المتغير في المشهد العربي يتّسع ليشمل كل جوانب الحياة في مُغالبة عسيرة لحقيقة درامية تنوء بكلكلها على جسد الأُمة، وتتمثّل هذه الحقيقة في ظاهرة الإقامة المديدة في الماضي السلبي الذي استنفد كامل شروط بقائه، وجعل الحالة العربية مثار سخرية وتهم عالميين.
والشاهد أن الأوضاع العربية بعامة تتسم بقدر واضح من الاحتقانات الداخلية التي كانت ومازالت سبباً في احتقانات موازية على المستوى الخارجي، والاستثناء في هذا الباب لا يكاد يُذكر قياساً بالسائد المُنتشر.
وقد جاءت حرب غزة العدوانية لتكشف الحقائق الماثلة عربياً، وأظهرت درجة العجز والتشظّي الذي يسود الأمة، كما كانت الحرب العدوانية الأخيرة مناسبة أخرى لإظهار الكوامن الواعدة في الأُمة.
فقد عبرت الجماهير العربية عن موقفها الأصيل، وكانت حاضرة في قلب المشهد الاحتجاجي الرافض لمنطق الهيمنة والعدوان، والرفض الضمني لحالة الذهول المخطوف بالعجز وفقدان الحيلة والفتيلة.. اللحظة الراهنة في الزمنين السياسي والمجتمعي العربي لحظة فارقة بكل ما في الكلمة من معنى، وهي بهذا القدر من الهلامية الظاهرة تُنذر بمستقبل سيأتي كاسحاً ومؤكداً، فالمُتغير المجتمعي يبدأ عادة من العقل والفؤاد ثم يتحول إلى قوة مادية عارمة.
وقد قال منظرو الألفيات الفاضلة قبل حين من الدهر: إن الأفكار تتحول إلى قوة مادية متى ما استحوذت على أذهان الجماهير.
وقالوا أيضاً: إن الوجود الاجتماعي سابق على الوعي الاجتماعي، وإن المتغير المجتمعي يبدأ من الحياة المادية ثم ينتشر ليعُم حيوات الناس النفسية والروحية، فيتبدّى كتنين المتاهة الذي يندفع صوب المجهول.
هذه الحقيقة تُلزم النظام العربي بالنظر المُمْعن إلى الاحتمالات القادمة، وإعادة احتساب أولوياته وفلسفة إدارته للحكم، وإذا ما فعلوا ذلك فإن مسارات المستقبل المُداهم ستكون أكثر نعومة ومنطقية، وإذا تكبّروا وتجبّروا وأصرّوا على البقاء في طلول العاديات فإن التاريخ سيقدم جوابه الناجز، وسيسفر عن دهائه الماكر، فالتاريخ لا يرحم من لا يحتسب له ولنواميسه، والأيام حُبلى بمفاجآت تستعصي على إدراك أي مراقب ابستمولوجي، ويكفينا أن نأخذ العبرة مما يجري الآن في الولايات المتحدة التي طالت وتطاولت، فإذا بها ترتطم بمفاجآت وأزمات طالما اعتبر ت أنها من باب المستحيل.
Omaraziz105@gmail.com