المانيا تقلب الطاولة وامريكا تتحدث بلسانها وقطر انتهكت " خط احمر " و خصومها مرتبكون ؟
منذ بداية الازمة الخليجية لم تبدي بريطانيا اهتماما عاليا بما يحدث واستمرت في دعوات التفاهم و الحوار من بعيد و فجاءة يطير وزير خارجية بريطانيا الى دول الخليج في محاولة لايجاد حل للازمة الخليجية بشكل مباشر و من دخل عواصمها وليس بتصريحات واتصالات من عاصمته .
لم يكد وزير خارجية بريطانيا ينتهي حتى طار وزير خارجية امريكا الى الكويت في ذات المهمة ، وبداء بعاصمة الوساطة لاحيائها و التشارك معها في حل الازمة الخليجية و يعلن انه باق لاسبوع في الخليج لحل الازمة .
حضور وزير خارجية امريكا هذة المرة مختلف فرغم عدم تطرف الادارةالامريكية تجاه قطر مقارنة بتطرف ترامب الا ان الادارة الامريكية دأبت على توجيه خطابها باتجاه قطر منفردة وان عليها ان تتعاون و تتجاوب مع مطالب خصومها الساعية لوقف تمويل الارهاب ، لكن هذه المرة تغير خطاب الادارة الامريكية تماما الى مطالبة " جميع اطراف الازمة بالعمل على وقف دعم الارهاب " و كأن وزير خارجية المانيا هو الذي يتحدث وليس وزير خارجية امريكا ، بل يمكن القول انه مال باتجاه قطر من خلال التصريح ان المطالب ال13 تعتبر لاغية و " لاتستحق " العودة اليها .
خصوم قطر كانوا ماضون في طريقهم فبعد الرد القطري حددوا موقفهم بعدم قبول الرد و اعتبروه تعنتا قطريا و اعلنوا في بيان اول لهم إثر اجتماع وزراء خارجيتهم في القاهرة انهم ماضون في المواجهه مع قطر ولم يمضي يوم حتى اصدروا بيانا ثان كان من الملفت صدوره بعد وقت قصير من البيان الاول وكان الهدف من هذه الاخير - بحسب مضامينه - هو " اطلاق رصاصة الرحمة على الوساطة " و تأكيد المضي في طريق المواجهه مع قطر دون اي عتبار للوساطة و دون ترك الباب مفتوحا لاي وساطات باعتبار " المطالب لاغية " .
لم يكد وزير خارجية امريكا يحط في عاصمة الوساطة حتى بادر خصوم قطر بتسريب اتفاق سابق مع قطر في خطوة ملفته لم يكلفوا انفسهم فعلها من قبل رغم كل الانتقادات التي وجهت لمطالبهم ال 13 التي كانوا تقدموا بها لقطر من قبل و فعلها بعد " اغتيال الوساطة " هو امر يواجه ضعفا او يمهد لتراجع .
كان وزير خارجية المانيا في جولة خليجية الاسبوع الماضي في محاولة للتغيير في مواقف خصوم قطر و الدفع بهم للتقارب مع قطر و حل الازمة وفقا لمبداء " وقف تمويل الارهاب من الجميع " لكن تلك الجولة فشلت و عاد وزير خارجية المانيا خائبا بل وكان من الملفت ان خصوم قطر لم يتعاطوا مع الوزير الالماني بالجدية المفترضة ووصل بهم الامر الى العمل على الالتفاف على الموقف الالماني على الهواء مباشرة اثناء المؤتمرات الصحفية التي عقدت في بنهاية الاجتماعات في جدة وابو ظبي .
كان خصوم قطر في بيان " اغتيال الوساطة " قد اعلنوا سحب المطالب ال 13 واعتبروها لا غية وهي خطوة تعني غاية التشدد تجاه قطر لدرجة اعلان المضي في المواجهه دون ترك مطالبهم قائمة كتغطية لخطواتهم القادمة على الاقل وهي صورة يمكن وصفها " بالعنجهية" ، وكانت الادارة الامريكية تلعب لعبة تبادل الادوار مع ترامب لمحاولة " حلب قطر " كما " حلبت السعودية " من قبل ، كما الادارة الامريكية كانت تميل جهة خصوم قطر لاعتبار ان التأزيم مع قطر يمكنه ان يمثل مدخل لتنفيذ مقررات " قمة الرياض العربية الاسلامية الامريكية " و باقصى النتائج المتاحة ، وكان الموقف البريطاني لا يبدو مهتما او على الاقل لا يلمح تهديدا من وراء الازمة الخليجية تدعوه للتدخل المحوري و المباشر فيها .
كان الجميع ينتظر الخطوات الاضافية التي سيعلن عنها خصوم قطر لكنهم اعلنوا اتفاقا سابقا لدعم موقفهم ولاضهار عدم تعنت مطالبهم بحق قطر وانها ليست وليدة اللحضة و ان معهم الحق في مطالبة قطر و التأزيم معها ، و وجدت بريطانيا نفسها بحاجة لان يطير وزير خارجيتها للخليج و يقوم بدور محوري مباشر لمعالجة الازمة ، و وجدت الولايات المتحدة نفسها بحاجة للحضور المركّز في الازمة و لتعدبل موقفها و مطالبة الجميع وليس لقطر منفردة بل وان تعتبر المطالب ال 13 لا تستحق الرجوع اليها وان " مواقف قطر كانت واضحة و محقة " و توقّع معها اتفاق لمكافحة الارهاب وتشيد بالامير تميم لانجازه اول خطوه في تنفيذ مقررات قمة الرياض !! ، فما الذي حدث و كيف انقلبت الطاولة على خصوم قطر وعلى امريكا وبريطانيا كذلك ؟ .
عاد وزير خارجية المانيا خائب من الخليج لكنه عاد كذلك عازما على حد وضع " لمهزلة خصوم قطر " تجاه الازمة ككل و تجاه الدور الالماني و تجاه دعم الارهاب بدرجة اولى ، وما ان وصل الوزير الالماني لبلده حتى اعلن " ان قطر ابلغت المانيا استعدادها لفتح ملفات استخباراتها كاملة للالمان " .
كانت المانيا على علم بان قطر وارطة في تمويل الارهاب وكانت تعلم ان قطر ليست وحدها وانما طرفي الازمة الخليجية وارطون كذلك وهذا الامر هو ما يقوله موقفها " بان على الجميع ان يتوقف عن تمويل الارهاب ، وليس قطر فقط " . وكانت قطر واضحة مع المانيا و مع الجميع ايضا بقول وزير خارجيتها " ان قطر تأتي في اسفل القائمة " و تصريحاتها التي تحمل معنى ان قطر كانت تفعل ما تطلبه منها الولايات المتحدة ، و بالتالي فالمانيا لم يكن ينقصها مؤيدات لتحديد موقفها و لم تكن قطر تحتاج لتوضيح وضعها لالمانيا ، لكن كان التصريح بالاستعداد القطري لفتح الملفات للالمان رسالة - المانية بالدرجة الاولى - تسعى لفرض تعديل مواقف الجميع تجاه الازمة الخليجية وفرض منطق مواجهة دعم الارهاب وليس استخدامه وقبل ذلك الرد على اللامبالاة الخليجية تجاه الدور الالماني .
وجهت الولايات المتحدة في اخر عهد ادارة الرئيس السابق اوباما ضربة جوية لقوة من الجيش السوري وهو ما رأته روسيا انتهاكا للقانون الدولي و كسرا لقواعد اللعب في سوريا و كان لابد لها من التصرف تجاه ذلك لايقاف الولايات المتحدة عند حدها و منعها من مواصلة الانتهاكات و الزامها من جديد بقواعد اللعب هناك ، و خرجت الخارجية الروسية حينها بتصريح " ان لدى روسيا ادلة مذهلة عن اداء الولايات المتحدة مع الارهاب في سوريا " و اثار هذا التصريح جلبة عالية و صلت " لصراخ " ممثلة الولايات المتحدة في مجلس الامن عاليا و ان بلدها يرفض توجيه التهم له بدعم الارهاب لكن كل ذلك لم يجدي وفي اليوم التالي وجدت الولايات المتحدة نفسها مضطرة لان تطئطئ راسها و ان تعتذر رسميا عن توجيهها ضربة للقوة السورية .
ان تفتح قطر ملفات استخباراتها امام الالمان هو امر سيمثل كارثة للادارات المتورطة باستخدام الارهاب وفي مقدمة تلك الدول الولايات المتحدة و بريطانيا و فرنسا كذلك و دول الازمة الخليجية معها بالطبع ، فإطلاع الالمان على كامل تفاصيل اللعبة التي تتم في الشرق الاوسط باستخدام الارهاب و وقوع يدها على الادلة المثبته لذلك هو امر له تبعاته الخطيرة على الادارات المعنية و اجهزة استخباراتها و ادوارها الدبلوماسية و سياساتها المتبعة و هو امر سيغير الكثير و سيحدث زلزالا اوروبيا و امريكيا سيطيح بحكومات و سيضع ادارات الدول المعنية في ورطة حقيقية ان حدث .
كان ذلك التصريح الالماني القطري خطوة غير عادية نسقتها المانيا مع قطر حتما و خرجا بتصريح صغير - قطر وافقت على فتح ملفاتها للالمان - تمكّن من ان يقلب المعادلة و ان يدفع بلندن لان تدخل محوريا باتجاه حل الازمة الخليجية و ان يدفع بواشنطن لان تتدخل لاحياء الوساطة التي اغتالها خصوم قطر وان يتحول موقف الادارة الامريكية لصالح قطر بشكل ملحوظ .
خصوم قطر الذي استبقوا جدولهم الذي كان ينتظر اجتماعمهم في المنامة باعلان الاجتماع غدا في جدة لتدارس التحول في المواقف وبحضور الوزير الامريكي ، و كانت اول ردود افعالهم على الضغوط التي مورست عليهم بريطانيا و امريكيا و جعلتهم يستشعروا تراجعا في مواقف الدولتين و بالتبعية الشعور بضعف موقفهم هو ذهابهم لتسريب اتفاق الرياض بين دول الخليج " السري للغاية " الذي وقع في العام 2013 م رغم ما يحمله ذلك من سلبيات على موقفهم هم قبل قطر ، وهذا الامر يعني احد احتمالين اما ان خصوم قطر لم يستوعبوا بعد سر الانقلابة في موقف بريطانيا و الولايات المتحدة وقرائوا التراجع البريطاني و الامريكي قراءة خاطئة وذهبوا " لفكرة تقديم دليل اضافي " قد تكون بريطانيا و امريكا بحاجة اليه للعودة لموقفهما السابق تجاه الازمة الخليجية ، او انهم قد استوعبوا خطورة الامر و ما يمكن ان يترتب على " الرسالة الالمانية القطرية " وان بريطانيا و امريكا وهم بالتبعية في موقف لا يحسدون عليه اذا ما استمروا في التصعيد و فتحت قطر ملفاتها للالمان بالفعل و بالتالي ذهبوا لتأمين خط الرجعة بتسريب اتفاق الرياض وصولا لموقف معدل جوهريا سيخرجون به من اجتماعهم في جدة و يحفظ لهم ماء الوجه .
الخطوة الالمانية القطرية كانت بارعة و ستضمن تعديل جوهري لصالح قطر في الازمة الخليجية لا شك - تماما كما ضمن التهديد الروسي بفتح الملفات في سوريا اعتذار الولايات المتحدة بعد ضربها للجيش السوري - لكنه يمثل خطوة لا يجب ان تأمن قطر الولايات المتحدة و بريطانيا بعدها مطلقا وعليها ان تكون في غاية الحذر تجاه تعاملها معهما بشكل دائم لانهما دون شك ايضا ستعملان على سحب او ابطال هذا السلاح القطري الذي اشهرته قطر للدفاع عن نفسها و يريانه مجاوزة " للخطوط الحمراء " و يمثل تهديدا خطيرا لهما وسيعملان الكثير تجاهه ولا اقل من قرار ان الادارة القطرية يجب ان تتغير طالما ظهر ان لديها استعداد لاستخدام ارشيف استخباراتها للدفاع عن نفسها وهذا الامر سيكون كمسار مستقبلي ، لكن حاليا اذا اخطاءت قطر و سُلبت سلاحها او ضمن البريطانيون و الامريكيون تعطيل هذا السلاح بشكل او بأخر فسينقلب موقفهما مجددا و سيعودا لصف خصوم قطر وهذه المرة ستكون بحدة اشد من ذي قبل بكثير .