دائماً ما يدفعنا الأثر المأساوي أو الفرائحي لأي حدث أو جريمة، للاهتمام بالتفاصيل والأبعاد لتلك القضايا والأحداث. في الآونة الأخيرة يكاد تركيز المجتمع يتجه حول أحداث المشهد السياسي في اليمن، والاهتمام بتفاصيل الجرائم والعمليات الإرهابية التي يرتكبها "تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، التي تستهدف قتل الأبرياء، أو تلك التي تتسبب أخطاؤهم فيها في مقتل أعضاء التنظيم، وتطال في نفس الوقت حياة المدنيين الأبرياء، ليفقدوا حياتهم، لضعف الكفاءة والمهارات لدى قيادات التنظيم في نقل المتفجرات. ونجد هذه التفاصيل الخفية والمثيرة في معظم الحوادث، وغيرها من الملابسات لظروف ارتكاب جرائمهم الإرهابية، تقود فضولنا لنغوص ونفتش بأفكارنا في كل مستجد أو جريمة ترتكب، للبحث عن انعكاساتها وتأثيرها على المجتمع، ولكن لنكشف حقيقة عناصر وقيادات هذا التنظيم الإرهابي، وخلع رداء الرهبة البراقة، الذين يحاولون الظهور به لإرهاب المجتمع، ولكشف حقيقة تلك الصورة الخيالية التي غرست حالة الخوف والرعب لدى المواطن، وذلك من خلال معرفة الجديد عن قادته، وكيفية ارتكابهم للجرائم الإرهابية والنجاحات، والتأكد من مدى كفاءاتهم وقدراتهم في الحفاظ على استمرارية صورة الزيف والخداع التي رسموها عن التنظيم في عقولنا، للتأثير علينا للتسليم والخنوع لهذه الصورة الدعائية التي من السهل إسقاطها وفضحها إذا قوبلت بعزيمة وشجاعة من قبل المواطن العادي.
صحيح أن التنظيم حقق نجاحاً برسمهِ هذه الصورة المبالغ فيها عن مهاراته وقدراته الأسطورية في مخيلة المواطن، خلال الأعوام المنصرمة، وتمكّنه بهذا الأسلوب من إسقاط المناطق والمدن في بعض المحافظات اليمنية، لكن مع مرور الوقت اتضح العكس، وصوابية الرأي في ما يطرحه البعض منا، ومنهن زميلتنا الأستاذة الخلوقة "بلقيس"، حين أصرت، الشهر الماضي، على رأيها في جلسة نقاشية خاصة مع بعض زميلات العمل، وذلك عندما بدأت عمليات التحالف الدولي ضد "داعش"، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، في 23 سبتمبر الماضي، وكرست نقاشاتنا للمقارنة بين قدرات قادة "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وبين مهارات وخبرات قادة "تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، ومدى استهتارهما بحياة المدنيين الأبرياء، وقتلهم في العراق وسوريا واليمن.
لم تكن الأستاذة بلقيس مخطئة حين تشبثت برأيها، محاولةً إقناع بقية الزميلات بسردها عدداً من الحوادث والجرائم، لتؤكد لهنّ أن قادة وعناصر "تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، غير مبالين بحياة المدنيين في أنشطتهم الإجرامية والإرهابية، وعدم أخذهم في الحسبان إيقاع ضحايا أبرياء، أو مراعاة ظروف وملابسات ارتكابها، وعدم كفاءتهم بعملهم وأنشطتهم الإرهابية كنقل وخزن المتفجرات التي لا تهدد أخطاء التعامل معها أعضاء التنظيم فحسب، بل أيضاً المدنيين الأبرياء.
لقد كانت صادقة في نقاشها بكل ما ذهبت إليه من أن تنظيم القاعدة في اليمن يعوّل كثيراً على نتائج التأثير النفسي للصورة الخيالية المُرعبة التي يتعمّد رسمها في مخيلة الناس، لبث الخوف والرعب في حياتهم، وإلحاق الهزيمة النفسية بهم، ليستثمرها لتطويعهم للقبول بتواجده، وعدم التصدي له، ليفرض بهذا النهج واقعاً استسلامياً على المجتمع، والرضوخ لأعماله، في الوقت الذي يستطيع كل منا، بما في ذلك الأجهزة المعنية، التصدي له، وإفشال وفضح حقيقته.
لم نتفاجأ حين عادت إلينا، الأسبوع الماضي، من رحلتها العلاجية إلى القاهرة، مبتسمةً وممسكة بيدها هذه المرة (رزمة) من الصحف المصرية، وأعداداً أخرى من صحف "عكاظ" و"الاتحاد" و"السياسة" الكويتية، بعد مرور أكثر من شهر على ذلك النقاش الذي دار بينها وبين بعض الزميلات اللواتي تركت نظراتهنّ وصمتهنّ المُحير جرحاً لها، وكان أشد مما تتركه النار على الجسم (هذا ما أدى حينها بحسب اعترافاتها إلى بلوغ الجدال ذروته، لتتوتر وتخرج عن الحالة المألوفة)، لتكرر نفس الحديث والمشهد السابق، لنتذكر ذلك اليوم الذي احمرت فيه وجنتاها من حدة النقاش، لإصرارها على رأيها، لكن هذه المرة عادت بروح المنتصر (الهادئ) الممسك بالدليل، وإذ بها تفتح صفحات جرائدها الصادرة يومي 14 و15 أكتوبر الماضي، لتقرأ على مسامعنا الخبر المنشور فيها، والذي يؤكد "مصرع اثنين من قيادات "تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، هما محسن السعدى، وأبو يحيى الحضرمى، اللذان قتلا فجر الاثنين 13 أكتوبر، عند انفجار جهاز داخل مستودع للأسلحة تابع للتنظيم في منطقة "آل برمان" بمديرية الزاهر بمحافظة البيضاء في اليمن". ويشير الخبر إلى أن "الإجراءات متواصلة لمعرفة تفاصيل أكثر عن الحادث"، لتثبت بما جاءت به صوابية ومصداقية كل ما ذهبت إليه سلفاً، كي تُقنع زميلاتنا الأخريات، وتكسر صمتهن ونظراتهن السابقة، واللواتي بدورهن سارعن بالاعتراف بأنها امرأة شجاعة استطاعت بإرادتها القوية ورهانها فضح الصورة الدعائية عن ضعف مهارات وخبرات قادة "تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية".
أخيراً، أتمنى للأستاذة بلقيس الصحة، وأكرر لها القول "سلامات"، وأن تكون رحلتها العلاجية ناجحة، وأحيي فيها شجاعتها وتمسكها برأيها السديد، وتشخيصها الموفق عن اهتزاز الصورة الدعائية لتنظيم "القاعدة" في اليمن، وأن هكذا نوعاً من الحوادث يؤكد ما راهنت عليه من أن التنظيم بعيد عن كل مظاهر الكفاءة والرهبة البراقة التي يحاول إظهارها.
n.albadwi2013@hotmail.com