خلف اكثر النزاعات مرارة وعنادا نجد ما اسميه المشاعرالدينية السلبية والمشاعرالوطنية السلبية. وطبقا للبروفيسور ايريك فروم، فان مزيجا قاتلا من القدرة الانسانية على تصور او توهم المخاطر المستقبلية، والقادة الدينيين والسياسيين المسكونين بالهواجس والكراهية، وتعدد الرموز والقيم والمعالم التي يعتبرها الانسان مقدسة مع الشعور المتوهم بأنها مهددة، هي اساس التدين والوطنية السلبيين اللذان يخلقان لدى الانسان استجابات عنيفة، ويصيبان قطاعات واسعة من المجتمعات بمتلازمة جنون الاضطهاد، كما هو الحال مع غالبية الاسلاميين في العالم الاسلامي هذه الايام،. ويعرض فروم القضية بوضوح لا مزيد عليه فيقول:
جنون الاضطهاد وعنف رد الفعل
إن أكثر أنواع العدوانية انتشاراً هو عنف رد الفعل الدفاعي. ويعرض كل نوع من أنواع الحيوانات هذا النوع من العنف عندما تتعرض مصالحه الحيوية كالحياة والإقليم والطعام والصغار وحرية الوصول إلى الإناث للتهديد، وهذا عندما لا يكون الهرب هو رد الفعل الأولي. وهذه التهديدات للمصالح الحيوية يجب أن تنطوي بالنسبة للحيوان على تهديد واضح وماثل حتى تثير فيه رد فعل عدواني. ويستجيب الإنسان أيضاً بعنف للدفاع عن مصالحه الحيوية، ولكن بعض المميزات التي يختص بها الإنسان تجعله يمارس العنف بوتيرة أكبر مما تفعله بقية أنواع الحيوانات.
إن قدرة الإنسان على التفكير والمعرفة تسمحان له بالتنبؤ بالمخاطر المستقبلية قبل وقوعها. ولذلك فإن الإنسان قد يتصرف بعنف تجاه خطر مستقبلي متوقع أو متوهم بنفس القوة التي يجابه بها خطراً واضحاً ماثلاً.
وعندما يكون التنبؤ بالخطر المستقبلي قائماً على أساس من التقدير والتوقع المحض وليس على الشواهد الواقعية، فإننا نجد أنفسنا أمام ما يسمى في علم النفس بجنون الاضطهاد.
إن مصالح الإنسان الحيوية تتجاوز تعريف المصالح لدى الحيوان، فالإنسان يحتاج إلى أن يتخذ دليلا هادياً في الحياة يقوم على اختيار قيم معينة وأشخاص ومعالم ومؤسسات يعتبرها مقدسة؛ بمعنى أنه لا يستطيع أن يعيش متمتعاً بقواه العقلية وسلامه النفسي إذا تخلى عنها. ولذلك فإن أي هجوم على هذه الرموز سواء كانت مثلاً أو قبيلة أو أماً أو وطناً أو فكرة الشرف أو أي شيء آخر يعتمد عليه الإنسان في حياته النفسية، أو التهديد بالهجوم على أي منها تكون له نفس طبيعة التهديد بالهجوم على حياة الإنسان ذاته بالمعنى البيولوجي الصرف. وليس من المهم في هذا السياق أن يكون لهذه القيم أو الرموز التي يدافع عنها قيمة حقيقية أو مصداقية عقلية، فكل ما يهم في الأمر، من وجهة نظر الموقف النفسي، هو أن هذه الأشياء مهمة غاية الأهمية للشخص بحيث أنه لا يستطيع مواصلة الحياة محتفظاً بتوازنه النفسي من دونها. وأنه يشعر ان أي تهديد لها هو تهديد لمصالحه الحيوية.
- القابلية للتأثر:
خصيصة أخرى محددة في الإنسان هي قابليته للتأثر. فإذا حاول قادته جعله يعتقد بأنه سيكون عرضة للتهديد، وإذا افتقر هو في الوقت ذاته إلى المقدرة على المحاكمة النقدية لما يسمع أو يقرأ، فإنه سيتقبل الفكرة المطروحة عليه من قبل قادته باعتبارها حقيقة لاشك فيها، وسيتصرف تجاه هذا العدوان المزعوم أو الموهوم بنفس الطريقة التي يتصرف بها تجاه تهديد حقيقي ماثل.
فما يهم هنا هو مقدار اقتناعه بمصداقية التهديد، وهو الأمر الذي يعتمد على درجة اعتماده على قادته، وقابليته للتأثر، وافتقاره إلى التفكير النقدي. ويتميز رد الفعل العدواني من الناحية الوصفية بأنه تتم استثارته بتهديد حقيقي أو مزعوم للمصالح الحيوية، وبأنه يختفي إذا ما تلاشى الشعور بالتهديد أو خفتت حدته، وبأن العمل العدواني فيه مرتبط بالأسباب المذكوره، وأنه لا يثير أي قدر من الشعور بالرضى الجنسي. ومن وجهة النظر الجسمعصبية فإن رد الفعل العدواني يرجع إلى ازدياد الطاقات العدوانية لدى الإنسان، نتيجة الاستثارة، على طاقات كوابح العدوان لديه، وهذه الزيادة تنتج عن الشعور بوجود تهديد حقيقي او متوهم لما يعتبره الإنسان مصالح حيوية فيؤدي ذلك إلى اختلال التوازن الطبيعي فيه.