط لمعالجة الاختلالات الأمنية التي يكابدها المواطنون يومياً..
تداعت لهذه القضية، اللجنة العسكرية ووزارة الداخلية والحكومة، ولجنة الحوار الفنية، وبالتأكيد الرئيس نفسه - بشكل غير معلن- ومختلف الجهات المعنية لتوجه وتندد وتفند وتتهم وتتحقق..
ومهما تضاربت التصريحات والروايات حول هوية المنفذين، سواء كانوا منتمين لقوة نظامية أم وهمية، فإن كل احتمال يبقى أسوأ من الآخر في بعض جوانبه.. وتبقى أجهزة الأمن وحدها ملزمة بقطع دابر التخرصات، وإطلاع الرأي العام بشفافية على نتائج التحقيق بكافة ملابساتها كقضية تهمه، واستكمال الإجراءات القانونية إزاء منفذيها..
لكن التساؤل هنا؛ ألا يستحق عشرات المواطنين -وربما المئات- ممن يتعرضون يومياً لحوادث لا تقارن مطلقاً -من حيث نتائجها- بحادثة مستشار الرئيس، عشر الإهتمام الذي حظيت به هذه..
مثلاً -لا حصراً - ماذا بشأن مقتل فتاة في باص عمومي قبل شهرين أو أكثر تقريباً برصاص أفراد نقطة تفتيش بشارع الزراعة؟! وما الذي انجزته السلطات المعنية بقضية مقتل الدكتور العزعزي أمام أفراد أسرته في نقيل سمارة، وهو في طريقه إلى تعز قبل أقل من عام؟!
وماذا بشأن العصابات المسلحة وقطاع الطرق الذين استحدثوا منذ أكثر من عام نقاطاً للقتل والسطو، في الطرق بين المحافظات كالطرق المؤدية إلى الحديدة مثلاً؟!
وماذا عن جرائم الاغتيالات والاعتداءات والنهب المتكررة التي يتعرض لها مواطنون عسكريون ومدنيون في عدن وتعز وصنعاء وغيرها، وعلى مرأى ومسمع؟!
ليس من المنطق تعليق اكثر الجرائم-وتحديداً الاغتيالات- على شماعة القاعدة، وحتى إن كانت بعضها كذلك؛ فإن الرخوة الأمنية تتشاطر المسؤولية في كثير من الحوادث مع الأدوات المنفذة لها، سواء كانت بدافع سياسي أم جنائي، ذلك أن سلطات الأمن غلبت الطابع الدعائي على إجراءاتها التنفيذية البحتة، التي يفترض أن تتم بحزم ونزاهة، ما جعل رواد فوضى ما قبل الدولة يستمرئون حالة الانفلات الأمني حد المساس بأهم مؤسسات الدولة مثل وزارتي الداخلية والدفاع..
وإلحاقا بالتساؤلات السابقة، سيكون من العبث سؤال الداخلية او الحكومة إجمالاً عن مسؤوليتها إزاء مقتل قرابة 20 ألف مواطن، وإصابة مئة ألف آخرين في حوادث سير خلال الفترة 2006-2012 وفق احصائيات الداخلية..
الإجابة، هي قضاء وقدر، وسيكون بالنسبة لهم المزايدة الحديث عن تقصير أو مسؤولية الداخلية أو الحكومة حيال تلك المجازر..
بمقتضى المواطنة المتساوية ومسؤولية الحكومة، فإن ما هو مفترض وطبيعي أن يكون حظ أي مواطن يمني يتعرض لاعتداء أو انتهاك حق، مساوياً تماماً لما حظي به الدكتور ياسين من الاهتمام والمتابعة من قبل السلطات المعنية.
هذا ليس تنظيراً، بل حق دستوري وقانوني مقدس، يمثل جوهر الدولة المدنية، القائمة أساساً على المساواة في الحقوق والواجبات، والدولة هي المعنية كلياً بفرض تلك المساواة بأدواتها المختلفة..
أما المثالية، فستكون من المجتمع، حين يبلغ قدراً من النضج والوعي، وتغلب عليه ثقافة الدولة، وترقى قيمة التضامن مع مواطن بسيط تعرض لاعتداء أو انتهاك حق أساسي أو كرامة،الى مستوى يهم الرأي العام، وبقدر مساوٍ -إلى حد ما- لحضورها تضامناً مع الشخصيات العامة محل الإهتمام والتقدير..
ولئن كانت الدولة بكافة أجهزتها الأمنية والمدنية، التزمت بأداء مهامها بمسؤولية وجدية، ومعها كان الرأي العام، قد تبلور، مصطفاً ضد الانتهاكات التي تطال المواطنين أو حقوقهم، ضاغطاً على أجهزة الدولة لتتحمل مسؤوليتها، لما وصل الاستهتار والتدهور المريع في الوضع الأمني وانتهاك الحقوق حداً مختالاً يطال أهم الشخصيات السياسية والوطنية في قلب العاصمة، وربما ينذر بما هو أدهى وأمر..
أكثر ما يحتاجه اليمنيون، لأجل الدكتور ياسين ومواطني بلده جميعاً؛ لأجل حاضرهم ومستقبلهم؛ لحل جميع عقدهم المستفحلة، هو وجود الدولة وفرض هيبتها في شتى مجالات الحياة، وعلى الأخص ما يتعلق بأمن المواطن وكرامته وحقوقه الأساسية..
علينا أن ندرك أن انتظارنا للدولة لن يأتي بها في ظل غياب العمل الجمعي لأجلها، وأن تحقيق الدولة ليست مهمة أجهزتها فحسب -على الأقل في مرحلة التأسيس والبناء الحالية- وإن كانت تتحمل مسؤولية كاملة لإثبات وجودها وفرض هيبتها..
ولأجل الدولة، التي نحلم بها جميعاً، ليس مطلوباً منا -كمواطنين- لتجاوز عقدة التأسيس أكثر من الإيمان بالدولة وتشرب ثقافتها ونشرها، والإخلاص في الأعمال والمسؤوليات المختلفة مدنية وعسكرية إسهاماً في تحققها..
الدولة ليست النظام السياسي أو الحكومة فقط، بل هي أساساً المواطن والعقد الذي ينظم حقوقه والتزاماته وعلاقاته بالحكومة وبالآخرين، وإذا ما نجح اليمنيون في تحقيقها فلن يكونوا بحاجة لمواجهة تحدٍ أكبر منها مستقبلاً..
عندها فقط سيكون كل مواطن يمني بميزان الدولة هو الدكتور ياسين، لا يتمايز عليهم بشيء أمامها، وإنما يميز نفسه بما اكتسب من علوم وخبرة وكفاءة وبما أسهم في خدمة وطنه، وتعميق قيم دولته، ونال بها تقدير واحترام شعبه..
وذلك هو الدكتور ياسين الذي يعيش في أوساطنا اليوم، متميزاً بكازيزما ومؤهلات وتجارب عميقة، متفانياً في سبيل المشروع الوطني الكبير، مقدّرَاً بين مواطني بلده بتواضعه واتزانه لا بتسلطه، مؤمناً ومتحلياً بقيم الدولة وثقافتها حتى قبل أن تتأسس وتوجد ..
saminsw@gmail.com