إن تكرار جماعة الحوثي "أنصار الله" لنفس الخطأ الذي وقعت فيه الثورات العربية بإنتاجها الأنظمة الدكتاتورية القمعية، عندما أقدمت على الفعل الثوري منفردة دون غيرها من القوى السياسية اليمنية متحدية الإرادة الشعبية لفرض برامج وأهداف سلطتها الثورية بالقوة من طرف واحد على السواد الأعظم من الشعب، دون أن تحظى بأي تأييد شعبي أو سياسي، محلياً أو خارجياً، حتى وإن لجأت إلى ارتكاب جرائم القتل والتنكيل واستعداء الشعب، وشن حملات الاعتقالات واختطاف المسؤولين والصحفيين وتضييق الحريات عليهم ومنع التظاهر، كي تحصل على التأييد السياسي والشعبي بالإكراه، لن يحقق لها شيئاً وإنما سيضعها في زاوية ضيقة وسيقصر بعمرها لاختلاف الواقع السياسي والوعي المجتمعي اليوم بعد أن مارس الشعب اليمني الديمقراطية والحرية، ولو في أدنى مستويات ممارستها عما كان عليه في زمن تلك الثورات في منتصف القرن الماضي التي لم تدم الأنظمة القمعية التي أفرزتها إلا عشرات السنين.
لم تستفد جماعة الحوثي من أخطاء ثورات مرحلة الحرب الباردة التي أثبت التاريخ فشلها وما أنتجته من أنظمة ديكتاتورية قمعية بسبب إخضاع المجتمع بالقوة لنيل التأييد الشعبي، حتى وإن كان مرحلياً كما تنظر جماعة الحوثي، ونلاحظ تحركاتها اليوم في محافظات اليمن وممارستها تزييف الحقائق والتناقض في خطابها السياسي، ومغالطة الشعب بوضعها يداً على السلاح وأخرى للتفاوض، لكسب الوقت والتمدد لإكمال مشروعها الانقلابي، واختطاف من ترى أنه يقف في طريق تقدمها وتمددها، دون مراعاة أو احتساب أي نتائج لتداعيات ممارستها الخاطئة على وحدة النسيج الاجتماعي للمجتمع اليمني، أو خشيتها من نتائج هذا الانتحار السياسي الذي تقدم عليه من أنه سيضعها في زاوية ضيقة قد يؤدي إلى تدميرها ذاتياً وتخسر حلفاءها وتفقد أنصارها والاتجاه إلى التفكك، لكن بعد أن أوصلت البلد إلى مرحلة التفكك المذهبي والمناطقي.
لا أعتقد أن تزايد جرائم الاختطاف التي تستهدف بها "جماعة الحوثي" الصحفيين في الحديدة وصنعاء، وسلوكها الإجرامي ضد المسؤولين سيحقق مبتغاها لتهدئة نغمة الشارع، ورضوخ الشعب والتسليم باغتصابها إرادته، وعلينا أن لا نستمر في سكوتنا عن جرائم الاختطاف، طالما نحن نعرف جيداً أن ما يجمع عليه علماء المسلمين بأن ما يجري من حين لآخر من عمليات خطف للرهائن المدنيين هي نوع من "البغي" المحرم في الإسلام، وأن المسلمين الذين يلجأون للخطف "خارجون بذلك على الحدود الشرعية"، وأنه لا يجوز احتجاز المدنيين، حتى ولو كانوا من الأعداء، كرهائن وتهديدهم بالقتل، بسبب عمل يرتكبه أو يمتنع عنه غيرهم وليسوا مسؤولين عنه، ولا يمكنهم منعه.
نستغرب من هذه الجماعة التي تدعي بأنها تناضل من أجل حرية الشعب اليمني وهي في الواقع من تمتهن كرامته وحريته، وتتسبب في اضطراب حياتهم واستقرار معيشتهم، فأي حرية يمكن أن تحققها للشعب بممارسة لجانها الثورية جرائم الاختطاف التي حرمتها الديانات السماوية والمواثيق الدولية، فجريمة اختطافها واحتجازها للرهائن "وزراء، مسؤولين، صحفيين، مواطنين" لا تمثل اعتداءات على حقوق الإنسان المختطف في أمنه وحريته الشخصية، وما يصاحب ذلك من تهديده بالقتل وإخافته فحسب، بل هي جريمة تستهدف أيضاً ترويع غير المختطفين من الآمنين، حيث لم يعد يفرق الخاطفون بين المحاربين والمدنيين، وبين الأعداء وغير الأعداء، إنما أباحوا خطف كل من يعارضهم من الصحفيين والسياسيين ونخشى أن يتطور الأمر إلى التصفيات الجسدية، بعد تلقي الدكتور عادل الشجاع التهديدات بالتصفية الجسدية، وهو ما يدل بوضوح على فظاعة هذه الجرائم وغلظة مرتكبيها وخسة مقاصدهم.
كيف لنا أن نتصور في مخيلتنا ونحن نعيش في زمن القرن الواحد والعشرين، زمن الديمقراطية والانفتاح والقبول بالآخر، أن تأتي مليشيات مسلحة من كهوف "مران" لا تختلف كثيراً عن أنصار الشريعة (الإرهابية)، بأفعالها وجرائمها حتى وإن اختلفتا في الانتماء المذهبي، لتصادر إرادة أكثر من 25 مليون شخص وتنصب نفسها سلطة عليهم، وتمنع التظاهر وتضيق الحريات وترتكب جرائم الاختطاف للنشطاء والصحفيين وتهددهم بالتصفية الجسدية فقط لمعارضتهم لها، أو أن تستمر في التحكم بحياة وشؤون اليمن وتستخف بإرادة شعبه وكرامته غير خائفة من أن ينتفض عليها، لتتجرأ بإجباره وترهيبه بغية حصولها على تأييده متناسية أن أسلافها الأولين أبناء جلدتها فشلوا مرات تلو المرات حين حاولوا إرغام القبائل في بعض المناطق التي يحاول التمدد فيها على ذلك في وقت مضى، غير مدركة بأن اختطاف الحرية لا يبني الأوطان، وهذا ما تسبب في فشل الثورات السابقة والأنظمة الدكتاتورية أمام غضب الشعوب.
n.albadwi2013@hotmail.com