دخلت محافظة عدن الشهر السادس على إنتهاء الحرب وإعلانها مدينة محررة في 17 يوليو العام الجاري، إلا أن الملف الأمني لا زال يمثل أبرز التحديات التي تواجه السلطات المحلية فيها، بعد أن أصبح تواجد عناصر التنظيمات الإرهابية "القاعدة" و "داعش" في المدينة يشكل خطراً متزايداً يمانع عودة الاستقرار اليها بإرتكابها جرائم الاغتيالات للكوادر القضائية الأمنية ورجال اللجان الشعبية التي كان بداية تنفيذها في مدينتي الحوطة وأبين اللتان تمثلان العمق الجغرافي المكمل لضمان توفير الأمن محافظة عدن، بالإضافة إلى إصرارها علناً على تعطيل أية جهود تقوم بها السلطة المحلية لإعادة الاستقرا الأمني فيها، وإنهاء حالة الفوضى والعنف التي يراهن على استمرارها هذين التنظيمين، لما توفره لهما من ظروف لفرض وجودهما كقوة على الأرض لإرغام المواطن بالتعامل معها على غرار ما يحصل في مدينة المكلا بحضرموت، وتعدى إصرار تنظيم "داعش" مستوى اغتيال القيادات الوسطى، بإرتكابه جريمة اغتيال محافظ عدن اللواء جعفر محمد سعد في 6 ديسمبر الجاري، التي جاءت كردة فعل على تصريحاته بدمج 12 ألف من المقاومة في الجيش والأمن، وعزمه على إجتثاث الإرهاب من المدينة، بالإضافة إلى ما تحمله من رسائل أخرى إلى السيد إسماعيل ولد الشيخ مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة في اليمن، بعد يوم من زيارته لعدن اليوم ، في إطار جهودة لعقد المشاورات بين الأطراف اليمنية المتحاربة، ليضع التنظيم بجريمته الشنعاء المدانة المحافظ الجديد أمام تحدي كبير، وإيلاء الملف الأمني إهتمام خاص، لتطهير عدن من عناصر هذين التنظيمين اللذين يمثلان العقبة الكبرى أمام الاستقرار في عدن واليمن بشكل عام .
يرتبط ظهور التنظيمات الإرهابية في اليمن ارتباطاً وثيقا بالوضع السياسي فيه، ويتضح هذا الترابط من قرأة مراحل تأسيسها الذي نجد ظهوره يتزامن مع بروز حالة الرفض الجنوبي أو القبول بالتحول من موقع القوي المخير إلى وضع الضعيف المسير، هكذا ظهرت بداية تنظيم "القاعدة" قُبيل حرب 94م، عندما رفض علي سالم البيض الشريك الجنوبي في الوحدة الرضوخ للقبول بوضع الضعيف المسير أمام شريكة صالح؛ وبدا بروز المتشددين بتنفيذ عمليات الاغتيال التي طالت عدد من الكوادر الجنوبية في صنعاء، كمقدمة للمشاركة في الحرب آنذاك، ثم الانتقال لمرحلة إثبات الوجود ، وتكرر هذا النهج مع ظهور حركة الاحتجاج الجنوبية "الحراك الجنوبي السلمي" الرافضة للوحدة مع الشمال في 2007م ، حيث عادت ظاهرة الاغتيالات عامي 2008م و2009م في أبين وكانت مقدمة لتأسيس جماعة "أنصار الشريعة" القريبة من القاعدة؛ كمحاولة لإختراق الحراك الجنوبي لإحتواءه وإلصاقه تهمة العلاقة بها، وكان مسلسل اغتيالات الكوادر الأمنية للتخلص من منظومة الأمن وخلق مناخ العنف الفوضى، هو العلامة البارزة لسعيه لكبح جماح حركة الاحتجاج الجنوبية ، كما لم تختلف أيضاً طريقة ظهور تنظيم "داعش" عن ما سبق، حيث برزت فتاوى تأييد البغدادي عندما رفض الرئيس اليمني عبدربه هادي إملاءات مليشيات الحوثيين والرئيس السابق صالح في يناير العام الجاري - عشية الحرب على المحافظات الجنوبية - لتبريرها من جهة ولإهداف أخرى متصلة بتمددها، وكان حرص تنظيم "داعش"على التوغل في صفوف المقاومة الشعبية في الجنوب، إشارة واضحة لأهدافه المستقبلية من حضوره في بعض الجبهات، ولم تكُن ظاهرة رفع عناصره لعلم الدولة الاسلامية " داعش"، وهم يجوبون شوارع مدينة عدن بسيارة محملة بجثث قتلى من طرف الحوثيين إلا مقدمة للظهور والتمكين في الجنوب ، ويذكرنا بنفس المراحل التي مرت بها جماعة "أنصار الشريعة" ، حين رفع عناصرها علم تنظيم "القاعدة" في تجمع للحراك الجنوبي في المعجلة عام 2009م. ليتضح لنا من هذه العلاقة كيفية انتقال تنظيم "داعش" من مرحلة الحضور والتمدد في الجنوب الى مرحلة رفض عودة الحكومة الشرعية إلى عدن أواخر سبتمبر هذا العام.
لم يمض على التفجيرات الانتحارية في 6 أكتوبر التي استهدفت مقر الحكومة المؤقت ومعسكرللضباط الاماراتيين وإعلان داعش تبنيه أعمال التفجيرات وظهوره بشكل علني في عدن، سوى ستون يوماً حتى تفاجئنا بتبنيه جريمة جديدة لاغتيال محافظ عدن اللواء جعفر محمد سعد ومرافقوه في 6 ديسمبر الجاري؛ فالبعودة إلى الفترة ما بين الجريمتين يتضح أن تنظيم "داعش" كرس جهوده وامكانياته خلال فترة الـستين يوماً لتنفيذ عمليات الاغتيالات في لحج ، وفصل الرؤوس لعناصر محسوبة على اللجان الشعبية، لاحكام سيطرته على لحج ، ومنع محافظي محافظات لحج وأبين من دخول عاصمتي المحافظتين، في خطوة فسرت أنها إعلان الرفض لأي خطوات تقوم بها السلطات اليمنية لتطبيع الأوضاع في الثلاث المحافظات، وتشير الاحصائيات إلى تزايد جرائم الاغتيالات في لحج وعدن عقب إنتهاء الحرب في يوليو/تموز الماضي بشكل غيرمسبوق، وتجاوزت خلال تلك الفترة المائة جريمة اغتيال تحمل بصمات "القاعدة" و"داعش" - وفقا لإحصائيات رسمية تداولتها بعض الوسائل الإعلامية - معظمهم شخصيات سياسية وقضائية وقيادات أمنية وقيادات في اللجان الشعبية في الحوطة وعدن، وأبرزها جريمة اغتيال محافظ عدن اللواء جعفر سعد في 6 ديسمبر الجاري الذي تبنى تنظيم "داعش" تنفيذها.
ووصف مهتمون تزايد عمليات الاغتيال للكوادر الجنوبية، وبث الفوضى في مدينة عدن بالإضافة إلى الحوطة وزنجبار من قبل "القاعدة" و"داعش"، وبث تنظيم داعش لفيديو مصور لعمليات إعدام نفذت في عدن بحق (24) شخص من الحوثيين في عدن قبيل تنفيذه عملية اغتيال محافظ عدن اللواء جعفر سعد، انها تأتي في سياق محاولة تنظيمي "داعش" و"القاعدة" لإثنى المحافظ عن إصراره وعزمة لتطبيع الأوضاع في عدن، والضغط عليه بغية عدم معالجة الملف الأمني، وإنهاء حالة الفوضى والعنف ؛ والتي لم يرضخ لها المحافظ، بل ازداد بشجاعته المعروفة إصراراً وعزيمة على المضي لوضع الأسس التي تؤدي لإقتلاع هذين التنظيمين من عدن، ويتضح هذا بإعلانه عشية اغتياله عن عزمة لدمج (12) ألف من عناصر المقاومة بعدن في الجيش والأمن.
لقد قطع الرئيس اليمني الطريق على تنظيم "داعش" بسرعة إصداره قرار تعيين العميد عيدروس الزبيدي محافظاً لعدن، ومثل قبول الزبيدي بالقرار ضربة قاصمة لتنظيم داعش، الذي كان يراهن على تأخير اصدار قرار تعيين محافظ جديد لعدن ، فترة طويلة ليبث خلالها حالة الخوف والرهبة، لتحويل أي حاكم قادم لعدن إلى مجرد حاكم شكلي، ذلك ما يؤكد مسارعته باصداره بيان حمل توقيع "ولاية عدن أبين" وبث على مواقع جهادية تابعة له تبنى فيه جريمة اغتيال محافظ عدن اللواء سعد في نفس اليوم 6 ديسمبر، وجاء فيه "انه بتوفيق من الله وبعملية أمنية خطط لها بدقة ، تم قتل المرتد جعفر محمد سعد محافظ عدن وثمانية من زبانيته وحراسه". وتوعد التنظيم بشن مزيد من الهجمات وقال في بيانه "نعد رؤوس الكفر في يمن الايمان والحكمة بعمليات تقطف رؤوسهم العفنة , ولن يهنأ لهم عيش ولن تطيب لهم الحياة وفينا عين تطرف, والأيام بيننا". لكنه تفاجئ بشجاعة وقبول عيدروس الزبيدي بالمنصب وإصراره على محاربتهم وإقتلاعهم من عدن، بحسب تفسير بعض المراقبين للتهديدات الموجهة للمحافظ الجديد التي نشرها "أبو الليث الأبيني" أحد قيادات التنظيم على حسابه في مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك .
لم يحصل من قبل التفاعل الشعبي والإعلامي والحزن الشديد الذي أبداه أهالي محافظة عدن أثناء توديعهم أبن مدينتهم ومحافظها اللواء سعد الذي اغتالته أيادي الغدر والإرهاب، وكذلك الفرح الذي قوبل به قرار تعيين عيدروس الزبيدي خلفاً له، فالشجاعة والتواضع ، صفة اجتمعت في السلف والخلف، اللذان حملا أمل الأهالي للتخلص من الفوضى وبناء العهد الجديد، ليرث الزبيدي تركة الحرب المثقلة "التنظيمات الإرهابية" التي ورثها من قبله سلفه جعفر سعد، ودفع حياته ثمناً لأعلى راية الحرية، وتمسكه بالقيّم والعهد الذي قطعه على نفسه لإنهاء وجود عناصر هذه التنظيمات من مدينة عدن ليجد المحافظ الجديد نفسه أمام معترك جديد يتطلب من الجميع تضافر الجهود معه والالتفاف حوله لانجاح ما تعهد به، بتصفية وتطهير العاصمة عدن من تنظيم الدولة الإسلامية المعروف بتنظيم داعش الإرهابي وكذا تطهيرها من القاعدة في أول تصريح له عقب صدور القرار الجمهوري بتعيينه محافظاً لعدن. والذي وزع على وسائل الإعلام وأكد فيه "انه ومن هذه اللحظة الحاسمة فإننا لن نسمح لعناصر داعش البقاء في على العاصمة عدن وسنلاحقهم إلى جحورهم حتى نطهر عدن من هذه النبتة الخبيثة التي عكرت صفو العاصمة عدن بجرائمها الشنيعة التي لم تشهد عدن مثلها من قبل.
محذراً بأننا ومن موقعنا هذا نحذر كائن من كان من التستر أو إيواء عناصر داعش والقاعد فإننا سنضرب ونداهم و بقوة أماكنهم و كل من تعاون معهم فلن تذهب دماء الشهيد جعفر محمد سعد هدر ونحن واثقون قدرتنا على القضاء على تنظيم داعش المستورد إلى العاصمة عدن وندعو كل المكونات والأحزاب السياسية للعمل معنا لنعيد لعدن مكانتها .
إن خطورة الوضع القائم في عدن، تكّمن في قوة وحجم تواجد عناصرالتنظيمان "القاعدة وداعش" فيها بصورة تفوق قدرة الإدارة لدى المقاومة، وأجهزة الشرطة التي عجزت عن السيطرة على المفاصل المهمة في المدينة طيلة الفترة السابقة، ولم تترجم خطوات ومساعي المحافظ السابق اللواء جعفر سعد الرامية لتطهير المدينة من وجود هذه التنظيمات الإرهابية، التي أستفادت من الفراغ السياسي والأمني الذي خلفته الحرب.
آن الوقت للذين تزاحموا للترشح للمناصب في عدن، إن يدركوا أن محافظتهم لم تصنع نصراً محاطاً بالورود! وإنما نصراً مفخخاً ، فالحرب خلفت لها تركة "داعش" و"القاعدة " ، ولن يقبل أحد بهذه المناصب إلا من كان شجاعاً وصارماً، أو من لدية الإرادة الصلبة والأمانة في تحمل المسؤولية لتخليص أبنائها من هذه التركة الخبيثة، وهذا ما نراه يتجسد في المحافظ الجديد عيدروس الزبيدي ، ومدير الأمن الجديد شلال شائع، القادران على تطهيرها من تواجد عناصرهذين التنظيمين، الأمر الذي يحتاج من أولئك المتزاحمون أولاً ومن الجميع قوى سياسية ومنظمات مجتمع مدني، ومقاومة ومواطنين الإلتفاف حول المحافظ الجديد ومدير الأمن والتعاون معهم لإنجاح مهامهم النبيلة في عدن لخلق واقع جديد خالي من الإرهاب.
n.albadwi2013@hotmail.com