لست مستغربا من الهجمة الشرسة على الإسلام وخاصة ما يسميه البعض - الإسلام السياسي - من قبل الغرب الكافر الذي لم يدخر جهداً في قتل المسلمين واستعمار بلدانهم وامتصاص ثرواتهم وإذكاء نار الفتنة بينهم فهذا قد غدا عند كل مسلم واقعا نعيشه وهو بديهة من البديهيات نظراً لكثرة الآيات القطعية والأحاديث النبوية التي تنبؤنا عن حال الكفار وحقدهم وأساليبهم في مواجهة دعوة الإسلام، لكن المستغرب أن يشاركه في حملته تلك بعض من أبناء جلدتنا والذين خدعوا بالحضارة الغربية وضبعوا بها وببريقها المادي الزائف، لقد رضي بعض السياسيين وبعض الكتاب والإعلاميين أن يكونوا أداة من أدوات الغرب يسخرهم في معركته ضد الإسلام قاصدا تشويه نور الله وإطفاء جذوته التي تلهب نفوس المسلمين لاستعادة مجدهم وإقامة خلافتهم الراشدة على منهاج النبوة ولكن هيهات والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾،
لقد قرأت مقالةً للأخ الكاتب عباد محمد العنسي تحت عنوان: (الإسلام السياسي هو المشكلة.. وليس الإسلام هو المشكلة..؟؟). لقد حاول الكاتب أن يدافع عن الإسلام كما يبدو للناظر بسطحية إلى عنوانه ,لكن الذي يقرأ المقالة بعمق واستنارة يجد أن الكاتب يهاجم الإسلام ويساير الغرب ومفكريهم الحاقدين على الإسلام السياسي قائلاً ضمن مقالته (أقول هنا أن الإسلام السياسي القائم على فكرة أن الإسلام دين ودولة هو المشكلة التي حولت الإسلام إلى مشكلة في نظر الآخرين وفي نظر بعض أبناء الأمة الإسلامية الذين ينظرون إلى هذه الجرائم التي يرتكبها أناس مسلمون بدعوى أنهم يسعون لإقامة الدولة الإسلامية وأنهم يمثلون الإسلام كدين ودولة. الإسلام دين ودولة هي الفكرة التي حولت بعض أبناء المسلمين إلى وحوش يرتكبون أبشع الجرائم باسم الإسلام)، بداية أقول للأخ الكاتب في هذه العجالة: لا يهمنا إرضاء الغرب الكافر الذي لا زال يفكر بعقلية الحروب الصليبية ويكفينا قوله سبحانه وتعالى عن الكفار أيا كانوا ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾، وقوله سبحانه: ﴿وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ﴾، ثم لماذا يحاول البعض مسايرة الغرب ويضع الإسلام في قفص الاتهام يأخذ منه ما يرضي شهواته ويسعى في تفريخه ليصل إلى ما وصلت إليه (المشكلة ليست في الإسلام بل هي في الإسلام السياسي؟!!)، ألهذه الدرجة بلغ حرصكم على الغرب لتأولوا الإسلام كما يريد طالبو رضاه؟!!، كحال من سبقكم من بعض العلماء والكتاب الذين طعنوا الإسلام وحاولوا تسخيره في سبيل إرضاء الحضارة الغربية بدعوى التوفيق والإصلاح ظانين أنهم يحسنون صنعاً، إن هذه القضية التي يعرضها الكاتب مدعيا فيها أن المشكلة تكمن في الإسلام السياسي وبالأخص في فكرة الإسلام دين ودولة قد عرضت سابقاً من قبل أولئك الذين شاركوا في القضاء على خلافة المسلمين - الدولة العثمانية - ومنهم علي عبد الرزاق وغيره من المنبطحين والمعتوهين الذين أرادوا أن يشرعنوا للجمهورية وغيرها من الأنظمة الوضعية بقولهم إن الإسلام لم يحدد شكلا معينا للحكم وأن الخلافة ليست فرضا وليست أمرا دينيا؟!! فكان أن شاركوا الغرب في القضاء على دولة المسلمين وخلافتهم. لقد كانت القومية خنجرا استخدمه الغرب للفتنة بين المسلمين للقضاء على وحدتهم وها هو الكاتب لا يخفي نبرته القومية التي تنادي بجعل العرب إخوة ولو كانوا من أديان مختلفة!! ليضرب عرض الحائط بقوله تعالى ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، إنها آية تحصر الأخوة بالإسلام وتأبى أي رابطة غير رابطته؛ فالمسلم أيا كان لونه ولسانه والقطر الذي يعيش فيه هو أخو المسلم، لقد قاتل رسول الله قومه وعشيرته رغم وحدة اللغة واللسان ولم يعتبر إلا أخوة الإسلام، فهل كنتم أحرص منه على قومه وعشيرته يا دعاة القومية؟ وهل أنتجت لنا تلك العصبية المقيتة إلا الدمار؟ وما الفرق بين العصبية الطائفية المقيتة التي تذمونها وعصبيتكم القومية التي تنشدونها؟!!.
إن فكرة أن المشكلة هي في الإسلام السياسي التي تنادي بأن الإسلام دين ودولة هي فكرة خبيثة يراد تكريسها بين المسلمين، وهي الفكرة التي أقصت دينهم عن الحياة، مع أن الصحيح أن يقال إن الإسلام دين منه الدولة، وإذا كان معنى الدولة أنها الكيان التنفيذي لمجموعة المفاهيم والقناعات والمقاييس عند الأمة، فإن الإسلام قد أوجب إيجاد ذلك الكيان؛ فآيات الحكم والحاكمية وآيات الحدود والعقوبات ورعاية الشؤون تحتم أن يكون هناك كيان معني بأمر رعاية شؤون الناس وتنفيذ أحكام الإسلام عليهم، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، هذا على أقل استدلال، أما شكل ومضمون هذا الكيان فلم يغفل عنه الإسلام؛ فالله أمر في كتابه بإيجاد الحاكم الذي يطبق الشرع، والسنة النبوية أمرت بأن يكون حاكما واحدا وسمته بلقب الخليفة أو الإمام وجاز أن يلقب بأمير المؤمنين بإجماع الصحابة، لكن النظام السياسي الذي لم يختلف صحابة رسول الله فيه هو وجوب نصب خليفة واحد في دولة واحدة مع اختلافهم في من يكون خليفة حيث يدل ذلك على أن الخليفة تختاره الأمة أو من يمثلها ولا وجود لنص أو وصية تعين من يكون خليفة، هذا النظام هو نظام الحكم في الإسلام ألا وهو نظام الخلافة والذي تتجلى أركانه من استقراء النصوص الشرعية وإجماع الصحابة رضوان الله عليهم وهي:
- السيادة للشرع
- السلطان للأمة
- نصب خليفة واحد واجب على المسلمين
- حق تبني الأحكام الشرعية للخليفة وحده
لقد حاول الكاتب عبثاً أن يجعل من مقولته (إن فكرة ان الاسلام دين ودولة تتعارض مع ان هذا الدين هو دين ارسل للعالم اجمع ومن هنا فلا يمكن ان تقام دولة اسلامية تظم كافة شعوب العالم ان هي اعتنقت الاسلام لأنها ستتعارض مع فطرة الله في خلق هذا العالم وتقسيمه الى شعوب وقبائل التي اشرنا اليها.. وان الامر الطبعي هو اقامة نوع من العلاقة بين دول الشعوب الاسلامية نظرا لتوافر عامل مشترك بينهم يجعل من تقاربهم امر سهل ووفقا لما ورد في الاسلام لقوله تعالى ((لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم)) انتهى.
لقد حاول بمقولته السالفة الذكر أن يدلل على فكرته السقيمة مقيماً التعارض بين مفاهيم الإسلام والذي لا يوجد إلا في مخيلته وفهمه السقيم؛ فهو ينفي التاريخ بل ينفي حقائق الإسلام التي ثبتت بالأدلة الشرعية سواء أكانت في الكتاب أو السنة أو إجماع الصحابة أو القياس الشرعي المعتبر، حيث توجب هذه الأدلة تحكيم شرع الله في جميع مناحي الحياة وتوجب إيجاد كيان واحد للمسلمين وحرمة تعدد كياناتهم ودولهم، ثم يعطل الكاتب كل هذه الأدلة كونها تجعل الإسلام دينا منه الدولة، ويتعلق بوهمه وبعقله الذي لم يستطع فهم قوله تعالى ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾، فأين التعارض الذي يزعمه الكاتب وهل كون الإسلام أمر بإيجاد دولة واحدة اعتبر فيها أخوة الإيمان والتقوى دون اعتبار للجنس أو اللون أو البلد أو اللغة يتعارض مع خلقه للناس شعوبا وقبائل ليتعارفوا؟! وهل ذلك مانعٌ من تعارفهم؟! لقد تناسى الكاتب أن الإسلام صهر شعوبا وقبائل وقوميات شتى في بوتقته فدخلوا في دين الله عن رضا واختيار ثم لم يلبثوا أن أحسوا بمسئولياتهم لينشروا الخير الذي وصلهم لبقية الشعوب في العالم، ربما جهل الكاتب أن الإسلام كقيادة فكرية فعل ذلك في ظرف قياسي وعن طواعية فلم يكن الجهاد إلا لكسر الحواجز المادية التي تحول بين الشعوب وبين اعتناقها للإسلام، ولم يكن لاستئصال الشعوب وإكراهها على اعتناق الإسلام.
لقد تهجم الكاتب مشككا بالإسلام ونبي الإسلام والخلفاء الراشدين وبتاريخ الأمة مشوها دولتها بقوله (إن الدول الاسلامية التي قامت خلال 1400عام وضمت تحت مظلتها شعوب اسلامية اعتنقت الاسلام كدين بكامل حريتها وارادتها لم ترضى بان تكون جزء من هذه الدول الاسلامية، الا بحكم هيمنة وسيادة القوة.. وعندما ضعفت هذه القوة، عادة تلك الشعوب وكونت لها دول بملاء ارادتها وحريتها)، فبالله من أين استنتج الكاتب أن هذه الشعوب التي دخلت الإسلام برضاها واختيارها لم ترض بأن تكون جزءاً من دولة الإسلام إلا بحكم الهيمنة وسيادة القوة حسب زعمه وافترائه؟ وهل يستطيع أن يذكر لنا أن هناك شعباً من هذه الشعوب ارتد عن الإسلام؟!! أو أن شعبا من هذه الشعوب لم يدافع عن دولة الإسلام؟ ألم يُفن المسلمون في الأندلس بمحاكم التفتيش وبيوت النيران ومقاصل الجلادين وكذلك أهل بخارى وغيرهم؟ أما انفصال بعض البلدان عن الحكم الإسلامي فلم يكن ذلك إلا إرادة لبعض الطامعين في الحكم الذين ضعف فيهم الإيمان وفهم الإسلام مع ولاء بعضهم للدولة الإسلامية ولو شكلاً آنذاك. إن الكاتب يقرأ التاريخ من خصوم الإسلام والمسلمين وهو بعيد كل البعد عن الإنصاف الذي تحلى به بعض الكتاب الغربيين الذين أشادوا بالإسلام ودولته، لقد كانت الدولة الإسلامية قبلة للتائهين والحائرين في ظلام الأفكار والدول المتصارعة الظالمة من أمثال الكاتب والتي لو وجدت الآن كخلافة راشدة على منهاج النبوة ورأى الكاتب عدلها وحسن تطبيقها للإسلام وانصهار البلاد والعباد بها لما وسعه إلا الاتباع أو الموت غيظا أمام عظمتها.
اقرأ تناقضات الكاتب؛ فمما قاله: (الاسلام السياسي جاء وهو يحمل تحت عباءته عوامل تمزيق هذه الامة كشعب واحد وعوامل التمزيق تتمثل في: جاء وهو يحمل أن ليس هناك هوية عربية وفق فكرة الاسلام دين ودولة وانما هناك هوية اسلامية.. وان المواطن العربي الذي يعتز بعروبته ويدافع عنها ولكنه يعتنق ديانة غير اسلامية لم يعد له اخوة ومواطنون عرب لا يعتنقون ديانته لان هويته اصبحت هوية مسيحية أو يهودية..الخ...) الكاتب يتعصب للعروبة التي مزقتنا؛ فهو يريد دولة عربية واحدة يحمل عليها العرب بدياناتهم المختلفة ما داموا عربا حسب زعمه، وربما سيقاتلهم إن لم يخضعوا لدولته العربية الواحدة بدعوى العصبية بينما هو يعيب على دولة الإسلام رحابتها وتوسعها ويموت غيظا حين يجد أن نصارى الشام قاتلوا إلى جانب القائد صلاح الدين الأيوبي ضد الصليبيين أهل ملتهم، ولو أن الكاتب رحم نفسه وعاد إلى رشده وقرأ بإنصاف لذهب ما به. ولو تمعن الكاتب في الآية التي ادعى أنها تتعارض مع مفهوم الإسلام دين ودولة ﴿إن أكرمكم عند الله اتقاكم﴾، لوجد أنها لا تتعارض إلا مع قوميته النتنة التي لم تجن على المسلمين إلا الفرقة والشتات ومكنت الغرب من رقاب المسلمين بعد سقوط خلافتهم، ويكفي ما قاله الشاعر أحمد شوقي رحمه الله في وصف حال شعوب الأمة الإسلامية بعد إلغاء الخلافة بقوله:
ضَجَّت عَلَيكِ مَآذِنٌ وَمَنابِرٌ وَبَكَت عَلَيكَ مَمالِكٌ وَنَواحِ
الهِندُ والِهَةٌ وَمِصرُ حَزينَةٌ تَبكي عَلَيكِ بِمَدمَعٍ سَحّاحِ
وَالشامُ تَسأَلُ وَالعِراقُ وَفارِسٌ أَمَحا مِنَ الأَرضِ الخِلافَةَ ماحِ
لقد حمل الكاتب الإسلام كل إساءات الحكام والحركات التي قامت على أساسه عبر التاريخ ولم يفرق بين الإسلام كدين منه الدولة أو كنظام فيه سعادة البشرية وحل مشكلاتها وبين القائمين على تطبيق هذا النظام من حكام أو حركات أساؤوا فهمه وتطبيقه؛ فالدولة الإسلامية دولة بشرية حكامها ليسوا معصومين وهم بشر يخطئون ويصيبون ويتفاوت فهمهم لأحكام الإسلام كما تتحكم بهم الأهواء وتجذبهم شهوات الدنيا، لكن أن يتجنى على الإسلام بأفعال هؤلاء فهذا ليس من العدل، فالإسلام ليس فيه رجال دين مخولون به يتكلمون باسمه كما هو حال النصرانية والكنيسة التي زعمت أنها ظل الله في الأرض، وإن قال بذلك أحد من المسلمين أو حركاتهم وزعم ذلك فإننا يجب أن نبين خطأه وندحض فريته لا أن نرمي ذلك على الإسلام، كما أن الحاكم في الإسلام ليس كالملوك والقياصرة في عهد الكنيسة مفوضا عن الله ومعصوما بل هو بشر مقيد بأحكام الإسلام ويجب على الأمة محاسبته ومقاتلته وعزله إن استوجب فعله ذلك.
كنا سنحسن الظن بالكاتب لو أنه فضح أعمال السياسيين من حكام وحركات يقومون بتلك الأفعال الفظيعة التي يقومون بها باسم الدين حيث يشرعنون لأفعالهم وجرائمهم بليّ أعناق النصوص وتمييعها لتناسب هواهم، بل كنا سنؤيده ونبين معه ونأخذ على يده، لولا ما فاح من كريه رائحة مقاله تهجما على الإسلام السياسي كجزء من الإسلام الذي ندين به ونعتز.
اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون
* رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية اليمن: