يمر هادي بواحدة من اصعب المراحل التي واجهته خلال الحرب التي تعصف باليمن منذ نحو عامين ،فبعد التأزم الشديد في علاقته مع الامارات على خلفية اشتباكات مطار عدن، وما تلاها من اهانة القيادة الإماراتية له في مطار ابوظبي ،اعقبها هجوم صحيفة العرب اللندنية المقربة من محمد بن زايد ،وشبكة ارم نيوز الإماراتية ونشطاء اماراتيين ،على هادي ونجله ،وكيل اتهامات متنوعة لهم منها اتهام نجله بتحريك القاعدة وطعن التحالف في الظهر وغيرها .
-لم يقتصر الامر على ذلك فقد دخلت واشنطن حليفة ابوظبي على الخط لتمارس بدورها ضغطا غير متوقعا على هادي في الأيام الماضية، ظهر ذلك في فتحها الباب على مصراعيه امام قواتها وطائراتها وبوارجها لشن عشرات الهجمات في اليمن لدرجة انها تجاوزت خلال يومي الخميس والجمعة ما نفذته إدارة أوباما طيلة عام كامل، ودون أي اكتراث بتداعيات ذلك على هادي وحكومته داخليا، يضاف اليها المفاجئة الصادمة لهادي التي حملتها تصريحات السفير الامريكي لدى اليمن ماثيو تولر، لصحيفة الشرق الأوسط، في ال5 من مارس الجاري، بشأن تمسك ادارة ترامب بخطة كيري لحل الازمة في اليمن، علاوة على تأكيده بأن الخيار العسكري غير متاح ،وان على الأطراف المتنازعة العودة إلى طاولة المفاوضات في أسرع وقت ممكن، وان هناك إجراءات سياسية وأمنية يتعين قبولها والالتزام بها.
مثلت تصريحات السفير تولر مفاجئة للبعض لعدة أسباب أبرزها:
1-جاءت التصريحات مغايرة لنهج إدارة ترامب منذ وصولها الى البيت الأبيض قبل شهر ونصف، سواء عبر توجهها نحو خيار القوة في مواجهة القاعدة وداعش في اليمن، او ميلها الواضح الى صف السعودية وحلفائها وبالذات مع تماهيها بشأن عملية الساحل الغربي وضرورة انهاء اية أخطاء على حركة الملاحة الدولية، وتصعيد لهجتها ضد ايران والجماعات المحسوبة عليها ،يضاف الى ذلك تجنب كبار مسئوليها الحديث عن خطة كيري في تصريحاتهم بشأن اليمن.
- علاوة على تجنب ذكر الخطة خلال اجتماع اللجنة الرباعية الدولية زائد واحد في بون، وفي القرار الدولي الأخير 2342، والاكتفاء بعبارة فضفاضة اكدت على الحاجة إلى تنفيذ عملية الانتقال السياسي بشكل كامل وفي الوقت المناسب، ومن ثم كان المفترض في حال استمرار الرغبة الامريكية لتنفيذ مبادرة كيري ان يتم تضمينها صراحة في المواقف السابقة بحيث تسهل عملية فرضها كخيار دولي على طرفي الازمة.
2-مجيىء تصريح السفير الأمريكي عبر صحيفة الشرق الأوسط المملوكة للملك سلمان، بصورة اوحت بدعم القيادة السعودية لتصريحات تولر ولخطة كيري، في حين كان الموقف السعودي سلبيا منها، يضاف الى ذلك أمرين هما:
-الأول: تجنب محمد بن سلمان لقاء هادي - على الأقل بشكل رسمي معلن - رغم تواجده منذ الأسبوع الماضي في الرياض وبالذات مع تصاعد الازمة بين هادي والامارات .
-الثاني: نشر صحيفة القدس العربي، السبت ،خبرا نقلا عن ما اسمتها مصادر يمنية مسؤولة، تفيد بأن هادي كان يعتزم السفر الى اندونيسيا لحضور القمة الإسلامية الاستثنائية الخامسة حول فلسطين والقدس وللقاء الملك سلمان للتباحث في مستجدّات الشأن اليمني، ورغم نفي مكتب هادي لذلك ،الا ان تسريب الخبر نفسه كان غريبا خاصة انه جاء بعد مغادرة الملك سلمان لإندونيسيا، وظهر وكأن هادي يسعى للاستنجاد بسلمان لتخليصه من ضغوط يتعرض لها ويرفض التجاوب معها.
3-مجيء التصريحات على لسان السفير الأمريكي وليس عبر وزير الخارجية او أي مسئول اخر في واشنطن مع ملاحظة انها جاءت بعد لقاء تولر بهادي، ووصف الأول للثاني بالصديق والحليف ،في حين تقضي خطة كيري الإطاحة بهادي عمليا من منصبه، وقبلها تأكيد البنتاغون ان العمليات التي تقوم بها القوات الامريكية ضد القاعدة في عدد من المحافظات اليمنية تتم بالتنسيق مع حكومة هادي بصورة اوحت وكأن هادي قد منح الامريكان شيكا على بياض لعمل ما يشاؤون في اليمن بذريعة محاربة الارهاب.
4-مسارعة الجنرال علي محسن نائب هادي للانتقال الى مارب عقب لقاء تولر بهادي، وعقد اجتماع مع كبار القيادات الموالية له، رافقها تصريح مصدر عسكري، لصحيفة الإمارات اليوم، تحدث عن التحضير لإطلاق عملية عسكرية واسعة النطاق غير معلنة في جبهات القتال كافة، بعد أسابيع من التركيز على الساحل الغربي، وهو توجه يعد معاكسا لتصريحات تولر بعدم وجود حل عسكري للازمة.
-كل ما سبق يظهر ان هادي يتعرض لضغوط شديدة من قبل الأمريكيين والاماراتيين وبتغاضي من قبل محمد بن سلمان لتقديم تنازلات معينة مازال يرفض تقديمها، ويبدو جليا ان إعادة احياء مبادرة كيري و اشهارها في وجه هادي مجددا يندرج ضمن محاولة ممارسة الضغط عليه للتجاوب مع تلك المطالب اكثر من كونها توجها حقيقيا لتنفيذها بكامل بنودها، ويبدو ان لذلك علاقة بمساعي الامارات والولايات المتحدة للحصول على موافقة هادي وحكومته لإقامة قواعد عسكرية في جزيرتي ميون وسقطرى ،وكذا منح تسهيلات مفتوحة للقوات الامريكية في محاربة الإرهاب بصورة تمهد لإقامة المناطق الامنة التي يريد ترامب في اليمن.
-إضافة الى الترجيح بضغط امريكي على هادي للحد من توغل قيادات الإصلاح المتهمة أمريكيا بدعم وتمويل الإرهاب داخل حكومته والقوات الموالية له كما هو حال نايف القيسي محافظ البيضاء، وحسن ابكر القيادي الإصلاحي في الجوف وغيرهم، ويبدو ان تكرار حوادث استيلاء القاعدة في ابين على شحنات أسلحة مرسلة من مارب الى مقاومة تعز ومعسكرات في ابين وقبلها ارسال قوات هادي في مارب أسلحة للذهب باعتباره قائد لمقاومة في البيضاء قبل أيام من تصفية الأمريكيين له، كل ذلك له علاقة على ما يبدو بمسارعة إدارة ترامب لفتح هذا الملف الصعب في وجه هادي وبصورة تعيد الى الاذهان الضغوط الامريكية على هادي ودفعه للاشتراك في عملية تقليم اظافر محسن العام 2014م.
-اجمالا يمكن القول انها ليست المرة الأولى التي يجد هادي نفسه في مأزق حرج، فمنذ وصوله الى الحكم وهو يتنقل من مأزق الى آخر اشد منه، لكن الخطورة هنا تكمن في وصول اللاعبين الإقليميين والدوليين الى مرحلة جني الثمار ،وكل منهم يسعى لجعل هادي يدفع له مقابل دوره وجهوده التي قام بها طيلة الأعوام السابقة، والكارثة ان الثمن المطلوب له علاقة بالسيادة والأرض اليمنية وبمستقبل اليمنيين.
aziz5000000@gmail.com